الإبادة الشركسية جرح لا يزال ينزف في الذاكرة
يصادف اليوم 21 أيار/مايو الذكرى الـ 160 للإبادة الجماعية بحق الشركس على يد روسيا القيصرية، الإبادة التي شكلت صورة متجذرة في ذاكرة الأجيال.
سيلفا الإبراهيم
منبج ـ في الذكرى السنوية الـ 160 للإبادة، شركسيات تستذكرن شوكا ماف (اليوم الأسود)، الذي خلف آلاف الضحايا وتهجير 90% من المكون الشركسي، ولا يزال المجتمع الدولي يتجاهل المآسي التي عاشها الشركس.
الشركس من شعوب بلاد القوقاز يحد بلادهم من الشمال روسيا، ومن الجنوب تركيا ومن الغرب البحر الأسود، ومن الشرق بحر قزوين، أدت الحرب التي دامت مئة وعام بين روسيا القيصرية والمكون الشركسي ما بين عامي 1763 ـ 1864 لإبادة جماعية بقصد التطهير العرقي والتغيير الديموغرافي بحق الشركس، راح ضحيتها الآلاف من الشركس إلى جانب تهجير 90% منهم إلى المنفى ليفقد الملايين منهم حياتهم خلال رحلة الهجرة القسرية من جبال القوقاز الموطن الأصلي لهم عبر البحر الأسود، لذلك يعتبر الشركس حول العالم أن يوم الـ 21 من أيار/مايو من كل عام يوماً للحداد، ويطلقون عليه اسم شوكا ماف ويعني "اليوم الأسود".
قالت الرئيسة المشتركة للجمعية الخيرية الشركسية في مقاطعة منبج بإقليم شمال وشرق سوريا تالين ضياء الدين "هذا اليوم بالنسبة لنا يوم حداد وحزن على أجدادنا الشركس الذين فقدوا حياتهم، إلى جانب تهجير من نجوا من الإبادة التي قامت بها روسيا القيصرية آنذاك؛ قسراً لإجراء التغيير الديموغرافي، وتحقيق أطماعها في بلاد القوقاز التي كانت الطريق التجاري الآمن بين الهند والصين إلى أوروبا إلى جانب كثرة السهول والغابات فيها وتربتها الخصبة".
وأفادت أن الأجداد كانوا يقصوا عليها تفاصيل تلك الإبادة "أجدادنا كانوا دائماً حريصين على اطلاعنا على تفاصيل ما عانوه وكابدوه، وأكدوا أنه كان للنساء النصيب الأكبر من المعاناة فقد حملن على عاتقهن إنقاذ أطفالهن، فبعضهن تم فصلهن عن عوائلهن وأطفالها وتشردن في ظروف الحرب والهجرة آنذاك، والكثير من الشركس لاقوا حتفهم في البحر الأسود أثناء رحلة التهجير في السفن التي اتجهت إلى بلاد العثمانيين عندما تم إغراق السفن التي تقل المهجرين قسراً، وليومنا هذا يمتنع الشركس عن تناول الأسماك من البحر الأسود لأنها تغذت من جثث أجدادهم، وتسببت الهجرة القسرية بانتشار الشركس في كافة بلدان العالم، ففي الشرق الأوسط ينتشرون في سوريا وتركيا والأردن"، مؤكدةً "غاية روسيا القيصرية من عملية التهجير تشتيت شمل الشركس، ولكي لا ننسى ما حل بنا ولا ننسى تاريخنا، نحن اليوم بدورنا نقص هذه التفاصيل على أبنائنا لتبقى هذه الإبادة حية في أذهانهم".
وعن مدى محافظة المجتمع الشركسي على ثقافته أفادت تالين ضياء الدين "استطاع الشركس التعايش مع جميع الشعوب التي هجرت إلى بلدانهم مع الحفاظ على ثقافتهم من عادات وتقاليد ولغة، وساهمت الجمعيات الشركسية في حث المكون الشركسي للحفاظ على إرثهم الثقافي عبر النشاطات والفعاليات الثقافية والفنية ودروس اللغة، وكذلك في مدينة منبج تعمل الجمعية الخيرية الشركسية في الحفاظ على إرثها الثقافي".
وفي السياق ذاته قالت عضو الهيئة الرئاسية في مجلس الشعوب في الإدارة الذاتية الديمقراطية بمقاطعة منبج هند داغستاني من المكون الشركسي إن "الهجرة الشركسية حدثت عام 1864 والحرب بين روسيا القيصرية والشركس دامت أكثر من مئة عام، وكانت الهجرة على ثلاثة مراحل خلال الحرب، والكبرى منها حصلت في 21 أيار بعد انتهاء الحرب حيث قصد الشركس 45 دولة حول العالم، وقد عانوا خلال هجرتهم، حيث مات جلهم في البحر ولمدة سبع سنوات كانت تطفوا جماجمهم وعظامهم على السطح، لذا يعتبرون البحر الأسود مقبرة لأجدادهم".
ولفتت إلى أن روسيا القيصرية لم تنفذ هذه الإبادة والهجرة لوحدها "قام العثمانيين بدور كبير في الهجرة القسرية للشركس، فالهجرة حصلت بعد إصدار قرار رسمي من قبل روسيا القيصرية والعثمانيين على تهجيرهم من شمال وشرق روسيا، حيث ورد في البيان الموقع بين الطرفين بأنه على الشركس الهجرة بالسرعة القصوى وإلا سيتم أخذهم كأسرى حرب، وحينها توجه الشركس لبلاد العثمانيين وبدورهم قاموا بطردهم إلى سوريا وبلدان أخرى".
وتطرقت إلى الدور العثماني في هذه الإبادة "ليسوا بعيدين عن ارتكاب مثل هكذا مجازر أو مد يد العون لارتكبها، فتاريخهم دموي ومليء بالمجازر، سواء ضد المكون الكردي أو الأرمني، والشركس أيضاً نالوا حصتهم من تاريخهم الدموي"، معتبرةً أن الدول الكبرى وما تسمى بالعظمة دائماً ما تبني إمبراطوراتها على جماجم الأبرياء، وإبادة الأقليات، وأن الشعوب المتلاحمة والمتحدة يتم القضاء عليها لتمرير سياساتهم، ويتبعون مقولة فرق تسد، مؤكدةً أنه "على الرغم من جميع سياسات الإبادة بحق المكون الشركسي والمكونات الأخرى التي كانت تتعرض للإبادة بشكل مستمر لا زالت تحافظ على لغتها وثقافتها".
حول تجاهل المجتمع الدولي لهذه الإبادة أكدت هند داغستاني أن "السياسة تغلب على الحالة الإنسانية، فعندما يتعلق الأمر بمصالح الدول الاقتصادية والسياسية، يسود الصمت على كافة المجازر والجرائم التي ترتكب بحق الشعوب، هذا الصمت يهيئ الأرضية لارتكاب المزيد من الإبادة، فالجرائم التي لا يكون لها رادع يسهل على السلطات التي تسفك الدماء لارتكاب المزيد منها والتي تصب في مصلحتها السياسية والاقتصادية".
وفي الختام أكدت أنه يجب على كافة المكونات الحفاظ على ثقافتها تحت أي ظرف كان، "تعرضت سوريا وإقليم شمال وشرق سوريا بشكل خاص لكافة الانتهاكات من قبل داعش واليوم تتعرض لهجمات من قبل الاحتلال التركي، إلا أنه يجب علينا في هذه الظروف مواجهة هذا الاحتلال والمحافظة على ثقافتنا".