العنف ضد النساء في الجزائر... سيطرة مجتمعية وقانون متواطئ
تعد جرائم القتل الحلقة الأخيرة من سلسلة طويلة من العنف الذي تتعرض له النساء في الجزائر، والذي يستمر في العديد من الحالات لسنوات قبل الوصول إلى هذه النهاية المأساوية.
![](https://jinhaagency.com/uploads/ar/articles/2025/02/20250213-mdlt-jpg959ced-image.jpg)
مركز الأخبار ـ رغم تعزيز الجزائر لترسانتها القانونية ووضع آليات جديدة لمكافحة العنف ضد النساء والفتيات على غرار التعديل الأخير لقانون العقوبات، إلا أن الواقع، لا يزال يروي قصة مختلفة.
مسيرة المرأة الجزائرية التاريخية حافلة بالنضال والتضحية، ولكن لدى الحديث عنها يجب التطرق إلى مسألة الأدوار الاجتماعية القائمة على النوع الاجتماعي، فالنزعة المحافظة في البلاد التي قدمت المرأة من أجلها الكثير وأبدت مقاومة كبيرة لاستقلالها؛ تفسح المجال أمام عدم المساواة بين الجنسين.
فرغم الجهود التي بذلتها الجزائر من خلال الالتزامات الدولية والدستورية والوطنية لتفعيل دور المرأة، إلا أن الواقع يظهر أن هناك عقبات تحول دون حصولها على كافة حقوقها، وهذا ما دفع بالمشرع الجزائري إلى إعادة النظر في مسألة حقوق المرأة، فوضع آليات قانونية جديدة تقر بدور المرأة في النهوض بالمجتمع.
إن القيود المفروضة على وصول النساء إلى الأماكن العامة هي بمثابة تذكير بسيطرة المجتمع الجماعية على أجساد النساء، إضافة إلى التذكير بإطار الأسرة والنظام الأبوي والدين وما إلى ذلك، وعلى الرغم من كثرة النشاطات والفعاليات النسوية التي تسعى إلى توعية المجتمع، إلا أنهن لا تزلن تتعرضن للتحرش الجنسي في الأماكن العامة، الذي تم تجريمه عام 2004، ثم في الأماكن الخاصة والعامة عام 2015، ومع ذلك، لا يزال العنف ضد المرأة والتحرش في الأماكن العامة يعامل على أنه أمر شائع، ويرتبط ذلك ارتباطاً وثيقاً خاصة بعد اعتبار وجود المرأة في الأماكن العامة أمراً غير مشروعاً.
ويصف المشرع في قانون العقوبات التحرش الجنسي في مجالات مختلفة بأنه إهانة للأخلاق وليس انتهاكاً لحقوق الإنسان، في وقت يسمح فيه قانون الأسرة الجزائري الذي لا يتوافق نظرياً مع الديمقراطية والعدالة الاجتماعية؛ بعدم المساواة بين الجنسين، وهذا القانون يناقض بشكل كبير مساهمات المرأة في نضال الشعب الجزائري من أجل التحرير، ويبقى المستفيد من التشريعات التي تقلل من دور المرأة رجال الدين، أما العلمانيين والنساء فهم الأشد انتقاداً له، وما بين الثناء والإدانة يبقى قانون الأسرة الجزائري، الذي تم سنه عام 1984 أبعد ما يكون عن المدنيّة، ورغم التعديلات التي أًدخلت عام 2005 ما زالت المساواة بعيدة المنال.
فقد تضمنت التعديلات إلغاء ولاية الزوج على زوجته واستبدالها بالتعاون بينهما، وإلغاء ضرورة موافقة الولي على الزواج واستبدالها بإخطاره بالزواج، وإلغاء حق الزوج في طلاق البدعة واستبداله بطلاق التراضي أو للضرر أو للشقاق، ومنح المرأة حق طلب الطلاق للضرر أو للشقاق أو للخلع أو لغير ذلك من الأسباب المشروعة لكن عليها إعادة المهر، كما مُنحت المرأة حق حضانة أطفالها إلى سن العاشرة، مع إمكانية تمديدها إلى سن 16 عاماً بطلب من المحضون أو بتقدير من القاضي، لكن المادة 56 من المدونة نصت على أنها ستخسرها في زواجها.
ورغم أنها غيرت من الحد الأدنى لسن الزواج ليصبح 18عاماً إلا أنه وكما في معظم بلدان المنطقة يجوز للقضاة في حالات خاصة السماح بالزواج المبكر، وقد يتزوج الرجل حتى أربع زوجات؛ ولا يجوز للمرأة المسلمة أن تتزوج من غير مسلم، ويُطلب من الزوجة أن تطيع زوجها وتحترمه كرئيس للأسرة، وهو ما ترفضه النساء ويولد العنف ضدهن.
وفي سبيل حماية المرأة من العنف بادرت النسويات لإطلاق عدد من التطبيقات الرقمية خلال الأشهر والسنوات الماضية، للتبليغ عن العنف الذي قد تتعرضن له داخل الأسرة أو في الشارع أو مكان عملهن، منها "سوروريتي"، وهو عبارة عن نظام إنذار مجاني عالمي، تستعمله النساء حصرياً للتبليغ عن العنف الذي تتعرضن له في الأماكن العامة، حيث تم تشغيله في الجزائر مؤخراً، وكذلك تطبيق "داين" (يكفي) الذي أطلقته مجموعة من النساء، ويوفر خاصية تحديد موقع الضحية عند تعرضها للعنف، وتطبيق "جزايرية" الذي أطلقته جمعية "جزائرُنا"، يُتيح للمستخدمات التبليغ عن العنف الذي تعرضن له، مع ضمان السرية والأمان.
