'عاطفة النساء لا تعيق العدالة بل تجعل منهن حارسات للرواية الحقيقية'
لا يمكن الحديث عن عدالة انتقالية دون الاعتراف بالدور الأساسي للنساء في جميع مراحلها، فهي الأكثر تضرراً من الحرب، والأجدر على بناء نظام ديمقراطي يضمن حقوق جميع المكونات والافراد.

لميس ناصر
دمشق ـ لطالما كانت النساء السوريات في قلب الأحداث، حارسات للحقيقة وصوتاً للمغيبين والمعتقلين، في ظل الأزمة التي عصفت بسوريا، لم يكن دورهن محصوراً في التوثيق والمناصرة، بل امتد ليشمل بناء السلم الأهلي والمطالبة بالعدالة الانتقالية، وفي ظل التحديات الراهنة، تبرز أهمية إشراك النساء في صياغة السرديات الحقيقية، بعيداً عن عقلية المنتصر والمهزوم، لضمان انتقال حقيقي نحو نظام قائم على العدل والمساءلة.
دور النساء في ضمان السلام والاستقرار
الناشطة في مجال حقوق المرأة تيما عيسى أوضحت معاناة السوريات في ظل الأوضاع والأزمة التي مرت بها المنطقة "كنت مهتمة على طول السنوات الماضية بسماع السرديات المخالفة التي كانت تُعمَّم على السوريين، خاصة المقيمين في الداخل، لتنفتح مظلوميات المعتقلين والمغيبين قسراً، حيث تتجسد النساء كحارسات للحقيقة، مطالبات بالعدالة، وإبقاء الصوت الذي غُيّب قسراً. على مدار السنوات الماضية، حملت النساء، الأمهات، الشابات، رسائل كل من غيّبته الحرب، ورفضن تلوينها بصياغة المنتصر والمهزوم. واليوم، مثل العديد من السوريين، أراهن على دور النساء في حماية السرديات الحقيقية لواقع سوريا".
وعن أهمية دور النساء في بناء سوريا الجديدة قالت "عقب سقوط النظام السوري، تتحرك البلاد نحو العدالة الانتقالية للتعافي من الحرب. وبحسب قرار مجلس الأمم المتحدة رقم 1325، فإن دور النساء محوري في صنع السلم الأهلي والأمان المجتمعي، لأنهن الوحيدات القادرات على صياغة سرديات بناء السلام. أمهات المغيبين والمعتقلين يحملن هذه المسؤولية، وعلينا جميعاً أن نراهن على دور النساء في التخلي عن عقلية الضحية والمطالبة بالحقوق، إذا تم التعامل مع المرحلة الانتقالية بعقلية المنتصر والمهزوم، فإن البلاد ستنزلق إلى حرب أهلية جديدة، مما يعيد عجلة العنف ويضاعف خسائر السوريين والسوريات".
وبينت أنه "خلال السنوات الماضية، وثقت النساء في سوريا كما في دول أخرى شهدت حروباً، سرديات الحرمان والإبعاد عن الحقوق، سواء لأنفسهن أو لعائلاتهن. نحن اليوم أمام تجربة معقدة من العنف الذي وقع في سوريا، ولذلك فإن دور النساء في إعلاء الأصوات الحقيقية حول المغيبين والمعتقلين ضروري، خاصة أن مصير الكثيرين منهم لا يزال مجهولاً، فإفراغ السجون أمر مهم وأساسي، لكنه لا يكفي؛ إذ لا يزال هناك العديد ممن لا يُعرف مصيرهم، ولن يطالب بحقوقهم سوى عائلاتهم، وخاصة النساء".
بسبب طبيعة الصراع العسكري، كانت النساء الأقل اندماجاً في الأعمال القتالية المباشرة، لكن هذا لا يعني أنهن لم تشاركن في الثورة، هذا ما أوضحته تيما عيسى، مؤكدة أنه "تم اعتقال العديد منهن وانضمت الكثيرات للنضال ضد النظام القمعي. ومع ذلك، تبقى النسبة الأكبر من النساء هن الأمهات المنتظرات للحقيقة، العدالة، أو حتى لجثامين أبنائهن، لذلك لا يمكن تحقيق عدالة انتقالية متوازنة وفعالة دون النظر إلى جميع الأطراف كمتورطين في الحرب، سواء كانوا منتصرين أم مهزومين".
وطالبت النساء بالعودة إلى الحراك للمطالبة بالكشف عن مصير المغيبين "على النساء اللواتي طالبن بإطلاق سراح المعتقلين أن تعدن إلى الساحات للمطالبة بكشف مصير المغيبين السوريين، وهذا جزء أساسي من بناء شبكة علاقات اجتماعية تحفظ السلم الأهلي، وتمنع تحول العدالة الانتقالية إلى عدالة انتقامية".
وسلطت الضوء على القوة التي تمتلكها النساء للعمل في كافة المجالات "هناك من يقول إن النساء غير قادرات على توثيق الانتهاكات لأنهن عاطفيات، وبالتالي فإن توثيقهن لن يكون دقيقاً، مما قد يعيد دائرة انعدام السلم الأهلي، لكن الحقيقة هي أن العاطفة لم تمنع النساء يوماً من المطالبة بحقوق المغيبين، ولم تمنعهن من مواجهة الظلم، بل على العكس، العاطفة هي التي دفعت الأمهات والزوجات والشابات للتمسك بالمطالبة في إطلاق سراح المعتقلين، وهي التي دفعت السوريين نحو الساحات لرفض الظلم والمآسي"، مشيرة إلى أن "إقصاء النساء عن توثيق الانتهاكات بحجة العاطفة هي محاولة لطمس صوتهم الحقيقي، لكن هذه العاطفة هي التي تحرّض على تحقيق العدالة والمساواة، فالنساء السوريات تعرضن لانتهاكات من جهات مختلفة، سواء من النظام السابق، أو من السلطة الجديدة، أو من جهات لم يُعلن عنها بعد، ولذلك فإن عاطفتهن لا تعيق العدالة، بل تجعل منهن حارسات للرواية الحقيقية".
إرادة المرأة هي السبيل لتطبيق العدالة
ومن جهتها شددت المحامية والناشطة المدنية لمى الجمل على دور النساء المهم في سوريا الجديدة "يجب أن تكون النساء جزءاً من العدالة الانتقالية في جميع مراحلها من الحملات التنظيمية، إلى بناء الاستراتيجيات، وصنع التوازن في تطبيق العدالة"، مشيرة إلى أن "النساء قادرات على بناء الجسور بين المجتمعات، لأنهن تمتلكن إرادة قوية تستطعن من خلالها أن تكن أساساً للتفاهم والتواصل، وتلعبن دوراً كبيراً في الدعم النفسي والاجتماعي، وهو أمر ضروري لمساعدة الضحايا في التعافي من الصدمات النفسية التي خلفتها الثورة".
وأكدت على أن "النساء مستعدات للعب دور هام ضمن جميع مراحل العدالة الانتقالية بدءاً من المحاسبة، والمصالحة، إلى تأسيس نظام جديد يضمن المساواة والعدالة، لأنهن الأكثر تضرراً من الحرب، فقد خسرن أبناءهن وأزواجهن وأشقائهن". قائلة "هل يجب معاقبة جميع المتورطين؟ إلى أي درجة؟ هذه الأسئلة يجب أن تكون للنساء جزءاً من الإجابة عليها".