دار المرأة... المرجعية الأساسية لاعتماد قرارات قضايا النساء

تشكل دار المرأة في قامشلو بإقليم شمال وشرق سوريا ملاذ لمعالجة قضايا النساء، تعزيز الحوار الأسري، ومواجهة تحديات مثل التفكك الأسري والابتزاز الإلكتروني، مع ترسيخ قيم العدالة والمساواة.

سوركل شيخو

قامشلو ـ تلعب المؤسسات النسائية في إقليم شمال وشرق سوريا دوراً محورياً في حماية النساء من العنف والتهميش، وتعمل على تمكينهن قانونياً واجتماعياً عبر مراكز الدعم، حملات التوعية، والمشاركة الفاعلة في الإدارة الذاتية.

في إقليم شمال وشرق سوريا، تُعدّ "دار المرأة" إحدى أبرز المؤسسات التي تحولت إلى ملاذ للنساء ومصدر للدفاع عن حقوقهن.

 

"الحوار الأسري أساس الاستقرار وحماية الأطفال"

 

 

قالت إدارية دار المرأة في مقاطعة الجزيرة بهية مراد إن ثورة المرأة بإقليم شمال وشرق سوريا فتحت الطريق أمام النساء للجوء إلى دار المرأة من أجل معالجة مشكلاتهن والدفاع عن قضاياهن. وبعد إقرار العقد الاجتماعي تغيّر النظام القائم، وبما أن الكومين يُعد الخلية الأساسية والأصغر في المجتمع، فقد أصبحت قضايا النساء تُطرح أولاً في كومين المرأة داخل الحي، ثم تُحال لاحقاً إلى دار المرأة لمتابعتها بشكل أوسع.

وأوضحت أن الكومين، باعتباره الخلية الأقرب إلى حياة الناس، يكون أكثر اطلاعاً على أوضاع الحي ومشكلاته. لكن إذا لم تُحل القضايا على هذا المستوى، فإن دار المرأة يتدخل لمعالجتها وفق نظامه الداخلي "يعمل المركز على الاستماع إلى النساء والرجال معاً، ووضعهم في مواجهة مباشرة، ثم البحث عن حلول عبر أساليب متعددة، وبشكل خاص في القضايا المتعلقة بالصلح، يسعى المركز إلى تحقيق توافق اجتماعي يضمن عدم ترك المشكلات دون حل، ويحول دون استمرار النزاعات، ليكون بذلك أداة فعّالة في تعزيز العدالة الاجتماعية وحماية حقوق النساء داخل المجتمع".

وبيّنت أن دور دار المرأة لا يقتصر على معالجة المشكلات والقضايا فحسب، بل يُعد أيضاً مركزاً أساسياً لتثقيف الأسرة، الأزواج الذين يلجؤون إليه لعرض قضاياهم "فمنذ انطلاقة ثورة روج آفا، عمل المركز على ترسيخ مفهوم الأسرة الديمقراطية والحياة المشتركة، وساهم في نشر هذا النموذج عبر جهود متواصلة"، مؤكدةً أن الهدف من هذه الجهود ضمان مستقبل أفضل للأطفال، وذلك من خلال فتح مسارات للحلول العادلة ومعالجة المشكلات بشكل يرسخ قيم العدالة والمساواة داخل المجتمع.

وشددت بهية مراد على أهمية ترسيخ ثقافة الحوار بين الزوجين، مؤكدةً أن الإصغاء المتبادل يسهم في الحد من معدلات الاكتئاب والقلق. فالحوار يُعد من أنجع وسائل الحل وأكثرها تأثيراً، إذ ينعكس بشكل مباشر على استقرار الأسرة ويضمن للأطفال بيئة صحية وآمنة تساعدهم على النمو في أجواء يسودها التفاهم والطمأنينة.

وأشارت إلى أن سنوات الحرب والنزوح أفرزت مشكلات جديدة ومعقدة، أبرزها تفكك الأسر نتيجة غياب أحد الوالدين. فقد أدت ظروف التهجير إلى بقاء الزوجة والأطفال في الداخل بينما اضطر الزوج إلى الهجرة، مما جعل الأمهات عاجزات عن تحمل المسؤولية وحدهن، في حين غاب دور الأب في المساندة. ومع ذلك، تؤكد أنه لا يجوز أن ينشأ الأطفال بلا رعاية أبوية أو أسرية.

وأوضحت أن من أخطر القضايا التي برزت خلال السنوات الخمس الأخيرة هي الابتزاز الإلكتروني، حيث تواجهه بشكل خاص الشابات. ورغم أنه لا يتطور غالباً إلى عنف مباشر ضد الفتيات، إلا أنه يترك آثاراً نفسية واجتماعية بالغة. لذلك، تعمل دار المرأة على إيجاد حلول لهذه المشكلات، مع التأكيد على أن للأسرة دوراً محورياً في متابعة سلوك الأبناء وتوجيههم نحو مسارات أكثر أماناً واستقراراً.