غير أن هذه التطبيقات ورغم دخولها حيز العمل منذ أشهر، إلا أن المختصين والنشطاء لا يجمعون على فعاليتها في الواقع، ويُبرر هذا بالأرقام التي تؤكد هيئات حقوقية أنها ترتفع سنوياً، حيث سجلت جمعية "فيمينيسيد الجزائر" ما مجموعه 315 جريمة قتل للنساء خلال السنوات الخمس الماضية.
وبحسب ما أوضحته الجمعية فإن أغلبية الجناة هم أشخاص معروفون للضحايا، إذ بلغت نسبة الجرائم التي ارتكبها الشركاء أو الشركاء السابقون 42.6%، فيما شكل أفراد العائلة نسبة 27.7% من الجناة، أما باقي الجرائم والتي تشكل نسبتها 29.8% فارتكبها آخرون من بينهم جيران أو متحرشون أو لصوص.
وقد بلغت نسبة الجرائم المرتكبة في المنازل التي من المفترض أن تكون أكثر الأماكن أمناً للنساء، 89.4%، وكان الطعن هو الأسلوب الأكثر استخداماً فيها لعام 2024 بنسبة 31.9%، يليه الضرب بنسبة 23.4%، ثم الذبح والخنق بنسبة 8.5% لكل منهما، وإطلاق النار بنسبة 4.3% وأخيراً الدهس بالسيارة بنسبة 2.1%.
وبالنسبة لحالات القتل التي تمت بالضرب فإن 90.9% من هذه الحالات استهدفت الرأس بينما استهدفت 9.1% منها الظهر، حتى أن العديد من الجرائم تم فيها محاولة التمويه وتضليل العدالة بهدف إخفاء الحقيقة وإبعاد الشبهات عن الجناة، تشمل إيهام عائلات الضحايا والمصالح الأمنية وحتى الرأي العام بأن الضحايا أقدموا على الانتحار، أو حرق الجثث وأماكن الجرائم، أو حتى بإخفاء الجثث.
ومن أبرز الأسباب التي تدفع الرجال إلى تعنيف النساء وقتلهن، هو الإفلات من العقاب، وغياب التغييرات الجذرية في التشريعات أو تطبيقها بصرامة، وتباطؤ وتيرة التوعية المجتمعية، ومن المتوقع أن تتكرر هذه الجرائم بنفس الوتيرة ما لم تتخذ السلطات إجراءات فورية لمعالجة الأسباب الجذرية للعنف، مثل التمييز الجنسي والثقافة الذكورية التي تغذي هذه الظاهرة.
وللحد من تلك الجرائم أطلقت مجموعة من الجمعيات حملة رقمية على مواقع التواصل الافتراضي بهدف رفع الوعي والحث على تكثيف الجهود للقضاء على العنف القائم على النوع الاجتماعي، وبعد انتهاء الحملة دعت مجموعة من النسويات والناشطات إلى مواصلة العمل والنضال لرفع الوعي وزيادة المشاركة المجتمعية للحد من العنف ضد النساء والفتيات من خلال إطلاق وسم "الحملة انتهت ولكن النضال مستمر".
وقامت منظمة أورو ماد فيمنست وجمعية نساء جزائريات اللتان انضمتا إلى الحملة العالمية، بإطلاق حملة رقمية تحت شعار "حملة الستة عشر يوماً من النشاط: اللي يضرها يضرني"، بنشر محتوى رقمي متنوع من شهادات نساء ضحايا اعتداءات وجرائم ومقابلات إعلامية وفيديوهات لرفع الوعي لدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بخطورة العنف الممارس ضد النساء والفتيات وارتفاع وتيرته في السنوات الأخيرة بالإضافة إلى تقديم إحصاءات وأرقام حول جرائم قتل النساء في الجزائر.
كما نظمت جمعية حورية للمرأة الجزائرية يوماً توعوياً خاصاً تحت شعار "هي أمانة... كفى إهانة"، والتي اعتبرتها رئيسة الجمعية عائشة سرير، محطة للتقييم والتقويم وتبني رؤى ومشاريع تتعاطى بشكل مباشر مع القضية، لافتةً إلى أن المرأة قطعت أشواطاً في الاستقواء الفكري والقانوني، ولكنها لم تصل لمنع العنف، مشيرةً إلى ضرورة القضاء على النظرة الدونية للمرأة وتغيير الأدوار النمطية التي تم تخصصيها لها، فالمرأة هي صانعة المستقبل.
فيما أطلقت كل من منصة "سلامات ديزاد" ومبادرة "لها بودكاست" و"الجيريان فيمنست"، حملة توعية حول "الشباك الموحد" من خلال نشر إحصائيات وبحوث حول العنف ضد النساء في الآونة الأخيرة منها دراسة "الدليل الرقمي للعنف ضد النساء والفتيات في الجزائر" وشهادة امرأة تعرضت للعنف الزوجي من قبل طليقها الذي مارس عليها كل أشكال العنف بعد سنوات من الزواج خاصة ولكنها استطاعت أن تسترجع حقوقها نوعاً ما بعد اتباعها لخطوات قانونية كالتقدم بشكوى والاحتفاظ بنسخة من تقرير الطب الشرعي وكل الإثباتات التي أدانته في النهاية.