صحفيات مغربيات يتحدثن عن حضورهن في المؤسسات الإعلامية والصورة النمطية للمرأة
يجمع كثيرون على أنه خلال السنوات الأخيرة، تم إحراز تقدم كبير في مجال الإعلام المغربي لصالح النساء سواء على مستوى حضورهن أو طريقة تناول المواضيع المتعلقة بالمرأة
حنان حارت
المغرب ـ ، لكن رغم التقدم المحرز، إلا أنه لا يرقى لمستوى تطلعات الصحفيات المغربيات، حيث يأملن بفتح أفاق رحبة أمامهن.
وكالتنا وكالة أنباء المرأة، التقت بمجموعة من الصحفيات، للحديث عن حضورهن داخل المؤسسات الإعلامية. وكيف يعملن على تحسين صورة المرأة في الإعلام؟ وكذلك تقييم عملهن بين الأمس واليوم مع ذكر الصعوبات التي تواجههن؟ وما هي رسائلهن بخصوص اليوم العالمي للمرأة؟
مع اقتراب اليوم العالمي للمرأة تتجند الصحفيات من أجل مواكبة الأنشطة والفعاليات التي تخصصها الجمعيات النسوية بهذه المناسبة، إلى جانب إنجاز مجموعة من الربورتاجات والبورتريهات التي تسلط الضوء على نجاحات المرأة المغربية، تقول دلتا العطاونة صحفية بموقع الأيام أن الثامن من آذار/مارس هذا العام لها خصوصية بسبب وباء كورونا، وحالة الطوارئ الصحية التي تفرضها السلطات للحد من انتشار الوباء، مشيرةً إلى أنه إلى هذه الساعة لم يتوصلوا لأية بلاغات من الجمعيات النسائية بخصوص الاحتفالات التي تخصصها المنظمات النسوية كل عام للوقوف على ما تحقق وما لم يتحقق، وهل سيتم منعها كما السنة الماضية أم لا، ذلك ما ننتظره. وتضيف دلتا أن هذا الطارئ لن يمنع الصحفيات من مواكبة هذا الحدث الذي يخص النساء في مختلف بقاع العالم.
دلتا العطاونة تعمل كمحررة في موقع إخباري في المغرب، وتمارس مهنة الصحافة المكتوبة والإلكترونية لما يقارب 15 عام وتهتم بالمواضيع السياسية، تقول إنه بحكم عملها بالقسم السياسي فهي تحاول الابتعاد عن الصورة النمطية للمرأة وتسليط الضوء على حضورها في السياسة وإنجازاتها والمكتسبات التي حققتها.
وتضيف "صحيح أن حضور المرأة سياسياً يبقى ضعيفاً مقارنة بالرجل، إلا أنه مقارنة مع نظيرتها في المنطقة العربية، فإن دخول المرأة المغربية إلى المعترك السياسي تصويتاً وترشيحاً جاء مبكراً، وإذا ما ألقينا نظرة على انتخابات عام 1993 فسنجد أن امرأتين فقط هما من عبرتا قبة البرلمان، لكن اليوم وفي ظل دستور 2011 الذي تنص فصوله على المساواة أرى أن المرأة بدأت تشق طريقها على المستوى السياسي لفرض نفسها".
وعن حضور المرأة في الإعلام تعلق دلتا العطاونة أنه رغم الصعوبات، إلا أنه لا يمكن إنكار أن هناك تحسن على مستوى حضور الصحفيات في المؤسسات الإعلامية، وأيضاً فسح لها المجال للعمل بحرية وتناول المواضيع في مختلف المجالات، وتشير دلتا إلى أنه في البداية لم يكن يفسح المجال للصحفيات بالكتابة في السياسة، إذ كانت حكراً على الصحفي الرجل ولكن اليوم هناك صحفيات تخصصن أيضاً في السياسة وأثبتن أنهن قادرات على معالجة أية مواضيع مهما كانت، يتابعن جلسات البرلمان ويحاورن وزراء ويخضن مناقشات في كافة المواضيع السياسية، وبتنا يحصلن على السبق في المجال السياسي.
وترى دلتا العطاونة أنه رغم ذلك لم تستطع الإعلاميات في الصحافة المكتوبة أن يحصلن على مناصب مسؤولة، تقول "نادراً ما نسمع أنه تم تعيين صحفية في منصب سكرتير تحرير أو مدير تحرير، فقط في اليوم العالمي للمرأة هو الذي نجد فيه أن كل الجرائد تحتفي بهذا اليوم عن طريق تسليم المسؤولية ليوم واحد للصحفيات وتكون الجريدة في ذلك اليوم أنثوية، يتم تعيين نساء في منصب رئيس تحرير وسكرتير تحرير، في العدد الذي يصادف صدوره الثامن من آذار/مارس".
