دور وسائل الإعلام في فضح ما اُخفي خلف الستار

الاغتصاب، مع آثاره النفسية والاجتماعية العميقة على الضحايا، قضية تنعكس في وسائل الإعلام أكثر من أي وقت مضى، لكن هل زادت هذه الجرائم أم استطاعت وسائل الإعلام تسليط الضوء عليها بشكل أكبر؟

سعيدة شيرزاد

مركز الأخبار ـ الاغتصاب جريمة في أي عمر ولأي شخص، خاصة على النساء والأطفال، حيث تؤدي لمشاكل نفسية واجتماعية واسعة النطاق وخطيرة على ضحاياها.

 

الإعلام والجرائم الخفية... زيادة العنف أم مزيد من الشفافية؟

انتشرت في الآونة الأخيرة أنباء عن اغتصاب نساء داخل سيارات الإسعاف في مدن مختلفة في إيران، حيث قالت هوكستان، ب طبيبة في علم النفس السريري "تعكس الأخبار الأخيرة التي نشرت في المجتمع وتناولتها وسائل الإعلام، أكثر من أي وقت مضى، الجرائم التي تحدث في المجتمعات الأبوية، بما في ذلك قتل النساء، تحت مسمى جرائم الشرف، وكذلك الاغتصاب".

وأضافت "لكن السؤال هو، هل زادت هذه الحالات فعلاً، أم أن وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بسبب اتساع وسرعة نقل المعلومات، جعلت هذه الأحداث أكثر وضوحاً من ذي قبل؟ "في جميع المجتمعات، هناك نسبة كبيرة من الانتهاكات، خاصة الاغتصاب والاعتداء الجنسي، التي طالت الأطفال، لا يتم الإبلاغ عنها، وفي بلادنا، واستناداً إلى إحصائيات الطوارئ الاجتماعية الرسمية وغيرها، ومع الأخذ بعين الاعتبار إنكار المؤسسات الحكومية بسبب الإيديولوجية الحاكمة وهيمنة الثقافة التقليدية القديمة، فإن أكثر من 70% من حالات الاغتصاب والعنف والتحرش الجنسي لا يتم تسجيلها، ويمكن إرجاع زيادة انتشار هذه الأخبار إلى عاملين أولهما دور وسائل الإعلام، وثانيهما تزايد حساسية الجمهور تجاه هذه الجرائم".

 

"الاغتصاب من صمت الضحية إلى الجروح غير المرئية"

وقالت هوكستان، ب عن الفرق بين ردود الفعل تجاه ظاهرة الاغتصاب في الماضي والحاضر، إنه "حيث أقدم العديد من الضحايا على الانتحار بدلاً من الكشف عن اسم المغتصب، وبقين النساء صامتات تحت الضغط الثقافي والتهديد، فألقى المجتمع عليهن اللوم وأنهى القصة، واُعتبر الاغتصاب أحد أكثر أشكال العنف تعقيداً، وآثاره، مهما كانت طفيفة، لا يمكن إصلاحها".

وأضافت "في الثقافة التقليدية، لم تكن العديد من أفعال التحرش تعتبر اغتصاباً إلا إذا حدث اتصال جنسي كامل، وفي كثير من الأحيان، لم يقم ضحايا الاعتداء اللفظي أو اللمس غير المرغوب فيه بالإبلاغ عن ذلك، وتحمل العديد من النساء والأطفال مثل هذه التجارب في صمت، مما قد يكون سبباً خفياً لبعض الاضطرابات النفسية لديهم".

 

"الاغتصاب لا يقتصر على منطقة جغرافية أو حكومة محددة"

وعن خصائص المعتدي، قالت هوكستان، ب إن "الاغتصاب له جذور نفسية، على الرغم من أنه قد ينتج عن الإحباط الاجتماعي، أو الحرمان، أو الاضطرابات العقلية المهملة، وفي مجتمعنا، لا يتم التعامل مع مشاكل الصحة العقلية على محمل الجد، ولا تزال زيارة طبيب نفسي مرتبطة بالوصمة".

وأضافت "الاغتصاب لا يقتصر على منطقة جغرافية أو حكومة محددة، بل يحدث في كل المجتمعات، وهو ما يشير في حد ذاته إلى البعد النفسي لهذه القضية"، مؤكدةً أن بعض الاضطرابات النفسية تسبب سلوكيات جنسية غير طبيعية، حتى أنهم تعاملوا مع الجمادات أو الحيوانات.

 

دراسة قضية الاغتصاب في إيران

انتقدت هوكستان، ب نهج السلطات في إشارة إلى الاغتصاب في إيران "في حين تزعم السلطات أنها تضمن سلامة المرأة من خلال الحجاب، فإن حالات الاغتصاب ضد النساء المحجبات لا تزال تحدث، في مجتمعنا كثيرون لا يقبلون إلا قراءتهم الخاصة، وهذه القضية، مع الفجوة المتزايدة بين قراءة الناس وقراءة السلطات، دفعت المؤسسات الرسمية إلى التركيز فقط على الحجاب والاحتشام، دون النظر إلى عوامل أخرى مؤثرة".

