نعمات كوكو: الميثاق التأسيسي أقصى قوى الثورة والتغيير ويقتل النساء مرة أخرى
اعتبرت الناشطة الحقوقية والنسوية نعمات كوكو، أن الانتصار الحقيقي يكون باستعادة مسار الثورة وتحقيق شعاراتها التي رُفعت من قبل الشباب والنساء، مبينة أن إفشال الثورة هو مخطط أمراء وتجار الحرب.

زهور المشرقي
تونس ـ تتمثل مشكلة الميثاق التأسيسي في ارتباطه بأكبر القوى المعادية للثورة السودانية، التي تُعتبر شريكة في فض الاعتصام خلال أيام الثورة، بالإضافة إلى دورها في حرب دارفور منذ عام 2003 والانتهاكات التي حدثت أثناء الانقلاب، حيث تصدت للشعب السوداني.
اعتبرت نعمات كوكو، الناشطة النسوية والحقوقية لوكالتنا، أن الميثاق التأسيسي الذي تم الإعلان عنه هو جزء من الصراع السياسي في إطار الوصول إلى خريطة سياسية للسودان، لافتة إلى أن كل الجهود التي تم بذلها لوقف الصراع لم يكتب لها النجاح وأصبحت كل القوى السياسية تبحث عن طريق لوقف الصراع عن طريق أجندة سياسية أكثر من أنها أجندة وطنية مرتبطة بحقوق الإنسان وحماية الحياة في السودان.
وأكدت أن الميثاق الجديد هدفه وضع حد للصراع وإعادة بناء السلام مجدداً وقد تم هذا النقاش سابقاً في إطار تحالف "تقدم" وهو لم يتوصل إلى اتفاق أو قيام حكومة موازية باعتبار أن هناك حكومة تعتبرها قوى الثورة في السودان غير شرعية لأنها نتجت عن انقلاب للثورة واستمدت الشرعية منه وواصلت لتثبيت اركانها بحرب نيسان/أبريل 2023 بعد انقلاب 2021.
واعتبرت أن كل الاصطفاف لوقف الصراع دائماً ما يفكر في أجندة حزبية وسياسية خاصة به بعيداً عن الأهداف العامة لشعارات الثورة وهي الحرية والسلام والعدالة، مفسرة "آخر مؤتمر تم لتحالف ما يسمى بـ "تقدم" في يوغندا، توصل إلى أن وجود حكومة موازية لحكومة غير شرعية هي نفسها لا تمتلك الشرعية باعتبار أن من سيعلن هذه الشرعية جزء من التحالفات السياسية الموجودة في الساحة، حيث هناك أكثر من تحالف ومنصب فشل في المحاولات بأن يتم الاتفاق على كتلة حرجة تنجح في إيقاف الصراع واستعادة مسار الثورة لاعتبار الأخير أيضا هدف".
وقالت نعمات كوكو إن شبح ليبيا يلوح في أفق السودان بمعنى أنه سوف يحدث انقسام في البلد بعد فقدان الجنوب باتفاقية نيفاشا عام2005، وفُقد فعلياً عام2011 وقيام حكومتين في ظل أوضاع عسكرية وهيمنة لقوتين لا تمتلك الشرعية بمعنى أنه سيتم إعادة السيناريو الليبي وفي الذهن أيضاً اليمن والعراق بسيناريو الحكومتين ومليشيات متحكمة، لكن الوضع الليبي هو الأقرب لاعتبار وجود حكومة مدعومة من الحركة الإسلامية العالمية في طرابلس وأخرى في بنغازي مدعومة بقوى مدنية، مشيرةً إلى أن الحكومة الموازية في السودان ستمهد الطريق أمام شبح التقسيم، مؤكدة أن التقسيم سيفجر مشاكل خطيرة خاصة مع تعدد الجهويات وكثرة المليشيات والاثنيات وكثرة السلاح.
وأوردت أن الميثاق التأسيسي مشكلته وضع يده مع أكبر قوى مضادة للثورة السودانية وتعتبر شريكة في فض الاعتصام أيام الثورة وحرب دارفور منذ 2003 والانتهاكات التي تمت أثناء الانقلاب وتصدت للشعب السوداني، متسائلة "هل يعقل أن تكون لهذه الأطراف أدواراً إيجابية في وقف الصراع واستعادة مسار الثورة؟".
وأوضحت أن الصراع في دارفور مستمر والتجاوزات التي مست الشعب السوداني لازالت قائمة ومن يهرول وراء هذا الميثاق التأسيسي كان شريكاً في الصراع والدم والحرب وقتل الأبرياء من نساء وأطفال، لافتة إلى أنها مجموعة تسعى للسلطة أكثر من الهدف الأساسي "فلا يمكن أن توقف الصراع بمجموعة شريكة فيها"، وجددت التأكيد على أن مشكلة الميثاق تتمثل في استقطاب جزء من قوى الثورة والتغيير والحركة الشعبية بشمال السودان التي تعتبر فصيل أساسي من مشروع وطني متكامل.
قالت إن المطلب اليوم هو أن يكون هناك سودان جديد قائم على العدالة وحقوق المواطنة والتنمية المتوازنة وهو مشروع يسعى له الشعب وحتى شعارات الثورة نادت به "المشكلة أن الاصطفاف مع المليشيات التي لديها سجل إجرامي في تاريخ السودان لن نقبله ولا يملك أي رؤية لوقف الصراع الدامي وبناء السلام واستعادة الثورة ومسارها".
