قتل المعلمة نسرين أديب يكشف ضعف حماية النساء اليمنيات

لم تكن نسرين أديب الضحية الأولى، ولن تكون الأخيرة في بلد لا ينصف النساء، وفي ظل المبررات التي تعطي الرجل الحق في ممارسة العنف ضد المرأة، وضعف القوانين المتعلقة بقضايا العنف ضد النساء.

رانيا عبد الله

اليمن ـ قُتلت المعلمة نسرين أديب في مدينة عدن الواقعة جنوب اليمن، على يد زوجها بثلاث رصاصات من مسدسه، أثناء طريقها للمدرسة، ولم تكن هذه المحاولة الأولى لزوجها في محاولة قتلها، فقد حاول مراراً قتلها، إضافة للعنف والضرب الذي تعرضت له سابقاً.

 

شكوى دون تفاعل!

تقدمت نسرين أديب بإبلاغ لأحد أقسام شرطة مدينة عدن عن تعرضها للتهديد بالقتل، والضرب المبرح من قبل زوجها، كما أنها كانت قد قامت برفع قضية طلاق للضرر الذي تعرضت له، بحسب ما صرحت به شقيقتها نرجس أديب لوكالتنا "لقد عانت شقيقتي من معاملة قاسية من زوجها منذ بداية زواجها وحتى آخر يوم في حياتها، تحملت الأذى والإهمال، وعدم الانفاق عليها أو على أبنائها".

وأضافت "اضطرت شقيقتي للعمل للإنفاق على أبنائها، والتحقت بإحدى المدارس الخاصة، وكانت في أغلب أوقاتها تمكث في منزلنا هرباً من عنف زوجها، وتقدمت بشكاوى عديدة لأقسام الشرطة، إلا أنها لم تجد من ينصفها، ثم تقدمت للمحكمة برفع قضية طلاق للأذى الذي لحق بها".

بمرارة وحزن تتابع "القضاء كان يماطل بشكل كبير في البت بقضية شقيقتي، رغم تقديمها كافة الأدلة، وتهديدها الدائم بالقتل، لكنها لم تجد الانصاف وبقت قضيتها في المحكمة إلى أن قتلها زوجها، الذي يفترض أن يكون في السجن في الوقت الذي قتلها به".

تتذكر نرجس أديب إحدى المرات التي كانت برفقة شقيقتها في المنزل عندما كانتا تتأهبان للذهاب إلى المدرسة، تفاجأتا بقيامه بإغلاق باب المنزل من الخارج وأحكامه بقنبلة "كنا نتجهز للخروج إلى المدرسة وعند استعدادنا للخروج من باب المنزل تفاجئنا بأن باب المنزل مغلق وفزعنا عندما علمنا أنه محكم بقنبلة، وطلبنا حينها من الجيران نجدتنا وفك القنبلة، وتدخل جار لنا خبير بالمتفجرات، وقام بفك القنبلة وخلصنا من الموت، وقد أثبتنا هذه الواقعة وأبلغنا قسم الشرطة، لكن لم يتم ضبطه".

تواصلت الاعتداءات المتكررة من قبل الزوج، وقد أثبتت المعلمة نسرين أديب حادثة اعتداء سابقة وتهشيم نظارتها حتى كادت تفقد عينها، وتهديده لها بالقتل، إلى أن نفذ تهديده وقتلها أثناء توجهها إلى المدرسة في صباح منتصف كانون الثاني/يناير الماضي "في طريقها للمدرسة اعترض زوج شقيقتي المجرم حافلة المدرسة الذي يقلها للمدرسة ورمى عليها طلقات نارية قاتلة، ولاذ بالفرار".

وتتحدث نرجس أديب بحسرة "القاتل فر هارباً من مدينة عدن إلى مدينة صنعاء الواقعة تحت سيطرة (الحوثيين)، وتم القبض عليه، لكن الإجراءات تحتاج إلى وقت لنقله إلى مدينة عدن الواقعة تحت سيطرة الحكومة المؤقتة المعترف بها دولياً".

