مقاتلة أنقذت نساء إيزيديات: يجب محاكمة مرتزقة داعش

طالبت المقاتلة ضمن صفوف وحدات حماية المرأة توبراك أمانوس التي أنقذت 28 امرأة إيزيدية في الحملة التي نفذت ضد مرتزقة داعش في مدينة الرقة بشمال وشرق سوريا، بمحاكة داعش.

روجبين دنيز

مركز الأخبار ـ على الرغم من مرور ٩ سنوات على الفرمان الـ 74 الذي تعرض له الإيزيديين على يد مرتزقة داعش في الثالث من آب/أغسطس عام 2014، والقبض على الآلاف من مرتزقة داعش، إلا أنه وحتى الآن لم يتم إجراء أي محاكمة واسعة النطاق، بعض الدول فقط قد قامت بمحاكمة البعض من المرتزقة الذين هم من مواطنيها، ويشير هذا الموقف المتخذ إلى محاولة ترك مخلفات الإبادة الجماعية وضحاياها وشهودها للنسيان حتى زوال تأثيرها مع مرور الزمن.

تقول المقاتلة في صفوف وحدات حماية المرأة "YPJ" توبراك أمانوس التي أنقذت خلال حملة تحرير مدينة الرقة بشمال وشرق سوريا من مرتزقة داعش التي انطلقت في خريف عام 2016، 28 امرأة إيزيدية، أن مقاتلات وحدات حماية المرأة أدخلوا الرعب في قلوب المرتزقة، مشيرةً إلى أنها تعمقت أكثر في معنى الحرية مع تحرير النساء اللواتي استعبدن من قبل داعش.

وأشارت إلى أن هدفهم الأول من خوض تلك المعركة كان إنقاذ الإيزيديات المستعبدات من قبل داعش والانتقام للفرمان الـ 74، لافتةً إلى أن انضمامها إلى حملة الرقة أوفت بوعدها بالنضال بلا هوادة من أجل المرأة وتحريرها، وخلاله وصفها للمشاهد اللاإنسانية التي شاهدوها أثناء الحملة شددت على ضرورة محاكمة المرتزقة.

 

"لم تكن جدتي مخطئة لقد حقق القائد أوجلان الكثير لمختلف الشعوب"

توبراك أمانوس وهي من مدينة عفرين، انتقلت إلى لبنان مع أسرتها وهي لاتزال طفلة، تطور لديها آنذاك الاهتمام بالأرض وبالكردية وعفرين والنضال من أجل الحرية من خلال القصص التي كانت تسمعها من جدتها، "في الحقيقة لم أتمكن من سماع كل قصص جدتي لأننا فقدناها مبكراً، ولكن أمي واصلت سرد قصص جدتي، كانت تتحدث لي باستمرار عن الثورة وروح النضال المشترك للنساء، وعندما رأيت كيف أن أبي يمارس الاضطهاد منحت الحق لوالدتي التي خلقت لي عالماً من الأحلام، وفي هذا الحلم كنت فتاة ستدرس علم اجتماع المرأة ومن ثم ستنضم إلى النضال النسوي، وبقيام أبي بإخراجي من المدرسة ترك حلمي هذا غير مكتمل لذا غضبت منه جداً، ومن ثم حاول تزويجي ولكن أنا وأمي عارضنا الأمر ولم يتم هذا الزواج، لنعود إلى مدينة حلب من أجل تلقي تدريبات للعمل في الشبيبة، ما حدثتني عنه جدتي عن القائد عبد الله أوجلان بقي عالقاً في ذهني، لقد رأت جدتي القائد أوجلان، لقد قالت آنذاك أن القائد أوجلان سيقوم بتحقيق الكثير من أجل الكرد والشعوب الأخرى، وقالت بأنها لا تخطئ في ظنها، نعم كانت جدتي محقة لم تكن مخطئة فيما قالته، فاليوم نشهد ثورة حدثت في روج آفا وشملت كل الشعوب وكل هذا بفضل القائد أوجلان".

