بوثائق وصور حقيقية... متحف تاريخي يجسد حقبة سيطرة داعش على الرقة
بوثائق وصور حقيقية سلط المتحف الذي افتتحته هيئة الثقافة والأثار لإقليم شمال وشرق سوريا، الضوء على الانتهاكات الوحشية التي ارتكبها مرتزقة داعش بحق الأهالي والنساء على مدار خمسة أعوام.

نور الأحمد
الرقة ـ أكدت الرئاسة المشتركة لهيئة الثقافة والأثار لإقليم شمال وشرق سوريا سرفراز شريف، على أهمية افتتاح المتحف لتجسيد الحقبة السوداء التي خيمت على المنطقة إبان سيطرة داعش، وكشف انتهاكاته وجرائمه الوحشية التي ارتكبها بحق الأهالي والمواقع الأثرية على مدار خمسة أعوام.
افتتحت هيئة الثقافة والأثار لإقليم شمال وشرق سوريا في 20أيار/مايو الشهر الماضي، متحفاً تاريخياً يحوي معروضات فنية وصور حقيقة من أرض الواقع جسدت فيها انتهاكات داعش التي ارتكبها أثناء سيطرتها على مقاطعة الرقة.
"المتحف وثق صمود ومقاومة شعوب المنطقة في وجه الانتهاكات"
وعن التحضيرات التي أجريت قبل افتتاح المتحف قالت الرئاسة المشتركة لهيئة الثقافة والأثار لإقليم شمال وشرق سوريا سرفراز شريف أنه "تم التجهيز لافتتاح المتحف والبحث عن الدلائل والوثائق المطلوبة من قبل الأهالي الذين كانوا شاهدين على حقبة سيطرة داعش على المنطقة، ومن تعرض لانتهاكاته الوحشية، وذلك من خلال تجميع صور ودلائل مرئية أكثر من سنة ونصف تقريباً".
وأوضحت أن المتحف تمكن من توثيق صمود ومقاومة شعوب المنطقة في وجه الانتهاكات، وتوثيق جهود قوات سوريا الديمقراطية وقوات وحدات حماية المرأة الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل تحرير المنطقة من داعش "لقد كان تحرير المنطقة من رجس الإرهاب "داعش" بمثابة ولادة جديدة للأهالي، فإذا قارن واقع اليوم بعد التحرير عن الأمس سنرى كيف أن التحرير حرر أهالي المنطقة من الحقبة السوداء التي كانت مليئة بالظلم والتعذيب والموت والخ. أما اليوم فنرى بأن أهالي المنطقة يعيشون وفق منهج الأمة الديمقراطية".
وأوضحت سرفراز شريف الهدف من افتتاح المتحف "هدفنا ليس فقط تسليط الضوء على الانتهاكات والألم الذي تعرض له الأهالي إبان سيطرة داعش، أنما الهدف الأساسي هو أن ينسى شعوب المنطقة تلك الحقبة السوداء، والانتهاكات الوحشية التي تعرضوا لها آنذاك، ولكي تبقى راسخة في عقل كل من كان شاهداً عليها، فهناك جروح تنزف ولم تلتئم بعد من قبل من فقد أحد أفراد عائلته عل يد داعش ومنهم من ينتظرون أي نبأ عن المفقودين قسراً".
وعن الأهمية التي تلقاها المتحف قالت "أحدث افتتاح المتحف صدى عالمي كبير فهناك العديد من الزيارات للمتحف من قبل الوفود والسياح الأجانب ومن أهالي المنطقة، للتعرف على المتحف وما يحتويه من معروضات ووثائق وصور، فقد بات المتحف شاهد تاريخي يروي قصص واقعية شهدتها أهالي المنطقة، وبرزت إرادة عظيمة لتتحدى تلك الانتهاكات والمجازر التي ارتكبت بحقهم".
أقسام المتحف
وأشارت إلى الأقسام التي يتكون منها المتحف "يتألف المتحف من عدة أقسام، يحتوي القسم الأول على عدد كبير من الصور الفوتوغرافية التي توثق الانتهاكات التي تعرض لها أهالي المنطقة في تلك الفترة، فبعض الصور جسدت الانتهاكات التي تعرض لها الأطفال آنذاك من التجنيد الإجباري وتعليمهم أنواع عديدة من الممارسات الإجرامية من قتل وتعذيب للأهالي وغسل عقولهم وإجبارهم على أفعال إجرامية مثل عمليات تفجير أنفسهم وتفخيخ الأماكن والسيارات، وهناك صور حقيقية مثّلت أنواع الإعدامات الميدانية بحق الأهالي من قصاص الرؤوس والأيادي والأقدام سواء بإطلاق ناري أو أدوات حادة كسيف والسكين والمنجل، والأدوات الصلبة الذي كانوا يستخدمونها في حال مخالفة القوانين، أيضاً هناك صور تجمع المجازر الجماعية التي قاموا بها بحق آلاف الأشخاص في المنطقة، إضافة الى صور الآلاف من المفقودين قسراً على يد داعش، والذين لا زالوا مجهولي المصير حتى هذه اللحظة".