 

خمس حالات قتل جديدة

كثيرة هي قضايا العنف ضد النساء والتي تصل إلى القتل من قبل الشريك، ففي أقل من شهرين وصلت جرائم قتل النساء من قبل أزواجهن كأقل تقدير إلى خمس حالات قتل، وفي مطلع كانون الثاني/يناير عام 2024 أقدم رجل على قتل زوجته طعناً في مدينة صنعاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، كما أقدم رجل آخر في مدينة المكلا بحضرموت شرق اليمن على قتل زوجته بإطلاق رصاصات مطلع شهر شباط/فبراير الماضي، كما أقدم زوج في مدينة قعطبة على ذبح زوجته بالسكين وفصل رأسها عن جسدها بحسب ما تداولته الأخبار المحلية منتصف تشرين الثاني/نوفمبر عام 2024.

وفي عام 2021 أقدم رجل في مديرية شرعب بمدينة تعز جنوب غرب اليمن على حبس زوجته في المنزل وضربها ضرباً مبرحاً، حتى فارقت الحياة على إثر الضرب والتعذيب الذي تعرضت له. كل هذه الحوادث التي تحصل للنساء تؤكد حجم العنف الذي تتعرض له النساء في ظل تخاذل الجهات المعنية، وضعف نصوص القانون الذي لا ينصف النساء.

 

ضعف التشريعات

قضايا العنف ليست وليدة اللحظة، لكنها تفاقمت في الآونة الأخيرة، هذا ما أكدته المحامية تهاني الصراري، عضوة تكتل نون النسوي في مدينة عدن حيث تقول "ظاهرة العنف لم تكن حديثة، وقد توسعت لعدة أسباب في المجتمع منها، عدم إنصاف الأسرة للضحية، إضافة إلى ضعف التشريعات والقوانين التي يجب أن تنصف النساء، كما أن المرأة لا تتقدم بشكوى لأقسام الشرطة، وغيرها من الجهات المعنية وذلك لخوفها من عدم الإنصاف، ووصمة العار والعيب للمطلقة فتضطر أن تصبر على أذى الشريك".

وحول قضية المعلمة نسرين أديب، أشارت إلى أنها بدأت بطلب الطلاق بسبب العنف الذي كانت تتعرض له، لكن القاضي لم ينصفها، رغم أنه اعتدى عليها في شارع عام وضربها ضرب مبرح، كما أنها لم تحصل على أي إنصاف من أقسام الشرطة، وكل هذا التخاذل وتسويف قضيتها في المحكمة وتأجيل القضايا يعتبر جزء كبير من العنف الذي تتعرض له النساء كما هو حال نسرين.

وأضافت "يجب أن توضع حلول جذرية للحد من العنف ضد النساء وذلك بتفاعل الجهات المعنية وإنصاف الضحايا من النساء، وتكاتف منظمات المجتمع المدني لتقديم العون القانوني للنساء المعنفات، إضافة إلى توفير فرص عمل للنساء التي تصبح على وشك الطلاق وليس لديها عائل سواء كان على المنح الصغيرة والمنح البيضاء وغيرها".

 

محكمة الأسرة

من جانبها قالت المحامية رغدة المقطري، وهي عضوة نقابة مجلس المحاميين بمدينة تعز "زيادة العنف ضد النساء في الفترة الحالية نتيجة لاستمرار النزاع والوضع الاقتصادي الذي تعيشه الأسر اليمنية هي من أهم الأسباب التي عملت على زيادة معدل العنف، إضافة إلى أهم سبب وهو عدم سرعة البت في القضايا بالمحاكم فهناك قضايا لا تحتمل التأجيل والتي تشكل عبء على المرأة كمطالبة المرأة بنفقة أطفالها، قد تضل في المحكمة 3 سنوات، وهذه المماطلة تعمل على زيادة الخلافات بين الأزواج، وبالتالي تتعرض المرأة للعنف دون أن تجد من ينصفها".