ولا تختلف عزيزة هريش، في رأيها عن زميلتها دلتا العطاونة في كون الصحفيات المغربيات في الصحافة المكتوبة أو الرقمية، بدأن بفرض أنفسهن في قاعات التحرير، وباتت لديهن قوة اقتراحية، فلم يعدن ينتظرن تكليفات رئيس التحرير بل نجدهن في بحث دائم عن المعلومات وبتنا يبدين تفوقاً كبيراً.
وتقول عزيزة هريش وهي أم لطفل، أنها كامرأة مغربية تعمل على الموازنة بين بيتها وعملها، فهي على المستوى الاجتماعي تحاول القيام بواجباتها المنزلية، كما أنها تنخرط بشكل فعال في حياتها العملية، وهذا في حد ذاته تفوق كبير.
بدأت عزيزة هريش ممارسة الصحافة قبل 16 عام، حينها كانت تعمل بجريدة ورقية ضمن القسم الاجتماعي، وهذه البداية شكلت لها قوة كبيرة في الاستمرار والعطاء أكثر، تقول عزيزة هريش "البدايات كانت صعبة فصحفي الأمس وخاصة قبل وصول التكنولوجيا لهذا المستوى كان بحق صحفياً يستحق الإشادة بأنه من عشاق العمل الصحفي، وأنه باحث".
وإلى أي مدى يعمل الإعلام المغربي على تحسين صورة المرأة تقول عزيزة هريش إنه لا زال هناك جزء لا بأس به من الخطاب الإعلامي عاجزاً عن مواكبة التغيير، عامداً إلى حصر المرأة في صورة نمطية سلبية لا تراعي إمكاناتها الكبيرة ولا تعكس دورها كشريكة في التنمية.
وتضيف عزيزة هريش أنه بالعودة إلى بداية عام2000 كانت هناك موجة تشمل كافة الجرائد المطبوعة، بحيث كان يتم تخصيص الصفحة الأخيرة لصورة مثيرة لفنانة أو شخصية معروفة وذلك من أجل رفع المبيعات وكأن المرأة سلعة، كما كانت أغلب المواضيع التي تفرض آنذاك على الصحفيات والصحفيين بشكل عام تناولها مواضيع تضع المرأة في خانة العهر وأنها المسؤولة عن كافة المشاكل التي تقع في المجتمع، لكن هذه الصورة مع مرور السنوات بدأت تتغير شيئاً فشيئاً، نجد اليوم أنه بدأ التركيز على نجاحات المرأة والمكتسبات التي تحققت في ظل دستور2011 وهذا لا يعني إغفال الحقوق التي ما تزال "ضائعة" للمرأة المغربية.
وعن تجربتها بموقع تليكسبريس تقول عزيزة هريش إنه مع ظهور الصحافة الإلكترونية فسح المجال للصحفيات أكثر لتناول كافة المواضيع بما فيها السياسية التي كانت حكراً على الرجل، ولم تبق أدوارهن تختزل في تحرير أخبار خانات التبويب المعتادة كالأسرة والمجتمع والتغذية والجرائم وقضايا الاغتصاب.
وعن وجود المرأة في مواقع القرار في المؤسسات الإعلامية، تعلق عزيزة هريش إن عددهن قليل جداً مقارنة مع الكم الهائل للعنصر الرجالي، وتتساءل ألم يحن الوقت بعد لخلق التغيير؟ في رأيي أن منظومة الإعلام والصحافة ينبغي أن تكون فضاء لزرع بذور التفرقة والتمييز النوعي.
أما بشرى بلعابد مديرة نشر موقع "جورنال أنفو" الإلكتروني، فهي تتفق أيضاً مع دلتا العطاونة وعزيزة هريش في كون المرأة بجميع فئاتها حققت عدة مكتسبات، وتقول إنه منذ أن وضع الدستور المغربي لعام 2011 الأسس الأولى لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة من خلال المادة 19، ومنذ إقراره بمبدأ المناصفة الذي يحتم على كل منهما العيش بنفس الحقوق والحريات الاجتماعية، السياسية، الاقتصادية، الثقافية، المدنية والبيئية. والمرأة المغربية أصبح حضورها على المستوى الوطني بارزاً على نحو متميز، إذ أثبتت حضورها ومكانتها لتصبح صاحبة شأن وتتحكم الآن في زمام الأمور داخل كبار المؤسسات والأجهزة في البلد.
وتضيف بشرى بلعابد "لم يعد مجال الإعلام حكراً على الرجال فقط كما كان في السابق، وإنما أضحت فيه المرأة المغربية عنصراً مهماً وأساسياً، أثبتت بالفعل حضورها اللافت من خلال أعمال إبداعية رائعة مكنتها في أكثر من مناسبة من التتويج بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة".
