أناهيتا سينو تروي حكايتها مع اللغة والمنفى والحرب
بين صمت المنع وقسوة الحرب، خطّت أناهيتا سينو كلماتها لتروي قصة شعبها وتُثبت أن الكتابة هي أبلغ أشكال المقاومة.

أسماء محمد
قامشلو ـ أكدت أناهيتا سينو أن الكتابة هي صوت المرأة الذي تواجه به التحديات وتمضي قدماً رغم كل الظروف، لتروي قصصها وتحفظ هويتها عبر كلمات نابضة بالحياة، وقد بدأت الكتابة في ظل قمع منعها من التعبير بلغتها الأم، لكنها تحدت الصعاب وتعلمت الكردية بنفسها، لتصبح صوتاً قوياً يوثق معاناة شعبها وتجاربها الشخصية بين الحرب والتهجير والأمل المستمر في الكتابة والحياة.
الكتابة ليست مجرد وسيلة للتعبير، بل هي فعل مقاومة وتوثيق للهوية والتاريخ، خاصة عندما تكون محاطة بالتحديات والقهر، وفي مجتمعات تعاني القمع والحرمان، تصبح الكلمة صوتاً يرفض الصمت، وأداة لنقل التجارب الشخصية والجماعي، هذه القوة التي تحملها الكتابة تظهر جلياً في حياة الكثيرين الذين تحدوا الواقع ليحفظوا لغتهم ويشاركوا قصصهم، ويؤكدوا أن الإبداع يستطيع تجاوز الحدود والصعاب.
بدأت أناهيتا سينو رحلتها مع الكتابة منذ أكثر من ثلاثة عقود، وسط صمت يفرضه القهر على لغتها الأم، الكردية التي حرمت من التحدث والكتابة بها، لكنها لم تستسلم بل تحدت كل القيود، وعملت بجد لتعيد لغتها إلى الحياة، محاولة عبر كلماتها أن تمسح دموع النازحين وتروي قصص النساء والأطفال الذين عانوا فقدان الدفء والأمان، كتاباتها هي رسائل حب من امرأة لم تسمح لليأس أن يسرقها من وطنها أو من ذاتها.
تشغل أناهيتا سينو اليوم منصب الرئيسة المشتركة لاتحاد المثقفين بإقليم شمال وشرق سوريا، وقالت عن تجربتها مع الكتابة "بدأت رحلتي مع الكتابة عام 1988، في تلك الفترة لم يكن من الممكن أن أكتب بلغتي الأم الكردية لأنها كانت ممنوعة تماماً، لم يكن يسمح لنا بتعلمها ولا استخدامها في أي مجال من مجالات الحياة العامة أو الثقافية، ولهذا كانت أولى كتاباتي باللغة العربية، لأنها الوسيلة الوحيدة المتاحة أمامي للتعبير عما في داخلي، كنت أتحدث الكردية مع من حولي، لكنني لم أكن أعرف كيف أكتبها، حتى والداي رغم أنهما كانا يتحدثان بالكردية، إلا أننا لم نكن نملك أدوات أو معرفة تجعلنا نستخدمها كتابياً، لم تكن هناك كتب ولا معاجم ولا مدارس تتيح لنا تعلم لغتنا ومع ذلك لم أستسلم".
وأضافت "وجدت في البيت كتاباً صغيراً باللغة الكردية، وبدأت أتعلم منه بنفسي، كنت أدرس الحروف وأكتب الجمل وأحاول أن أفهم قواعد اللغة التي لطالما أحببتها، بالتوازي مع ذلك واصلت الكتابة بالعربية أيضاً، كانت رحلة طويلة مليئة بالصبر والإصرار والكثير من التحديات، ومع مرور الوقت بدأ أصدقائي يطرحون علي سؤالاً لم يفارقني, (لماذا لا تكتبين بالكردية)، ذلك السؤال دفعني أكثر للبحث، للتعلم وللمقاومة عبر الكتابة، وبالفعل بحلول عام 2002 أصبحت أكتب بالكردية بشكل أفضل ووجدت من حولي من يدعمني في هذه الخطوة".
واعتبرت أن تلك اللحظات هي الأجمل "نشرت لي أول قصة قصيرة باللغة الكردية في مجلة "زفين"، شعرت يومها أنني كسرت حاجزاً كبيراً، وحققت شيئاً من الحلم كان ذلك دافعاً مهماً للاستمرار، لكن للأسف لم تسر الأمور دائماً كما أردت، حين بدأت الحرب وتحديداً مع اندلاع الثورة في مدينة رأس العين، اضطررت إلى التوقف عن الكتابة قرابة ثماني سنوات، هُجرنا من بيوتنا وخسرنا كل شيء لم يكن لدي حتى دفتر أو هاتف أو حاسوب أو وسيلة أكتب بها، عشنا ظروفاً قاسية لكن الألم ظل يلح علي بالكتابة، بعد أن استقرينا في مدينة الحسكة ثم قامشلو، بدأت أستعيد نفسي تدريجياً، شعرت أن الكتابة ليست فقط وسيلتي للتنفس، بل مسؤوليتي تجاه ما حدث، كتبت عن الشهداء، عن النساء، عن الأطفال، عن البيوت التي تركناها، وعن المدن التي تغيرت ملامحها تماماً".
وتابعت "عدت إلى الكتابة باللغة الكردية إلى جانب اللغة العربية، ووجدت أنني صرت أقوى ليس فقط في اللغة، بل في التعبير أيضاً، كتبت كثيراً عن الحرب عن النزوح عن الألم، أردت أن أكون شاهدة بالكلمة، فأصدرت عدداً من الكتب، منها كتابي باللغة العربية "على ذمة الزيزفون"، وقد اخترت هذا الاسم لأن الزيزفون كان يملأ شوارع رأس العين، ورائحته جزء من ذاكرتي، هناك طريق في مدينتي يعرف بـ "طريق الزيزفون"، ويعد جزء من يومياتي وحين ألفت هذا الكتاب، شعرت أن العنوان لا يمكن أن يكون إلا هو".
كما نشرت كتاباً آخر بالعربية بعنوان "لأني أحبك"، وأصدرت أيضاً كتاباً بالكردية بعنوان "çîrokên Fektorî"، وعما إذا كان لديها سيتم نشرها قريباً تقول "أعمل حالياً على كتابي الخامس باللغة الكردية، والذي ما زلت أضع لمساته الأخيرة، هذا الكتاب الجديد يحتوي على أكثر من خمسين نصاً، بين قصة وأغنية وشهادة، يتناول وجع النساء وآلام الأمهات وتجارب الأطفال، ويوثق ما مر به شعبي من معاناة ونضال، كل كلمة فيه تخرج من قلب النازحة، من قلب الكردية التي أرادت أن تقول نحن هنا وسنظل نكتب".
واختتمت الشاعرة والرئيسة المشتركة لاتحاد المثقفين بإقليم شمال وشرق سوريا أناهيتا سينو حديثها بدعوة صادقة لكل النساء "نحن عشنا الثورة، وكنا في الصفوف الأولى في كل الميادين، حان الوقت أن نكتب قصصنا بأيدينا أن نوثق حياتنا وأن يكون لنا صوت واضح لا يمكن تجاهله".