التجنيس غير الرسمي للمقاتلين الأجانب في سوريا وآلية التنفيذ

مقال بقلم الإعلامية ومقدمة برامج فضائية "روج آفا" إيفا حسي

منذ حزيران الماضي شرعت الحكومة السورية المؤقتة حملة لتجنيس المقاتلين الأجانب يصل عددهم إلى 40 شخصاً بشكل يومي يتم دمج الآلاف ضمن هيكلية وزارة الدفاع السورية بطرق غير رسمية، وأفادت مصادر لاندبندنت عربية أن عمليات التجنيس بدأت أغلبيتها بالجنسية التركستانية ضمن تقسيمات إدارية وحيوية لم تعلن طبيعتها رسمياً ولم تذكر أي تفاصيل حيث اكتفى رئيس الحكومة السورية المؤقتة أحمد الشرع بتصريح عام لوسائل الإعلام قال فيه إنه من الواجب الاعتراف بجميع هؤلاء المقاتلين الأجانب، ووفقاً لوكالة رويترز، فقد قدم المقاتلين الأجانب من مختلف الجنسيات بطلبات رسمية في أغسطس العام الجاري للحصول على الجنسية مثل (باكستان، الإيغور، أمريكا، أوروبا، وغيرهم) التماساً لوزارة الداخلية طالبوا فيه "الجنسية الكاملة والجواز السوري"، وبحسب مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان يتم تجنيس المقاتلين بشكل غير قانوني عبر استخدام سجلات من قُتلوا في الساحل السوري حديثاً على يد عناصر من الأمن العام التابعة للحكومة السورية المؤقتة، حيث تقوم عدد من الأجهزة الأمنية بالاستيلاء على الأرقام الوطنية المكتوبة على الهويات أو الثبوتيات الشخصية للضحايا وتُستخدم نظام برمجي داخل السجلات المدنية ضمن المؤسسة الحكومية منهم تظهر للعامة وأخرى مخفية (نسخة مفلترة)، بينما في الواقع توجد نسخة داخلية تُستخرج منها الأرقام الوطنية وتُمنح للضحايا المغدورين لعائلة من أوزبكستان على أساس أنهم من نفس العائلة المقتولة، ولا تزال الأجهزة الأمنية تتستر على هذا الملف الأمر الذي رفضه جزء من المقاتلين الأجانب لأنهم يريدون اعترافاً رسمياً بالجنسية وجواز سفر كامل، وليس مجرد "تغطية أمنية"، وبحسب المرصد السوري يتراوح عدد المقاتلين الأجانب في سوريا بين 18 ألفاً و42 مقاتل لا يزالون داخل الأراضي السورية ويشمل أيضاً من بقي في إدلب وريفها، إضافة إلى مناطق أخرى، وأبرزهم من الأيغور (التركستان الشرقيون من الصين)، فيما يشكل نصفهم من الأوزبك مندمجين ضمن هيئة تحرير الشام حيث أصبحوا العمود الفقري للفصائل "الجهادية" الأجنبية شمال غرب سوريا، أما نسبة العرب أقل بكثير من السابق، كما هناك أيضاً مقاتلون من القوقاز، الشيشان، وداغستان، والأوروبيون.

 

الدور التركي وشبكات التجنيد

وأكدت تقارير الأمم المتحدة أن آلاف المقاتلين عبروا من تركيا إلى الداخل السوري بتسهيلات ضمنية، ووثقت صحف مثل نيويورك تايمز والغارديان وجود شبكات تجنيد في تركيا تنقل مقاتلين من آسيا الوسطى، القوقاز، أوروبا، وحتى الصين (الإيغور) منذ عام 2012 وحتى عام 2016، وبعض الفصائل تمركزت في مناطق نفوذ تركي (مثل الحزب الإسلامي التركستاني)، بالإضافة إلى ذلك كشفت تقارير خاصة (ألمانية وفرنسية) بأن أنقرة سهّلت مرور الإيغور من الصين عبر مطارات إسطنبول باستخدام جوازات سفر تركية أو مزورة، ثم إرسالهم إلى إدلب، وبحسب مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان فأنه في جولات محادثات جنيف التي رعتها الأمم المتحدة بعد قرار مجلس الأمن 2254 عام 2016 كانت هناك أصوات داخل المعارضة تؤكد ضرورة دمج المقاتلين الأجانب وكثير من هؤلاء المسؤولين أصبحوا لاحقاً في مواقع قيادية.

 

المخاطر الداخلية

إن ملف تجنيس المقاتلين الأجانب سيؤدي إلى تعميق الانقسام المجتمعي مما يعني فرض جماعات ذات هوية مختلفة (عرقية وفكرية) داخل النسيج السوري، إلى جانب ذلك جرائم أمنية واحتمال استمرار العنف كون هؤلاء معتادون على القتال والسلاح، ما يجعلهم مصدراً دائماً للاضطرابات والاشتباكات حتى بعد انتهاء الحرب، كما أن تجنيسهم في سوريا يسهّل انتقالهم إلى دول الجوار (تركيا، العراق، الأردن، لبنان) بهويات سورية جديدة، وسيؤدي أيضاً إلى تصعيد دبلوماسي أو أمني ضد سوريا من قبل دول مثل الصين بسبب الإيغور أو روسيا بسبب القوقازيين وسيضع سوريا في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي، ويحوّلها إلى بؤرة غير مستقرة ومصدر تهديد عابر للحدود.