ولفتت إلى أن السنوات الأخيرة شهدت تغيرات ملحوظة مقارنة بالماضي، حيث ارتفع مستوى الوعي والفهم لدى النساء. ففي السابق، كانت النساء اللواتي يتعرضن للابتزاز الإلكتروني غالباً ما ينهين الأمر بالصمت أو بمحاولة تجاوزه بمفردهن، أما اليوم فقد باتت النساء، خاصة الشابات، أكثر جرأة في مواجهة هذه التهديدات، إذ يلجأن مباشرة إلى قوى حماية المرأة وإلى دار المرأة لطلب الدعم والحماية.

وفي ختام حديثها، أوضحت بهية مراد، أن اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة ليس مناسبة عابرة، بل هو امتداد لجهود يومية متواصلة "نسعى لجعل كل أيامنا يوماً للنضال ضد العنف الموجَّه ضد النساء والرجال والأطفال والمجتمع بأسره. ومن أبرز النماذج على المستوى العالمي، حيث تُعالج قضايا النساء بقرارات مستقلة تخصهن، هو دار المرأة، الذي تأسس وفق ميثاق الأسرة عام 2022، تضطلع بمهمة معالجة قضايا النساء وإيجاد الحلول لها".

 

"الضغوط الاجتماعية تدفعهن للتنازل ووعيهن القانوني يتزايد"

 

 

بدورها، لفتت المحامية جيلان حمي الانتباه إلى القضايا النسائية التي تُحال من دار المرأة إلى المحاكم المجتمعية "إذا لم تُحل قضية المرأة في الكومين أو في دار المرأة، ولم تنجح محاولات المصالحة، فإنها تُحال إلى محاكم العدالة الاجتماعية، لتصبح قضية قانونية. وغالباً ما تواجه النساء صعوبات كبيرة عند تقديم شكوى، وبسبب الضغوط يُضطررن أحياناً إلى التنازل عن قضاياهن وسحبها من المحاكم".

وأفادت "تبدأ هذه الضغوط من داخل الأسرة نفسها، إذ لا يقبل بعض الأهالي أن ترفع بناتهم قضية ضد أزواجهن، بحجة أن ذلك ليس من حقهن. ويُقال للنساء بلغة اجتماعية "أنتِ جزء من المجتمع، وعليكِ أن تتحملي". وهكذا تُحمَّل النساء اللواتي يتنازلن عن قضاياهن المسؤولية، ويُعتبر ذلك خضوعاً لعادات وتقاليد المجتمع السائدة".

وأوضحت أن الوجهاء والأعيان في المجتمع يلعبون دوراً في دفع النساء إلى التنازل عن قضاياهن، حيث تُمارس عليهن ضغوط مباشرة وغير مباشرة تجبرهن على سحب شكاواهن والتخلي عن حقوقهن القانونية، لافتةً إلى أن متابعة العديد من قضايا المرأة كشفت عن ضعف معرفة النساء بحقوقهن القانونية، وهو ما يفتح المجال أمام عرقلة مسار العدالة ويخلق حالة من الخوف القانوني لديهن. ونتيجة لذلك، تجد النساء أنفسهن أمام خيارين، إما الاستمرار في القضية رغم التعقيدات والشروط القاسية، أو التنازل عنها، وهو ما يؤدي في النهاية إلى فقدان حقوقهن القانونية.

وترى جيلان حمي أن الوعي الجديد في مواجهة العقلية الأبوية والذكورية التقليدية يمثل خطوة أساسية نحو تحقيق العدالة وانتزاع الحقوق، مؤكدةً أن بناء مجتمع ديمقراطي قائم على الأخلاق والسياسة العادلة لا يمكن أن يتحقق إلا عبر المرأة التي تُعد الركيزة الأساسية في هذا المسار، وأنه على النساء أن يخضن بأنفسهن غمار النضال والمقاومة، وأن يواجهن العقلية التقليدية بالتساؤل والتحليل النقدي، ليأتي بعد ذلك دور المحاميات والمنظمات النسائية في دعمهن وحمايتهن. مشددةً على أن البداية الحقيقية يجب أن تنطلق من المرأة نفسها.

وأشارت إلى أن الثورة شكلت نماذج لنساء استطعن انتزاع حقوقهن القانونية، وأن عدد اللواتي يواصلن قضاياهن أمام المحاكم يزداد عاماً بعد عام، فيما يتراجع عدد اللواتي يتنازلن عنها. ومن خلال نضالهن ضد العقلية المجتمعية والقوانين الأسرية، تمكنت النساء من تحقيق قدر من التوازن ولو كان محدوداً.

وفي ختام حديثها، وجهت جيلان حمي نداءً إلى المحامين والعاملين في مؤسسات العدالة، داعية إياهم إلى أن يكونوا جزءاً من مسار صياغة القوانين التي وُضعت وأصبحت إحدى ثمار ثورة روج آفا، وذلك عبر المشاركة الفاعلة في هذا النضال.