والقسم الثاني للمتحف يضم العديد من الأدوات الحادة التي كانوا يستخدموها في عمليات القصاص، والمنحوتات وهي عبارة عن رؤوس وأطراف بشرية مقطوعة مشيرة إلى أنه "يضم القسم الثاني من المتحف مجسم مصغر عن ساحة دوار النعيم الموجود حالياً في وسط المدينة، والذي عرف سابقاً بساحة الجحيم للعدد الكبير من الإعدامات التي حصلت فيه، والذي بات شاهد تاريخي شهير للإعدامات الميدانية بحق أهالي المنطقة من عمليات القصاص والرجم والحرق وغيره الكثير، حيث كان يتم تعليق الرؤوس عليه لعدة أيام بهدف أن يكون عبرة لغيره وترهيب الأهالي وفرض كافة الانتهاكات دون أي اعتراض".
أما القسم الثالث من المتحف كما أوضحت فيضم حائط مليء بالمئات من التقارير الورقية التي توثق القرارات الصادرة والواردة من وإلى دواوينهم من عمليات التفجير والتفخيخ والإعدامات الميدانية والجلد والقصاص، إضافة الى فرض دورات استتابة، ومنع مناهج التعليم بحجج أنها تخالف الشريعة الإسلامية وتغيير أسماء المدارس إلى دواوين لتعليم عقيدتهم".
قسم يروي الانتهاكات التي تعرضت لها النساء
وفيما يخص القسم الذي يجسد الانتهاكات التي تعرضت لها المرأة قالت "دفعت المرأة الثمن الأكبر إبان سيطرة داعش على المنطقة، من قتل وتعذيب وجلد ورجم، وفرض عليها ارتداء الزي الأسود بالكامل، لذا كان هناك قسم يروي ما ذاقته من معاناة وما تعرضت له من انتهاكات، من خلال منحوتات وهو عبارة عن تمثال لمرأة ترتدي رداء أسود ومقيدة بالعديد من السناسل الحديدية، والتي تظهر مدى الانتهاكات والقيود التي كبلتها في مختلف المجالات، إضافة إلى وجود صور حقيقية لأسواق النخاسة التي كان تباع فيها المرأة ببخس دراهم والسبي الذي تعرضت له النساء الأيزيديات".
الرقة موقع تاريخي وأثري
وأشارت إلى الدمار الذي طال المواقع الأثرية "اشتهرت مدينة الرقة بموقعها الثقافي الغني بالأثار والمجسمات الأثرية النادرة، والصور التي ضمها المتحف جسدت أنواع التدمير والخراب التي طال المواقع الأثرية مثل السور والجامع القديم وكسر المنحوتات الأثرية التي تعود تاريخها إلى آلاف السنوات والتي تعبر عن حضارة مدينة الرقة، حيث قامت مرتزقة داعش بسرقة ونهب كافة المجسمات والقطع الأثرية، وحرق الكتب والروايات الثقافية، كما أن هنالك العديد من الشخصيات المثقفة والفنية التي لاقوا حتفهم على يد داعش وحكم عليهم بالإعدام بحجج عبادة الأصنام وخلقها كالباحث الأثري المشهور خالد الأسعد".
"رسالة لتعزيز الوعي بخطورة عودة الحقبة المظلمة"
ولفتت إلى أنه بعد مرور أكثر من ثمانية أعوام على تحرير المنطقة من رجس داعش إلا أن هناك تحركات لخلايا داعش في المنطقة بين كل حين وآخر "في ظل تحركات داعش في المنطقة حمل المتحف رسالة تعزز الوعي لدى المجتمع بخطورة عودة الحقبة المظلمة التي خيمت على المنطقة أكثر من خمسة أعوام ولمنع تنشيط داعش مجدداً وإعادة السيناريو الوحشي الذي واجهه الأهالي نساءً وصغاراً وشباباً وشيوخاً".
وأكدت الرئاسة المشتركة لهيئة الثقافة والأثار لإقليم شمال وشرق سوريا سرفراز شريف في ختام حديثها أنه "يجب على جميع شعوب ومكونات مناطق إقليم شمال وشرق سوريا أن يكونوا يداً واحدة لإفشال كافة المخططات والأجندة الخارجية التي تسعى لإحياء داعش مجدداً في المنطقة، فاليوم المناطق المحررة من داعش تعيش وتنعم بكل حرية وحققت نهضة من الازدهار والتقدم، وخاصة المرأة التي تغير واقعها جذرياً فباتت اليوم ريادية وقيادية في جميع المجالات فقد نالت حريتها وحقوقها، لذا يقع على عاتقها المسؤولية الأكبر في حماية منطقتها وألا تسمح بسلب إنجازات ثورتها التي ضحت من أجلها بالكثير".