فنانات غزة ينهضن بلوحاتهن كالعنقاء من قلب الإبادة

مثلت اللوحات التي احتضنها معرض "العنقاء" الذي أقيم في قطاع غزة المرأة الفلسطينية التي تنتمي لأرضها صابرة على كل ما تكابده من صعوبات، والطفلة التي كبرت قبل أوانها.

رفيف اسليم

غزة ـ من قلب حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، انطلقت فنانات قطاع غزة في معرضهن ليعرضن لوحات تحمل رسائل للعالم حول الإبادة، والتجويع، والنزوح، وانهيار القطاع الصحي، إضافة لقضايا المرأة التي عانت الويلات خلال الهجوم وبعض القضايا التراثية الأخرى التي تؤكد حق الفلسطينيين في أرضهم منذ آلاف السنين.

على هامش معرض "العنقاء"، الذي أقيم اليوم الأربعاء 9 تموز/يوليو، قالت الفنانة بسمة الجراح، أن العنقاء هو معرض للفنانين والفنانات الذين فقدوا مراسمهم ولوحاتهم خلال الهجوم، وقد اتخذ ذلك الاسم المأخوذ من الأساطير القديمة كون العنقاء تنهض من الرماد وتقوم من جديد، وكذلك فنانات المدينة المنكوبة اللواتي فقدن أدواتهن وكل شيء يربطهن بالفن ليخرجن اليوم للعالم بتلك الأعمال، بأقل الإمكانيات المتاحة.

وبينت أنها شاركت بالمعرض من خلال عملين، اللوحة الأولى حملت عنوان الانكسار، لتعبر عن لحظة الفقد الأولى سواء كانت أشخاص، أو طموحات، أو أملاك وغيرها، وتلك الفكرة هي ما يجب أن تصل للمتلقي عند النظر إليها للوهلة الأولى، بينما اللوحة الثانية بعنوان إعادة الترميم وموضوعها ترميم الذات أو أي شيء مادي أخر وهو ما بحاجة إليه، موضحةً أن على كافة نساء وفتيات المدينة إدراك فكرة أنهن سيصبحن أجمل وأقوى بعد ترميم أنفسهن.

وعن المعرض الفني الذي انطلق من قلب الإبادة، تؤكد بسمة الجراح، أنه يعني أن فنانات غزة ما زلن على قيد الحياة قادرات على الإنتاج، وعلى خلق الإبداع من قلب الألم، على الرغم من الصعوبات التي واجهتها خلال توفيرها المواد الخام، كون العمل فكرته مختلفة تقوم على إيجاد الزجاج والورد المجفف فاستغرق الأمر منها الكثير من الوقت والجهد، أملةً أن تصبح بخير عما قريب دون التظاهر بذلك، وأن تصل رسالتها للعالم.

بينما ترى إيناس ريان، أنه من الضروري تذكير العالم من خلال الفن بتاريخ فلسطين وتراثها، كون "إسرائيل" تحاول دوماً اظهار أهل غزة وخاصة نسائها بأنهن كائنات بدائية لا تفهم سوى بلغة القتل والدماء، بالتالي جاء التركيز على الفنون والتراث لمخاطبة العالم بأن هناك شعب متحضر يباد أولاً بالأكاذيب والصورة المشوهة التي تصدرها السلطات الإسرائيلية عنه، وثانياً بالصواريخ والإبادة الجماعية التي تأبى التوقف من تشرين الأول/أكتوبر 2023.

ولا تنكر ايناس ريان، أنها في بداية الهجوم لم تستطيع التعبير عن نفسها فنياً بسبب كم الفقد والقهر الذي كانت تشعر به، وعندما استيقظت من صدمتها وأرادت ترجمة جميع ما تراه عينها من مأسي للوحات فقدت أدواتها الفنية ومرسمها، مشيرةً أن العنقاء طائر أسطوري بألوانه النارية الذي يحترق في نهاية عمره ويعود من الرماد، والفنانة الفلسطينية كذلك.