 

"لم أهزم العدو فحسب بل هزمت الخوف الذي بداخلي أيضاً"

تفتخر توبراك أمانوس بكونها مقاتلة شاركت في الثورة التي ألهمت العديد من النساء، لم يكن أمراً مفاجئا أن تتحول مثل صديقاتها الأخريات إلى محاربة جريئة تقاتل بلا خوف ضد أكثر قوة وحشية في العالم، وعن كيفية مواجهتها مخاوفها والتغلب عليها واكتسابها القوة من خلال الثورة والنضال توضح "إن توجهات داعش كانت مكثفة جداً، عندما هاجموا مدينة كوباني وسيطر عليها المرتزقة انضممت إلى التدريب، كان كل مكان عبارة عن ساحة معركة ولم ترد المقاتلات أن أنضم إليهن قبل أن أتلقى تدريباً، وهذا الأمر كان جارٍ على كل المقاتلين والمقاتلات المنضمين حديثا، وبعد انتهائي من التدريب، كانت معركتي من أجل النساء قبل كل شيء، ومع  ورود أنباء قيام داعش بقتل النساء بشكل همجي واختطافهن واستعبادهن، خلق في داخلي غضباً لا يهدأ، وبعد فترة شعرت في نفسي بأني على استعداد للانضمام إلى المعارك، ولكنني بالرغم من هذا الشعور كنت لازلت أنفر من الأمر لأنني لم أكن قد تمكنت بعد من التغلب على مخاوفي من خوض المعارك".   

وأضافت "في المرة الأولى التي ذهبت فيها إلى خندق الحرب، نمت على الفور، وحينها وضعت القيادية يدهه على كتفي من الخلف وقالت لي (إن الأرض محاطة بالعدو، يجب عليكي أن ترمي القنابل)، وعندما فتحت عيني على هذا الحلم، رأيت العدو من حولي وألقيت قنبلتي على الفور وبذلك قمت بصده، في ذلك اليوم لم أهزم العدو فحسب بل هزمت الخوف الذي بداخلي أيضاً".

 

"تحولت إلى مقاتلة تسقط مثل الجمرة في قلب العدو"

مع معركتها الأولى ازدادت شجاعة توبراك أمانوس وخبرتها القتالية أكثر فأكثر، لتشارك في الحملات ضد مرتزقة داعش والفصائل الإرهابية التابعة للدولة التركية في الشهباء، حلب، منبج، الطبقة والرقة ولاحقاً في دير الزور "لقد تجاوزت خوفي من خوض المعارك واخترقت قلب العدو كالجمر"، مشيرةً إلى أنها لم تسمح لنفسها بالاستشهاد مبكراً، لأنه كان يتوجب علي أن أناضل وأحارب من أجل المرأة، لم تعد تخيفني الحرب".

 

حملة الرقة وتحرير الإيزيديات

حكاية الأرض تلتقي مع حكاية تحرير النساء الإيزيديات في الرقة التي اتخذتها مرتزقة داعش معقلاً أساسياً لها، وأصبحت مركزاً للإبادة الجماعية للإيزيديات اللواتي اختطفن من شنكال وتم استعبادهن، تقول توبراك أمانوس بأنها أوفت بالوعد الذي قطعته على نفسها بالنضال والمحاربة من أجل النساء من خلال انضمامها إلى وحدات حماية المرأة.

وأوضحت أن "حملة الرقة كانت مختلفة جداً بالنسبة لي، حيث تعد المقر الرئيسي لداعش وقد قام باستعدادات جادة للغاية هناك، كان قد قام بتأسيس مدينة أسفل الرقة، كانوا يقومون بضبط أصوات الآذان المنبعثة من أرجاء الرقة وتحويلها أغاني في بعض الأحيان لتضليلنا، انطلقت حملتنا تحت اسم حملة تحرير النساء الإيزيديات، كانت حملة لا تراجع فيها"، مضيفةَ "دخلنا في البداية منزلاً من طابقين، وأطلقنا النار على العناصر الذين كانوا متواجدين بالداخل، لقد عثرنا على نساء مقيدات بالسلاسل داخل الغرف، كان ذلك المنزل كالسجن، كانت هنالك ٤ نساء إيزيديات تتراوح أعمارهن ما بين الـ 13 ـ 20 سنة".