وأكدت أن الاغتصاب في أماكن مثل المستشفيات أو ضد كبار السن يثير تساؤلات حول منطق الرواية الرسمية، وفي الوقت نفسه، تم إهمال عملية الإشراف على العاملين واختيارهم، مشيرةً إلى أهمية المراقبة، مقترحة تركيب معدات مثل كاميرات في الأماكن الحساسة، بما في ذلك سيارات الإسعاف، لمنع الإساءة.

ولفتت إلى أن العقوبات الموجودة ليست رادعة، خاصة في الحالات التي تقع فيها جرائم الاغتصاب بشكل منظم "هناك قضية أخرى مهمة وهي دعم الضحايا، فعندما تلجأ المرأة التي تعرضت للاغتصاب إلى الانتحار بسبب عدم وجود الدعم القانوني والاجتماعي، فهذا يدل على فشل النظام القانوني والنفسي في دعمها".

 

عوائق فعالية علم النفس في إيران

أكدت هوكستان. ب، على عدم فعالية علم النفس في إيران "هناك عاملان رئيسيان يمنعان علماء النفس من أن يكونوا فعالين في المجتمع، أولاً، الضعف في التدريب العملي والعلاجي، مما يترك العديد من علماء النفس دون المهارات الكافية للتدخل الفعال، ثانياً، القيود القائمة التي حرمت من حرية التعبير والنشاط".

وأضافت "في قضايا مثل الاغتصاب، يواجه علماء النفس تحديات خطيرة في توجيه الضحايا، خاصة أن المحرمات العقلية والخوف من الخروج عن الأطر المعمول به تمنع تقديم توصيات وطرق علاج فعالة، علاوة على ذلك، فإن المراقبة والتحكم في تفاصيل الأنشطة قد حد من إمكانية استخدام الأساليب الحرة والعلمية".

 

خلق الأمن الذاتي للمواطنين من خلال حرية التعبير

وفيما يتعلق بنشر الأخبار حول الأضرار الاجتماعية، وخاصة الاغتصاب، قالت "إن إحدى عواقب حرية التعبير هي الجدل حول الروايات، حيث يعتقد البعض أن نشر أخبار هذه القضايا سيؤدي إلى كسر حاجزها وانتشارها على نطاق أوسع، لكن في الواقع، عندما تتوفر الحرية ويصبح الناس على دراية بالقضايا التي يواجهونها، فإن سلامتهم الذاتية ورعايتهم الذاتية تزداد، على سبيل المثال، نشر أخبار عن حالة اغتصاب حديثة ورفض السماح لمرافق بالصعود إلى سيارة الإسعاف يمكن أن يساعد الأسر على متابعة الحالات المماثلة والوعي بحقوقهم".

أوضحت أنه في حال غياب حرية التعبير، قد يقدم هؤلاء روايات مبنية على أهدافهم وتحيزاتهم الخاصة، مما يخلق صورة زائفة عن المجتمع، وإن نشر هذه القضايا والاستعانة بعلماء النفس وعلماء الاجتماع لإجراء تحليل أكثر تفصيلاً يمكن أن يساعد في زيادة الرعاية الذاتية وحتى تقليل احتمالية حدوث حالات الاغتصاب.

وأضافت "من المؤكد أنه في مجتمع يعاني من الحرمان الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي تتشكل مثل هذه الجرائم بشكل غير مباشر، في الأمور المهنية، لا تتم الاختيارات بشكل صحيح ومتسق، وحيث نطلق على أنفسنا اسم مجتمع إسلامي، ولكن هناك تقارير في إدارة الرعاية الاجتماعية تفيد بأن رئيس دار رعاية المسنين اغتصب امرأة للمرة الثانية، على الرغم من أنه كان قد تم نفيه بالفعل، وكان مدعوماً من المدير العام، وهذا أمر غير مقبول في مجتمع يدعي الإسلام، ويرتبط بالقوانين السائدة، والامتيازات الخاصة للشخصيات البارزة في المؤسسات، وعدم وجود عقوبات صارمة".

 

"قاعدة نسائية" بمهام منفصلة عن حالات الطوارئ الطبية

وانتقدت هناء. ع، أحد عضوات فريق الطوارئ الطبية في سنه بشرق كردستان، عدم وجود عدد كاف من النساء في الكادر الطبي قسم الطوارئ "خلال السنوات الخمس الماضية، مقابل كل 20 رجلاً في غرفة الطوارئ، يتم إدخال 3 إلى 4 نساء فقط".

وأضافت "هناك أيضاً قوات نسائية في سنه، ولكنها تعمل في قاعدة منفصلة تسمى "القاعدة النسائية"، وهو قرار خاطئ، ففي العديد من البلدان، يعمل الرجال والنساء معاً في نفس الوردية، وفي بعض الحالات، يمكن للعاملات المساعدة بشكل أفضل، لكن في إيران، تقوم هذه القوات بمهام بسيطة ليس لها أي تأثير على تحسين الأداء في حالات الطوارئ".

وعن السماح للمرافق بالدخول إلى سيارة الإسعاف قالت "لا يوجد قانون يمنع دخول المريض مع مرافق إلى سيارة الإسعاف، ولذلك فإن نشر هذا الخبر قد يكون فرصة لمسؤولي إعلام الرأي العام من خلال تقديم معلومات دقيقة عبر وسائل الإعلام".