وفي أول ظهور علني للإيغور كان من خلال الحزب التركستاني الإسلامي عام 2015 في ريف إدلب حيث شارك مع جبهة النصرة في السيطرة على المدينة ورفع رايته فوق كنيسة القديس يوسف الكاثوليكية بعد تدمير الصليب، كما أرتكب أعمال عنف وتهجير قسري للسكان المحليين في ريف إدلب وبالأخص القرى العلوية والمسيحية، أما الأوزبك والشيشان فقد تورطوا في عمليات انتحارية ضمن صفوف "جبهة النصرة" و "داعش"، وقاد بعضهم معارك بارزة مثل معركة مطار منغ العسكري في حلب، بينما أنخرط الأفارقة خصوصاً الذين قدموا من الصومال وتشاد في كتيبة "المهاجرين" ضمن مجموعات داعش الإرهابية، وشاركوا في السيطرة على مناطق واسعة من الرقة ودير الزور وارتكبوا انتهاكات موثقة ضد المدنيين، سواء عبر التهجير، أو التدمير الرمزي، أو عبر العنف أو التحرض الذي نُقل في إعلامهم الخاص.

 

خطر عودة تنظيمات مشابهة "لداعش"

إن مسار عودة تقوية تنظيم داعش الإرهابي سيكون من خلال منح شرعية للمقاتلين الأجانب في تجنيسهم أو دمجهم بمؤسسات عسكرية مثل "الجيش الوطني" كون دمجهم سيضعف الانضباط العسكري لأنهم عناصر ذات عقيدة جهادية متطرفة تهدد المكونات السورية والتعايش السلمي في المنطقة من خلال خطاباتهم الطائفية، إذ يظهرون في مقاطع فيديو موثقة ويهددون المسيحيين والعلويين والدروز والكرد، لذا مع تجنيسهم يصبح لديهم ملاذ آمن داخل سوريا ومع الوقت يمكن أن ينظموا أنفسهم في شبكات سرية تشبه "داعش" أو "القاعدة"، وأي دمج شكلي لهم في الجيش الوطني أو غيره قد يؤدي إلى انشقاقات مسلحة لاحقة، كما حدث مع عناصر انضمت سابقاً لفصائل معارضة ثم انشقت نحو داعش ببداية الحرب في سوريا ما يعني أن خطر "داعش" أو شبيهه سيظل حاضراً لسنوات طويلة، ولن يكون هناك "استقرار حقيقي" وستتحول سوريا إلى ساحة للفوضى المسلحة.

من أبرز المخاطر المترتبة على منح الجنسية لعناصر مسلحة متهمة بالتطرف أو الإرهاب داخل سوريا سيؤدي إلى تفكيك النسيج الاجتماعي وإدخال فكر تكفيري متشدد إلى المجتمع السوري، والاعتراف بهم كمواطنين سيضفي غطاءً رسمياً على جماعات تحمل مشروعاً عنيفاً كونهم لا يؤمنون بالديمقراطية وبالتالي يمكن أن يشكّلوا خلايا متمردة عند أي خلاف سياسي أو عسكري وسيحولهم من عناصر عابرة إلى جزء من البنية الوطنية السورية.

وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي فقد تتحول سوريا لممر عبور الجهاديين ومركز لاستقدام وتصدير مقاتلين إلى بؤر أخرى كـ إفريقيا، وآسيا الوسطى، كما حدث مع أفغانستان في الثمانينيات، ونستنتج من ذلك أن هذا الملف وهو أخطر مسار يمكن أن يُفتح أمام بلد يسعى إلى استعادة سيادته واستقراره.

 

ملف تجنيس المقاتلين الأجانب في سوريا... تقييم المخاطر الاجتماعية والأمنية

يشير بعض المراقبين إلى وجود خطر ملموس في مسار تجنيس المقاتلين الأجانب، نظراً لاستمرار مشروع تطرف لا يتوافق مع طبيعة المجتمع السوري المتنوع عرقياً وطائفياً، ويُعتبر أن منح الجنسية لهؤلاء العناصر قد يحوّل سوريا إلى ملاذ للمتطرفين مع ما يترتب على ذلك من فجوة عميقة بين المجتمع السوري التقليدي والمجتمع المتوقع مستقبلاً تحت تأثير هذا المسار.

وتدعم هذه المخاوف توثيق تقارير أممية ووكالة "رويترز"، مشاركة مقاتلين أجانب في أحداث عنف واسعة، بما في ذلك مجازر الساحل في آذار/مارس2025، ما يعكس أبعاداً عملية تتجاوز التحليلات النظرية.

على الرغم من ذلك، فإن هذه التحذيرات لا تشكل جزءاً من الحسابات الجيوسياسية الكبرى التي تحدد مواقف القوى الدولية والإقليمية، الأمر الذي يجعل قضية التجنيس قائمة ومستمرّة، وبالتالي، فإن انعكاسات هذا الملف ستظهر على أرض الواقع في حياة السوريين.