وتابعت "أول امرأة رأيتها كانت تبلغ من العمر ١٤ سنة وحاملاً، كانت لوحدها داخل تلك الغرفة حيث تم تكبيل قدميها بالسرير بواسطة سلاسل سميكة، وفي الغرفة المجاورة كانت هناك امرأة قالت أنها أيزيدية، ثم صعدنا إلى الطابق العلوي من المنزل، حيث كان يحتجز هناك أيضاً امرأتان إيزيديتان كل واحدة منهما كانت مقيدة في غرفة منفصلة، آثار التعذيب كانت واضحة عليهم، عندما أخبرناهم بأنه تم تحرير شنكال لم يصدقوا ذلك، لم يكن بإمكاننا التحدث معهم لفترة أطول في ظروف المعركة تلك، سألونا أين نحن ما هذا المكان، فوجئوا للغاية عندما أخبرناهم أنهم متواجدات في الرقة، فالمرتزقة أخبروهم أنهن متواجدات في مدينة موصل".

كانت المقاتلات تشتظن غضباً مما كن ترينه كلما كلما تحررت بعض أجزاء المدينة "قابلنا العديد من النساء اللواتي كن تنادين "أنقذونا، أخرجونا من هذا الجحيم"، وبالطبع لبينا نداء كل من احتاج المساعدة خاصة النساء والأطفال"، مشيرةً إلى أنه "أثناء توجهنا إلى داخل الرقة حاصرنا داعش من الخلف، وكانت تأتي أصوات صرخات النساء من الداخل، قلنا حينها بأن داعش يقوم بشن حرب نفسية ضدنا علينا إلا نتحرك فوراً"، واستمرت تلك الصرخات بالصدور مراراً وتكراراً، لم نتمكن من تجاهل تلك الصرخات، لذا ذهبت مع إحدى المقاتلات تجاه الصوت القادم من إحدى المنازل، عندما فتحنا الباب رأينا امرأة مقيدة بالسلاسل على الحائط وجهها مغطى بالكامل بالدماء، عدنا أدراجنا وانتظرنا لبعض الوقت لأننا اعتقدنا أنه قد يكون كميناً، وبعد مراقبة المكان عدنا ثانية إلى ذلك المنزل، سعدت المرأة برؤيتنا وطلبت منا إنقاذها".

وأوضحت أن تلك المرأة أخبرتهم أنها من قرية كوجو بشنكال "سألتني فور إنقاذها عن شقيقتها قائلةً (كانت أختي تبلغ من العمر ٢٥ عاماً، أخذوها إلى الموصل وقاموا ببيعها هناك، بينما كنت أبلغ حوالي 17 عاماً عندما سلموني لأربع من عناصر داعش)، لقد كانوا يستخدمون ذلك المنزل كزنزانة".

 

"قمنا بإنقاذ ٢٠ امرأة مقيدة بالسلاسل داخل الملعب الأسود"

وعن إنقاذهن مجموعة من الإيزيديات داخل ملعب الرقة الذي يعرف بـ "الملعب الأسود" تقول "كان هناك ٢٥ عنصراً من مرتزقة داعش يحرسون الملعب، وقد استطعنا القضاء عليهم، كانوا قد حولوا الملعب لسجن، تضم غرفاً خاصة للتعذيب وأخرى للاستجواب، كان يتم احتجاز النساء في زنازين منفردة وهن مقيدات بسلاسل سميكة على الجدران، والبعض منهن كن مقيدات محتجزات في مجموعات، لم نتمكن من تحطيم السلاسل التي قيدوا بها بسبب سماكتها، بعد تحرير هؤلاء النساء قمنا بإرسالهن إلى أماكن أكثر أمناً".

وتابعت "كانت هناك امرأة يلف ملامحها الألم، عندما رأتنا ابتسمت فوراً لأنها كانت قد سمعت عن وحدات حماية المرأة اللواتي تسعين جاهدات لتحرير كافة النساء من قبضة المرتزقة، لقد أخبرتنا أنها سمعت من المرتزقة أن العديد من الإيزيديات قد تم نقلهن إلى دير الزور، كانت تحمل طفلاً بين ذراعيها، وقالت وهي في نوبة غضب أنه ليس طفلها، أنه طفلهم ولا تريد اصطحابه معها، كان يتواجد في ذاك السجن 5 أطفال و6 نساء حوامل تتراوح أعمارهن ما بين 13 ـ 20 عاماً، كما كان هناك أطفال إيزيديون يبلغون من العمر ٨ سنوات، وأغلب النساء هناك كان أطفالهم برفقتهم، كانوا ينظرون إلى الأطفال الذين بأيديهم نظرة تملؤها الغضب وتقلن (لقد جاؤوا إلى هذا العالم نتيجة للاغتصاب الذي تعرضنا له)"، مشيرةً إلى أنه كان بينهم فتاتان إيزديتان اجبرهما داعش على اعتناق الإسلام.