وفي إشارة لها حول قضية مقتل المعلمة نسرين أديب، قالت إن "قضية قتل المعلمة نسرين من قبل زوجها، كانت نتيجة التباطؤ في المحاكم، ولا يوجد مبرر لقتل النساء، لكن السلطة الذكورية في المجتمع اليمني، وقانون العقوبات يحدد أن دية المرأة نصف دية الرجل وهذا يعتبر سبب في زيادة العنف ضد النساء، وبالتالي تعطي للرجل متسع وبيئة خصبة للانتهاكات، وثقافة المجتمع من الأسباب الجوهرية التي كرست العنف ضد النساء من خلال التنشئة في الصغر".

وأضافت "القانون والمجتمع أعطى الحق للرجل في السلطة التأديبية للنساء من محارمه، هي من شجعت على زيادة العنف ضد النساء"، مشيرةً إلى أن التوعية مهمة "توعية مدراء الأقسام والنيابات والبحث الجنائي خففت من زيادة العنف وباعتقادي من المهم الاستمرار في التوعية ومعرفة حقوق وواجبات النساء".

وشددت رغدة المقطري على ضرورة سرعة البت في القضايا من قبل الأجهزة القضائية "صحيح أن عدد القضاة لا يستوعب لعدد القضايا الموجودة، لكن نأمل أن تكون هناك محكمة خاصة بالأسرة يتم فيها إنجاز القضايا بشكل سريع"، موجهة رسالة للمرأة بألا تخاف وتقوم بعملية الإبلاغ عن الانتهاك الذي تتعرض له لأقسام الشرطة والمنظمات النسوية التي تساعد هؤلاء النساء بأخذ حقوقهن.

 

الأعراف الثقافية

وكشف تقرير أممي جديد أن 60% من جميع جرائم قتل النساء في العالم يرتكبها شركاء حميمون أو أفراد آخرون من الأسرة، مؤكداً أن العنف ضد المرأة لا يزال منتشراً على نطاق واسع، بما في ذلك في أكثر مظاهره تطرفاً، وهو قتل النساء، وهي ظاهرة عالمية تتجاوز الحدود والوضع الاجتماعي والاقتصادي والفئات العمرية، ويزداد الأمر سوءاً لعدم توفر بيانات موثقة حول العنف ضد النساء في اليمن خصوصاً في سنوات النزاع.

وقد أظهرت دراسة ميدانية حول العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي نفذها مركز دراسات وأبحاث النوع الاجتماعي بجامعة صنعاء في عام 2010 بأن النساء والفتيات والأطفال هم الأكثر عرضة للعنف وتأتي في المرتبة الأولى النساء المطلقات ثم المتزوجات، كما أن العنف النفسي هو الأكثر انتشاراً، وهناك قبول وتأييد لهذا العنف الممارس من قبل أفراد المجتمع.

وبحسب البنك الدولي تؤدي الأعراف الثقافية لدى المجتمع اليمني إلى تبرير العنف على أنه شأن خاص للغاية، وخجل النساء من الإبلاغ إدى إلى قلة عدد حالات التبليغ ومحدودية الدعم المؤسسي الرسمي.

من جهتها، أكدت أستاذة علم الاجتماع في جامعة تعز ألطاف الأهدل، أن النزاع مسبب وليست سبب رئيسي لقتل النساء، وهناك انحدار للقيم الأخلاقية التي أدت الى انتشار الجريمة، وفي ظل عدم وجود آليات رسمية وغير رسمية في هذه الأوضاع أدى إلى زيادة هذه الجرائم، مشيرةً إلى أنه من الخطأ تعليق أسباب حول هذه الجرائم بسبب الحالة الاقتصادية والنزاع والفقر والالتزامات التي تقع على عاتق الرجال.