وتقول بشرى بلعابد أن المغرب قطع أشواطاً كبيرة ومهمة في تمكين النساء من الاستفادة من الإصلاحات الجوهرية، عبر إقرار تلك الحقوق والمكتسبات، لتشكل فيما بعد حلقة حاسمة في تاريخ النهوض بالمرأة المغربية.
وتعد بشرى بلعابد من الصحافيات المغربيات المثابرات، إذ بعدما عملت في عدة منابر إعلامية وأبانت عن كفاءة عالية وجرأة في تناول المواضيع، تمكنت قبل سنتين ونصف من إطلاق موقع إخباري، وخلق مناصب عمل لصالح الصحافيين والمصورين فضلاً عن مراسلين، تقول عن تجربتها "تحقيق مشروعي لم يكن سهلاً، لكن الإصرار هو حافز كبير نحو تحقيق كل ما ترغب الوصول إليه المرأة المغربية، فقبل سنوات كانت تبدو فكرة امرأة صاحبة مقاولة إعلامية شيئاً ليس سهلاً تحقيقه، لكن في ظل الإمكانيات التي باتت متاحة للنساء الصحافيات بات بإمكانهن تحقيق أهدافهن اليوم".
تقول بشرى بلعابد بأنه رغم صعوبات القطاع، إلا أنني استطعت تجاوز كل الصعاب لإثبات ذاتي وأحقق من خلالها حلمي داخل مجال كان بالأمس القريب صعباً أمام النساء للولوج إليه، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الصورة النمطية لم يعد لها أثر في ظل مبدأ المناصفة والحرية والقوانين التي جعلت للمرأة مكانة بارزة في مناصب القرار.
أما فوزية خطابي معدة ومقدمة برامج تلفزيونية، والتي تمارس مهنة الصحافة منذ 10 سنوات فهي تبدو متفائلة بمستقبل المرأة في الإعلام بالمغرب، تقول أنها ترى حضورها وتميزها المهني، وأيضاً مفاتيحها لمحو صور نمطية، تحصر المرأة في قالب تجاري ترويجي، وتضيف إن الانتفاضة التي يعرفها القطاع في العشرية الأخيرة، مكنته من أن يستوعب ويدعم المرأة أكثر من غيرها للإبداع والتفوق.
وتعطي فوزية خطابي مثالاً على ذلك؛ برنامج أسرتي الذي يبث على القناة الأولى المغربية والتي تتكلف بإعداد حلقاته "إنه يقدم صورة إيجابية عن المرأة ويصفها بالقوية والناجحة والقائدة، كما أنه لا يقتصر فقط على استضافة النساء في مراكز الريادة وإنما حتى النساء البسيطات أو النساء اللواتي اقتحمن أعمالاً كانت بالأمس حكراً على الرجل، وأثبتن جدارتهن داخل المجتمع المغربي".
وتضيف الصحفية فوزية خطابي أن محو الصور السلبية، لم يأت من فراغ، بل جاء نتيجة إطلاق المغرب لمبادرات، تسلط الضوء أكثر على النماذج الرائدة، القوية، العصرية، جوهر هذه المبادرات اتفاقيات من جملتها، الميثاق الوطني للنهوض بصورة المرأة في الإعلام عام 2005، الحملة الوطنية لتحسين صورة المرأة في الإعلام في عام 2012، فضلاً عن المصادقة على قوانين تعمل على مبدأ المساواة في حضور العنصر النسوي بمختلف وسائل الإعلام، وتتجه نحو تناول عقلاني لقضايا المرأة واهتماماتها.
ولم يفت فوزية خطابي الحديث عن إكراهات العمل التلفزيوني والإعداد، مشيرةً إلى أن الضغط اليومي للعمل الذي تمر به الصحفيات، يجعلهن في أمس الحاجة إلى أن يتم عمل جلسات للتفريغ النفسي للطاقة السلبية التي تكتسبها من العمل في المجال الصحفي بشكل يومي.
وتختم الصحافية فوزية خطابي حديثها قائلةً "نحن على بعد أيام من الإحتفال باليوم العالمي للمرأة، يجب ألا ننسى أن اليوم هو فرصة مناسبة لتذكير النساء أن لهن حقوقاً يجب أن يدافعن ويناضلن من أجل نيلها، لأنه رغم كل المكتسبات التي تحققت لصالح المرأة فهي غير كافية، فالطريق ما زال أمام جميع النساء في السياسة والصحافة والاقتصاد وغيرها من المجالات يحتاج لمزيدا من النضال من أجل الحفاظ أولاً على المكتسبات الحالية ثم السعي نحو تحقيق المساواة والمناصفة لكائن يمثل نصف المجتمع المغربي".