 

"تاريخ الاختطاف والوفاة محفور على الجدران"

كان هناك أجزاء من أجساد النساء قد جفت في زوايا وأركان الزنزانة، ورائحة الموت تفوح في كافة أرجاء السجن كما وصفت توبراك أمانوس، مشيرةً إلى أنه حتى الخريف لم يتمكن من تغطية تلك الرائحة العميقة "كانت هناك كتابات على الجدران، النساء اللواتي تجدن الكتابة سجلن على الجدران تاريخ وصولهم ووفاة بعضهم، قاموا بنقش رموز الديانة الإيزيدية أيضاً، فقد كان من الواضح أن المرأة تعرضت للتعذيب لدرجة أن آثارها لا تزال موجودة على الحائط، كيف نقشت على الحائط رسمة شمس داخلها قبة، فبالرغم من كل ما تعرضن له لم تتخلى هؤلاء النساء عن ديانتهم ومعتقداتهم".

 

"بعض النساء أردن الانضمام للقتال ومحاربة داعش"

ولفتت توبراك أمانوس إلى أنه من بين النساء اللواتي تم إنقاذهم كانت إحداهن ترتدي ثياباً بيضاء على خلاف الجميع، "جميع النساء كن ترتدين ثياباً سوداء، بينما كانت هناك امرأة ترتدي ثوباً أبيضاً لأنه قد تم بيعها لأحد المرتزقة قبل أن نحرر المكان، لقد ألبسوها الثوب الأبيض ووضعوها في زنزانة في الطابق الأعلى من السجن، لحسن الحظ وصلنا إلى هناك قبل فوات الأوان، إن لحظات إنقاذ الإيزديات كانت تحمل مغزى كبير، بعض النساء اللواتي تم إنقاذهن أردن الانضمام إلينا ومحاربة مرتزقة داعش".

وأضافت "قمنا بفحص كافة أرجاء السجن، حيث تم تطهير المنطقة التي كنا فيها بالكامل، لم تهدأ الأصوات على أجهزتنا اللاسلكية، كنا نسير من حي لآخر، وأصوات الزغاريد تتعالى، كلما سمعنا الزغاريد كنا ندرك أنهم تم إنقاذ امرأة إيزيدية، استمر ذلك 6 أشهر، لم تكن النساء الايزيديات الوحيدات اللواتي تم إنقاذهن في تلك الحملة، بل تم تحرير النساء من كافة المكونات والجنسيات، لقد قمن بنزع تلك الملاءات السوداء التي أجبروا على ارتدائها".

أنقذت 28 امرأ إيزيدية خلال حملة الرقة من قبل المجموعة التي شكلتها توبراك أمانوس مع بعض المقاتلات، ولفتت إلى أنه تم إنقاذ حوالي 100 امرأة إيزيدية خلال الحملة، وعن ذكرى الإبادة الجماعية تقول "مع حلول الذكرى التاسعة لمجزرة شنكال، نؤكد على ضرورة محاكمة مرتزقة داعش الذين تسببوا بآلام كبيرة للإنسانية والنساء".

وأوضحت "مرت 9 سنوات على الفرمان و٦ سنوات على حملة الرقة، عانى المرتزقة من انكساره الأكبر على أراضي شمال وشرق سوريا، تم الانتقام من الفرمان الـ 74، ولكننا مستمرين، يجب محاكمة داعش ومؤسسيه، يجب أن تعبر الحقيقة عبر صفحات التاريخ من خلال أجهزة قضائية عادلة، إن محاكمة داعش في روج آفا عملية مهمة للغاية، وبالطبع كان لا بد من تأييد هذا من قبل القوات الدولية، في النتيجة كانت المعركة ضد داعش من أجل العالم كله وللإنسانية أجمع، يجب النظر إلى الأمر من هذا المنظور، ولكن يبدو أنهم مع عقد المحاكم على أساس الحقوق الفردية، تتم محاولة التستر على الإبادة الجماعية التي نفذت ضد المجتمع والمعتقدات والجغرافيا، لسنا غرباء عن رياء الحكم والسلطات الاستبدادية، لكنهم قد يكونون غرباء ويجهلون نضالنا من أجل حرية المرأة".