وشددت على ضرورة محاكمة القوات التي تلطخت أياديها بالدم السوداني كـ "الدعم السريع" لتحقيق العدالة الحقيقة، حيث أن الجرائم المرتكبة لا تسقط بالتقادم ولا تغفر منذ 2003 في دارفور إلى اليوم، وجرائم ارتكبت في الثورة يُجمع المجتمع الدولي والمنظمات أنها أسوأ كارثة في التاريخ الحديث في العالم مقارنة بأعداد النزوح واللجوء.
وأكدت أنه كان هناك اتفاق على قيام مؤتمر وطني يتفق فيه على شكل الدولة المقبلة وطبيعتها وهل هي دولة مدنية ديمقراطية أو علمانية والقصد بالأخيرة، بشرط ألا يشارك في الحوار "فلول النظام" وقوات "الدعم السريع" والحركة الإسلامية، لكن ذلك لم يتحقق حيث لم يجرى هذا المؤتمر الدستوري.
وأشارت نعمات كوكو إلى أن الشاهد في هذا الميثاق أنه اتفق على قضايا فيها خلافات وتباينات سياسية وفكرية، وعن الجزء الخاص بالمرأة في الميثاق، قالت إن "الدولة العلمانية سوف تحقق المساواة للنساء وهي رؤية نظرية كثير من الدول لم تتوصل إليها منها الولايات المتحدة الأمريكية والحكومات الأوروبية وإسرائيل حيث تعتبر دولة علمانية لكن تغيب فيها الديمقراطية، وحتى التجارب العربية كالتجربة الناصرية والبعثية كلها علمانية تغيب فيها المساواة".
وأوضحت أن التجربة العلمانية لا تحقق بالضرورة المساواة للنساء لاعتبار أن السياق يقول إن السودان لازال بلداً متخلفاً في ملف المرأة وهناك تراجع كبير في خريطة النساء وأيضاً مسألة التشريعات والقوانين لا ترتكز على الاتفاقيات الدولية ولم تنجح المنظمات النسوية في تحقيق ذلك "بعد الحرب سيكون هناك حديث عن حقوق النساء من قبل مجموعة معينة للوصول إلى السلطة لا غير، حيث أن المؤسسة الأبوية لازالت مسيطرة".
وتطرقت إلى التقارير الأممية التي تقول إن أكثر من 7 مليون امرأة في السودان معرضة للعنف الجنسي، علاوة على حالات الاغتصاب التي لا يتم حصرها لأسباب ثقافية وانتمائية رغم العدد المهول الموثق من قبل الأطباء وهو ملف قوات الدعم السريع شريك فيه بشكل أساسي "كيف يمكن أن نقبل حكومة متكونة من مجرمي الحرب ومنتهكي كرامة النساء".
وأوردت أن السودان يتحوز على دستورين منها دستور الحركة الإسلامية الذي تستمد فيه مصادر التشريع من الشريعة الإسلامية وهو يهدد حقوق المرأة.
وعن الدستور المرتقب، قالت إن هناك تغييب متعمد للعنصر النسائي، مذكرة بتجربة جندرة الدستور قبل الانقلاب من طرف تنظيمات نسوية وتم وضع وثيقة تحت إشراف الأمم المتحدة حتى تكون هناك حقوق للنساء وتحقق المساواة بين الجنسين "اليوم تلك الوثيقة المتميزة لم تأخذ بعين الاعتبار"، معتبرة أن مسودة الدستور المسربة لن يكتب لها النجاح.
وعن دور المجتمع المدني في السودان، قالت "أكثر ما نفتقده هو مشاركة قوى الثورة والتغيير التي تعتبر مهمة وأوسع قاعدة اجتماعية أنجزت ثورة ديسمبر، بما فيها النساء والشباب والاحزاب السياسية والقوى المدنية"، مشيرةً إلى أن المجتمع المدني كان له الدور الكبير في إضعاف حكم عمر البشير.
وأكدت نعمات كوكو أن الشعب السوداني يستحق الحياة والحرية والعيش والكرامة ضمن دولة موحدة لا مقسمة، بعيداً عن تدخلات الأنظمة الرأسمالية الامبريالية، مبينةً أن "السودان أمام خيارين أولهما الاصطفاف الديمقراطية وهو الأساسي من جميع قوى الثورة والتغيير، ذلك عبر كتلة مدنية عريقة لوقف الحرب، أما الخيار الثاني وهو الضغط على المؤسسات الإقليمية والدولية من الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي ومؤسسات الأمم المتحدة، خاصة وأن الصراع في السودان سيكون له تداعيات أمنية إقليمية وعالمية خطيرة، لا سيما وأن سبع دول جوار مثل إثيوبيا وكينيا وهولندا وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى ومصر تأثروا بانهيار الدولة السودانية وطالما تم التحذير من خطورة تحول السودان إلى بؤرة لداعش، وأيضاً دون نسيان ملف البحر الأحمر حيث أن أكبر ممر مائي موجود بالسودان".
وعن الاحتفاء باليوم العالمي للمرأة في ظل وضع مأساوي، قالت إن الثامن من آذار هو يوم تاريخي في تاريخ النساء، مشيرةً إلى أن واقع النساء في المنطقة وأفريقيا سيء جداً ويحتاج لتضافر الجهود والتضامن الواسع لتغييره "نتحدث بخجل عن جامعة الدول العربية التي تغيب عما يحدث في المنطقة من تنكيل واغتصاب للنساء واعتقال لهن بسبب مواقفهن ومطالب الحرية".
وفي ختام حديثها أكدت الناشطة نعمات كوكو على أن أوضاع النساء مشتركة وهي متردية برغم بعض الانجازات لكن على مستوى التشريعات لا تزال التركة مثقلة، موضحةً أن الثامن من آذار هو محطة للمراجعة "بماذا نحتفل ونحن في هذه الأوضاع الكارثية؟".