رغم القمع والتنمر... نساء تقدن السيارات في إدلب

واجهت النساء في الشمال السوري انتقادات متعددة من المجتمع بعد تعلمهن قيادة السيارات، لكن ذلك لم يقف عائقاً أمام إصرارهن على خوض هذه التجربة التي اعتبرنها حقاً لهن ولغيرهن من النساء.

هديل العمر

إدلب ـ لم يعد رؤية المرأة تقود السيارة مشهداً غريباً في الشمال السوري كما السابق بعد انتشار مدارس لتعليم القيادة للنساء مما ساعد في زيادة أعداد ممن استطعن كسر قيود العادات والتقاليد وتعلم القيادة متحديات كل الصعوبات.

استطاعت المرأة في الشمال السوري خوض مجال تعلم قيادة السيارات مدفوعة بالحاجة إلى تعلم القيادة في خضم العراقيل التي تواجهها وصعوبة انتقالها بين المناطق بالتزامن مع غياب الزوج لأسباب متعددة ووسائل النقل الدائمة، إلا أن حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام لم تعترف بهذا الحق للنساء بعد حرمانهن من الحصول على شهادة السواقة عكس الرجال.

تقول حلا جلال البالغة من العمر29عاماً أنها قررت تعلم قيادة السيارة بعد أن حظيت بوظيفة في إحدى المنظمات التعليمية تبعد عن مكان سكنها في بلدة قاح شمال إدلب لأكثر من 30 كيلو متراً، ولأنها واجهت الكثير من العقبات في تأمين مواصلات إلى مكان عملها ذهاباً وإياباً اختارت تعلم القيادة بنفسها أمام انشغال زوجها عن إيصالها بشكل مستمر.

وأوضحت أنها واجهت في البداية انتقادات متعددة من المجتمع المحيط ونعتوها بـ "المسترجلة" أي المحاولة تقليد الرجال، إلا أن ذلك لم يقف عائقاً أمام إصرارها على خوض هذه التجربة التي اعتبرتها حقاً لها ولغيرها من النساء.

وتقول مرام الشردوب التي تذكرت أول تجربة لها بقيادة السيارة حين دخلت بطريق ضيق يؤدي للمنطقة التي تقيم فيها على أطراف مدينة إدلب وحينها أخذ الأطفال بالتجمع لرؤيتها وهي تقود السيارة وكأنهم أمام حادثة نادرة "كان لابد من إزالة القيود التي تمنع من تطور نشاطاتي ومشاركتي في الحياة العامة الاجتماعية والاقتصادية، ولأن معضلة المواصلات كانت تشكل التحدي الأكبر لبعد مكان سكني عن مكان عملي في إحدى منظمات المجتمع المدني، قررت شراء سيارة وتعلم قيادتها والانطلاق لعملي اليومي غير آبهة بكم التنمر الذي واجهته من الذكور الرافضين لتطور المرأة والحصول على حقوقها المشروعة".

وعن الانتقادات العديدة التي كانت تواجهها في كل ازدحام أو حادث مروري واتهامها بالجهل وعدم التقيد بقواعد السير والتسبب بالحوادث حتى لو لم تكن لها أي علاقة بها، أوضحت "كل الانتقادات التي تعرضت لها إن دلت على شيء فهو تدل على عدم ثقة الرجال بقيادة النساء وترسيخ الاعتقاد لديهم بأن النساء غير قادرات على القيادة أو تحمل أي مسؤوليات".

وبعيداً عن مقدار كل تلك التهكمات ترى مرام الشردوب أنها حققت ذاتها وشعرت بأهمية ما تقوم به حين استطاعت كسر الحواجز التي كانت تعيق عملها وطموحاتها.

لم تتدرب سلمى الدلو البالغة من العمر 37 عاماً على القيادة فقط من أجل شغفها وحبها بقيادة السيارة منذ صغر سنها، وإنما اتخذتها مهنة أيضاً حين استطاعت الحصول على عمل في إحدى شركات النقل الداخلي الخاصة، وذلك لحاجتهم لسائقات إناث من أجل نقل الطلبات النسائية فقط، خاصةً وأن النساء حين تكن بمفردهن تخشين الصعود مع السائقين الرجال خوفاً من التحرش أو الخطف وهو ما أفسح المجال لها ولغيرها من السائقات الاستفادة من خبرتهن في القيادة كوسيلة لتأمين دخل لعوائلهن وسط الفقر وقلة مصادر الدخل.

وشجعت نظيرة الحسون البالغة من 40 عاماً كونها مدربة، جميع النساء على قيادة السيارات والاعتماد على أنفسهن في الوصول إلى أعمالهن واحتياجاتهن اليومية، في الوقت الذي زادت أعداد النساء الفاقدات المعيل أما بالقتل أو الاعتقال أو الإعاقة.

وأوضحت أن المرأة تحتاج اليوم إلى من يساندها في اتخاذ القرار وإعطائها الجرأة لتخطو خطواتها بثقة ودون تلكؤ متحدية الظروف والعقبات، فهي قادرة على القيادة ولكن بعد الخضوع لتدريبات مكثفة أولاً وكسب الكثير من الخبرات والمهارات ما يسمح لها بخوض التجربة بنجاح دون إلحاق الضرر بالسائقين الآخرين.