المهرجان الثقافي الوطني لإبداعات المرأة... فضاء مفتوح لتمكين النساء
افتتحت وزارة الثقافة والفنون في الجزائر الطبعة العاشرة من المهرجان الثقافي الوطني لإبداعات المرأة الذي يشكل فضاءً مفتوحاً لتمكين النساء للتعبير عن ذواتهن خارج القوالب النمطية التي طالما حاصرتهن.

نجوى راهم
الجزائر ـ المهرجان الوطني لإبداعات المرأة، المنظم منذ عام 2010 تحت رعاية وزارة الثقافة والفنون، يهدف إلى دعم وتمكين المرأة الجزائرية في مجالات الفن والحرف والصناعات التقليدية، انطلق هذا العام تحت شعار "امرأة الجنوب... أصالة تروى وإبداع يضيء".
وسط أجواء احتفالية نابضة بالحياة، وبحضور نسوي متنوع جمع فنانات، حرفيات، وشاعرات من مختلف المدن الجزائرية، افتتحت وزارة الثقافة والفنون في الجزائر الطبعة العاشرة من المهرجان الثقافي الوطني لإبداعات المرأة أمس السبت ١٨ تشرين الأول/أكتوبر والذي سيستمر حتى 24 من الشهر ذاته، حيث شكل الحدث أعمق من مجرد فعالية فنية؛ كان إعلاناً جديداً عن رغبة الجزائريات في الظهور، في أن يُسْمِعن أصواتهن، وأن يُقَدّمن إبداعهن بوصفه فعلاً من أفعال الكفاح الثقافي.
منذ تأسيسه، لم يكن المهرجان الثقافي الوطني لإبداعات المرأة مجرد واجهة للاحتفال، بل فضاءً مفتوحاً لتمكين النساء من التعبير عن ذواتهن خارج القوالب النمطية التي طالما حاصرتهن، حيث أنه في كل دورة، تُعيد المشاركات رسم حدود الحضور النسوي في الفضاء العام، بين فنٍّ يُبدع الجمال، وصوتٍ يحمل الذاكرة، وأيادٍ تحيك الأمل بخيوط الحرف والقصص.
حيث أن اختيار المرأة الصحراوية محوراً لهذه الطبعة لم يكن صدفة، فالصحراء، بما تحمله من رموز القوة والصبر والامتداد، تُشبه مسار الجزائريات اللواتي صمدن في وجه النسيان، وأنّ تسليط الضوء على المرأة الصحراوية هو اعترافٌ بإبداع بقي طويلاً على الهامش، في جغرافيا بعيدة عن المركز، لكنه لا يقلّ عمقاً ولا صدقاً.
من خلال المعارض والعروض التي قدّمتها نساء الجنوب، ظهرت الصحراء ليست كفضاء جغرافي فقط، بل كذاكرةٍ تتكلم بلغة اللون والرمز والحركة، وكانت الرسالة واضحة مفادها أن الإبداع ليس حكراً على المدن الكبرى، بل ينبع من كل رقعة من هذه البلاد حين تُمنح المرأة حقّ الظهور.
وما يميز هذه الدورة هو انتقالها من مجرد عرض مواهب إلى ممارسة ثقافية تشاركية، حيث تتقاطع الفنون مع النقاش حول قضايا النساء في الفضاء العام، كما أن الورشات واللقاءات الفكرية لم تكن محض تكميل للبرنامج، بل منابر حوار حول موقع المرأة في الحقل الثقافي، وصعوبات الوصول إلى الاعتراف المؤسسي بإبداعاتها.
تحويل الإبداع إلى وسيلة للتحرر
في هذا السياق، تحوّل المهرجان إلى مكان للتمكين، لا عبر الخطاب فقط، بل من خلال التأكيد بأن مساحات عرض تُدار بأيدي نساء، نقاشات تقودها فاعلات ثقافيات، وحوارات تفتح الباب أمام أجيالٍ شابة تبحث عن معنى حضورها في مجتمعٍ ما زال يضع الفن النسوي بين الإعجاب والتهميش.
وحين تصعد امرأة من الجنوب لتعرض لوحتها أو تنسج قطعة من تراثها أمام جمهورٍ وطني، فإنها لا تبيع منتجاً، بل تستعيد حقّها في السرد، في أن تروي قصتها بنفسها، وهذا بالضبط ما يمنحه المهرجان من فرصة: تحويل الإبداع إلى وسيلة للتحرر من الصمت الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
كما أنّ حضور المرأة في هذا المهرجان هو فعلٌ ثقافي بامتياز، لكنه أيضاً فعلٌ سياسي بمعناه العميق، تحدّي الهامش، وتأكيد أن الثقافة ليست رفاهاً، بل سلاحاً رمزياً في معركة المساواة والاعتراف.
ورغم الأجواء المشرقة التي ميّزت الافتتاح، فإن هذا المهرجان يذكّر بأن الطريق نحو عدالة ثقافية لا يزال طويلاً، فالكثير من الفنانات الجزائريات ما زلن يواجهن صعوبات في الإنتاج والتوزيع والدعم، كما أن حضور المرأة في مواقع القرار الثقافي ما زال محدوداً، ومع ذلك، فإن كل دورة من هذا المهرجان تمثّل خطوة أخرى نحو تفكيك البنية الذكورية للمشهد الثقافي، وإعادة تعريف الثقافة كحقّ للنساء أيضاً.
ويعد المهرجان الثقافي الوطني لإبداعات المرأة حدث سنوي وذاكرة حيّة تتجدّد مع كل مشاركة نسائية تُصرّ على الوجود رغم التحديات، في لوحاتهن، في قصائدهن، في خيوط الزرابي التي تحمل حكايات الجدّات، وتؤكد الجزائريات إنّ الإبداع هو فعل بقاء، وأنّ كل عملٍ فني هو شهادة على أن المرأة الجزائرية لم تعد تنتظر النور بل تصنعه.