وقد شاركت إيناس ريان، بثلاث لوحات في المعرض، الأولى بعنوان "محمد مش حمود" وهنا تتحدث عن معاناة الطفل الصغير الذي اضطر لأن يكون معيل العائلة بعد موت أبيه ليشد عضد والدته كما الكثير من أطفال غزة، واضعة على وجه الصغير شارب، بينما اللوحة الثانية "ذهب عتيق" تروي أصالة التاريخ الفلسطيني وعلاقاته مع القمح والأرض والزيتون، أما اللوحة الثالثة بعنوان "لن نرى سواها" فمن وجهة نظرها لا توجد وسيلة لنجاة الفلسطيني سوى المقاومة.

أما الفنانة رغد درويش، فتشير إلى أن مشاركتها بالمعرض جاءت لتجديد الشغف والعودة إلى الفن بعد انقطاع طويل ليشكل الروح والحياة التي بدأت تنبض بالشارع الفلسطيني من جديد، لافتةً إلى أنها خصصت لوحاتها للمرأة الفلسطينية التي تنتمي لأرضها صابرة على كل ما تكابده من صعوبات، وللطفلة التي كبرت قبل أوانها لتحمل كفن شهيد ومفتاح البيت الذي يشكل رمز للذاكرة الفلسطينية التي ترافقها حتى الموت وتصر عليها.

ومن أبرز الصعوبات التي واجهتها رغد درويش، الوضع الأمني والاستهداف المتعمد للمقاهي والتجمعات الخاصة بالثقافة والفنون من قبل القوات الإسرائيلية، قائلةً أنها تريد إيصال رسالة من خلال أعمالها "نحن شعب يريد أن يحيا بعيداً عن نيران الحروب ولا ذنب لنا في تلك الإبادة خاصة الشابات اللواتي في مقتبل العمر".

فيما عرفت نور القصصية، عن نفسها بأنها فنانة ومصممة أزياء من قطاع غزة، وقد شاركت بلوحات تجسد التروما والصدمات النفسية الناتجة لدى النساء من أهوال الهجوم المستمر منذ ما يقارب العامين، مستخدمة درزات التطريز والخيوط، بإدخال عنصر الطير لترمز إلى الحرية المسلوبة والحصار المفروض بسبب الاحتلال وكيف شلت طاقاتهم بسببه.

وقد ركزت على النساء كونهن مرتكز الحياة خلال الهجوم، والمقاوم الأول عبر الثبات في الأرض وتغيير الصورة النمطية من خلال الفن، مضيفةً أن ذلك الفن يصل الرسائل التي لم تستطيع صور الأشلاء والدماء إيصالها وذلك عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي والمعارض الدولية التي خاضت تجربة المشاركة بها مؤخراً في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تم بيع جميع لوحاتها في ذات اليوم.

بينما عادت نداء أحمد، للفن بعد هجرة قسرية لمدة ثلاثة أعوام، لتكمل وتنتج أعمالها من قلب المعاناة فهناك في إحدى لوحاتها طفل ينتظر كيس الدقيق رسمت لوحته بعنوان "لقمة مغمسة بالدم"، مستخدمة خلالها صناديق المساعدات وملصقات لبرنامج الأغذية العالمي، واللوحة الأخرى عن الحياة والموت فوضعت داخل اللوحة للمحلول دلالة على استحالة البقاء على قيد الحياة بدونه، والشاش لكثرة الجروح التي لا تلتأم.

ولفتت إلى أن رسوماتها قبل الحرب كانت تتسم بالحيوية والألوان الزاهية لكن ما بعد الحرب اتخذت من الألوان الداكنة أسلوب لها لإيصال فكرة عدم الشعور بالأمان والخوف المستمر، وتحلم بتوقف الهجوم على غزة وأن يصبح محتوى تلك اللوحات ذكرى، ولا تضطر لأن تعود لرسم أعمال مماثلة مرة أخرى.

ويذكر أن فكرة معرض "العنقاء" تقوم على إحياء الفن في قطاع غزة خلال الإبادة خاصة للفنانين الذين فقدوا مراسمهم خلال حرب الإبادة وهو ناتج عن دورة تدريبية مكثفة لمدة شهر ونصف، بمشاركة 25 فنان غالبيتهم من الفنانات، مستخدمين عدة خامات للوحات مثل الكانفس، والفحم، والخشب، والباستيل الطباشري، ليتم انتاج 55 لوحة تتنقل الواقع في القطاع خلال الهجوم.