'لا شرعية لأي قرار يمس ذاكرة التضحيات الوطنية'

ألغت الحكومة السورية المؤقتة عيد الشهداء في قرار لا يمس يوم السادس من أيار فقط، بل يهدد ذاكرة التضحية التي رسمت ملامح سوريا الحرة ويشكك في مصير القيم التي قامت من أجلها الثورة.

أسماء محمد  

قامشلو ـ أثار قرار الحكومة السورية المؤقتة القاضي بإلغاء عيد الشهداء من قائمة العطل الرسمية في البلاد، استياء واسعاً وغضباً بين مختلف شرائح المجتمع السوري، واعتبرته أمهات الشهداء في إقليم شمال وشرق سوريا إهانة لدماء آلاف المقاتلين والمقاتلات الذين ضحوا بحياتهم دفاعاً عن الأرض والحرية والكرامة.

في 5 تشرين الأول/أكتوبر 2025، أصدر  أحمد الشرع "الجولاني" المرسوم رقم 188، والذي تضمن إعادة تحديد المناسبات والعطل الرسمية المعترف بها في سوريا، وقد تم بموجب المرسوم حذف عيد الشهداء (6 ايار) إلى جانب مناسبات وطنية أخرى مثل عيد حرب تشرين واليوم العالمي للمرأة وعيد نوروز، في خطوة قالت الحكومة أنها تهدف إلى "إعادة تنظيم المناسبات الرسمية بما يتماشى مع المرحلة الجديدة".

لكن هذا القرار اعتبر من قبل كثيرين طعنة في ذاكرة السوريين ومحاولة لطمس أحد أهم رموز التاريخ الوطني، إذ يعد عيد الشهداء مناسبة وطنية ترمز لمقاومة السوريين ضد الاستبداد والاحتلال منذ عام 1916، وإلى نضال الأجيال التي قدمت دماءها من أجل وطن حر تسوده العدالة والمساواة، وفي مواجهة هذا القرار، ارتفعت أصوات عوائل وأمهات الشهداء في إقليم شمال وشرق سوريا احتجاجاً ورفضاً لما وصفته بمحاولة "إلغاء ذاكرة التضحية والفداء".

 

"عيد لكل من آمن بالحرية"

دلال بدور هي زوجة شهيد وأم شهيد من مدينة قامشلو تقول "نحن اللواتي ودعنا أبناءنا بزغاريد العز لا بدموع الضعف، قدمنا أغلى ما نملك دفاعاً عن الأرض والكرامة والحرية، ها نحن اليوم نقف لنقول، لن نسمح لأحد أن يمحو عيد الشهداء من وجداننا، فهو عيدنا وعيد كل من آمن بالحرية".

وعيد الشهداء بالنسبة لها ولعوائل الشهداء ليس مجرد مناسبة وطنية، بل هو "رمز لحياة جديدة انبثقت من رحم الألم"، وأمهات الشهداء حولن الحزن لإرادة من أجل استمرار النضال "دماء ابنائنا لم تكن عبثاً، فهي التي أنارت طريق الحرية لجميع الشعوب في إقليم شمال وشرق سوريا، إن إلغاء عيد الشهداء يعني إلغاء معنى التضحية، وهذا ما لن نقبله مهما كانت القرارات السياسية".

عوائل الشهداء في المنطقة ما زالوا أوفياء للمبادئ التي ضحى من أجلها شباب وشابات المنطقة وهذا الوفاء متمثل كما تقول دلال بدور بـ "حماية المؤسسات والمجالس التي تأسست بدماء الشهداء، وسنقف في وجه كل من يحاول النيل من مكتسبات الثورة. دماء الشهداء هي التي بنت أسس الإدارة الذاتية، وهي أمانة في أعناقنا إلى أن يتحقق النصر الكامل".

ولم تنسى لفت الانتباه إلى أن ثورة روج آفا ثورة تحرير وبناء الإنسان لا ثورة سلاح فقط، وهذا ما دفع العديد من الأطراف لاستهدافها وفتح جبهات لا تنتهي، خاصة من قبل الاحتلال التركي الذي حاول ضرب استقرار المنطقة ومقدراتها "العدو لم يكتف باستهداف المقاتلين والمقاتلات، بل استهدف إرادة المجتمع بأكمله، ومع ذلك بقيت شعوب المنطقة موحدة ومتماسكة. من واجبنا اليوم أن نصون هذه الوحدة، لأن وحدة الشعوب هي السلاح الأقوى في وجه جميع محاولات التفكيك والاحتلال".

 

التضامن الشعبي

وهناك العشرات ممن ضحوا في مقاومة سد تشرين التي شكلت كما تصف دلال بدور "واحدة من أبهى صور التضامن الشعبي في وجه العدوان، في سد تشرين وقفت النساء قبل الرجال، والأمهات قبل الأبناء، تلك اللحظة تعد درساً في الكرامة، حين اختلطت دموع الأمهات بزغاريد النصر، فأنبتت الأرض عزاً وشموخاً لا يقهر".

وناشدت دلال بدور بالتراجع الفوري عن قرار إلغاء عيد الشهداء، فالقرار يتعارض مع روح الانتماء الوطني "إلغاء عيد الشهداء لا يمس يوم السادس من أيار فقط، بل يمس وجدان كل أم سورية وكل مقاتل ومقاتلة قدموا حياتهم دفاعاً عن الوطن، نطالب باحترام هذا اليوم كرمز لوحدة السوريين، وضمان حقوق جميع المكونات في إطار حكم لا مركزي عادل يضمن العدالة والمساواة للجميع".

وعن الحرب الإعلامية على المنطقة وخطاب التخوين الذي تتبعه عدد من الجهات قالت دلال بدور "نحن لا نبحث عن الانفصال، بل عن وطن يحتضن ابناءه بعدل وكرامة. سوريا التي نحلم بها هي سوريا لجميع مواطنيها سوريا الحرية والكرامة والمساواة، التي تبنى على دماء الشهداء لا على نسيانهم. أمهات الشهداء سيبقين صوت الضمير السوري الحي، الذي يذكر الأجيال بأن الحرية لا تشترى ولا تلغى، بل تصان بالوفاء والإصرار. قد يلغون عيد الشهداء على الورق، لكنهم لن يستطيعوا محوه من القلوب. لأن عيد الشهداء ليس يوماً في التقويم، بل هو نبض في صدورنا وذاكرة لا تموت".