'ليس هناك متسع للحزن لقد وصلت أوجاعنا عنان السماء'

تتفاقم معاناة النساء في قطاع غزة خلال المداهمات العسكرية المفاجئة، لتزداد حدة الضغوطات النفسية وعبء التحديات اليومية الملقاة على عاتقهن.

نغم كراجة

غزة ـ تعيش المرأة في قطاع غزة تحت وطأة ظروف قاسية وصعبة، حيث تواجه تحديات يومية بسبب الحصار والاعتداءات المتكررة، لكن الهجوم الإسرائيلي الأخير على حي الشجاعية كان الأكثر قسوة وضراوة، وترك أثراً بالغاً في نفوس النساء اللاتي كنّ شاهدات على فظاعة الجرائم المرتكبة.

كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة ظهراً عندما داهمت القوات الإسرائيلية حي الشجاعية بإطلاق وابل من القذائف والصواريخ دون سابق إنذار أو تبليغ السكان بالإخلاء الفوري، بينما كانت مرفت الترك تقوم بإعداد الخبز لعائلتها على النار، هذا الوضع المأساوي الذي خلفته الحرب في مشهد يومي اعتيادي لم تتوقع أن ينقلب رأساً على عقب في لحظة، وتقول "فجأة، بدأت القوات الإسرائيلية بإطلاق الرصاص الحي والقذائف بشكل متتالي ومكثف على المنطقة التي أقطن فيها، مما أثار الذعر والهلع بين السكان ولا أحد يعرف ما الذي يحدث إلى أن أخبرنا أحد الجيران أنه اجتياح بري، وجدت نفسي في حالة من الارتباك والتوتر، وكل ما يهمني هو كيف سأنجو بنفسي وأطفالي من وسط هذا الاجتياح المفاجئ".

 

الرعب والفرار من فوهة الموت بأعجوبة

عندما بدأت القذائف تتساقط بشكل مكثف، هرعت مرفت الترك إلى داخل المنزل لتجد أن القوات الإسرائيلية قد اقتحمت المنطقة براً بسرعة البرق وألقت ما بيدها وبدأت تجمع ملابسها وبعض معلبات الطعام على عجل استعداداً للنزوح القسري، كانت تفكر في كيفية النجاة هي وعائلتها قبل أن تصل القوات إليهم، وبينما كانت تضع أغراضها في سيارة ابنها، نظرت خلفها لتجد نفسها محاطة بالآليات في مشهد مرعب، مضيفة "في تلك اللحظة، بدأت ألتقط أنفاسي في حالة من الذعر والصدمة، تركت كل ما حملته وبدأت أركض في الشارع مع أبنائي والرصاص يتطاير فوق رؤوسنا، دون أن أعرف وجهتنا".

 

اقتحام حي الشجاعية كان الأعنف والأكثر دموية

لم يكن هذا الاقتحام الأول لحي الشجاعية، لكنه كان الأعنف والأكثر دموية، شهدت مرفت الترك وسكان الحي مشاهد مروعة للجثث الملقاة على الأرض، بعضها متحلل نتيجة تأخر دفنها وعدد كبير من الجثامين تحت الأنقاض لم تتمكن طواقم الدفاع المدني من إخراجها "كان المشهد دامياً ومؤلماً للغاية، استمر حصار الحي لمدة 12 يوماً، عشت خلالها حالة من الخوف والتعب النفسي المستمر، لم يكن لدينا سوى الملابس التي خرجنا بها، دون أي طعام أو مال، كان الوضع لا يُطاق، وبقينا ساعات طويلة نبحث عن مأوى يحمينا من القصف المستمر والجوع الذي نهش بطوننا".

 

العودة إلى المنازل المدمرة

بعد إعلان انسحاب القوات من حي الشجاعية، عادت إلى منزلها لتجد الدمار يحيط بكل مكان. لم يكن هناك شبر واحد سليم في المنطقة، ووجدت سيارتها التي وضعت بها أغراضها مدمرة تحت الأنقاض، أما منزلها، فقد كان مدمراً بشكل كبير نتيجة استهدافه بالرصاص والقذائف، فقد كان هذا المنزل ثمرة سنوات طويلة من الكد والتعب، كما رأت ملابسها وهواتف أطفالها محترقة وتالفة، مما زاد من حزنها وألمها "ليس هناك متسع للحزن لقد وصلت أوجاعنا عنان السماء".

وأشارت أن حي الشجاعية مدمر بشكل شبه كامل والسكان سيضطرون لبناء خيم على ركام منازلهم للعيش والتأقلم رغماً عنهم حيث لا يوجد أماكن صالحة للسكن في شمال غزة، حتى مراكز الإيواء لم تسلم من الخراب والتنكيل.

 

التحديات اليومية... حرباً أخرى تواجه النساء

وتتساءل كيف ستتمكن من التأقلم مرة أخرى وممارسة حياتها اليومية وسط هذا الدمار والركام؟ كيف يمكن للنساء أن تعيد بناء حياتهن من جديد في ظل هذا الدمار الهائل؟ كيف يمكنهن العودة إلى ممارسة الأعمال اليومية التي أصبحت مستحيلة في ظل هذه الظروف؟

وبينت أن "الحياة اليومية في غزة كانت صعبة قبل هذا الهجوم الغادر، ولكن الآن أصبح التحدي أكبر بكثير، وعلينا أن نبدأ من الصفر مرة وأقوم بإصلاح المنزل على أي حال لأجد مأوى لعائلتي، وأحاول توفير الطعام والمياه لهم حيث من الصعب إيجاد حطب ومياه بعد الدمار الذي طال كل شبر في المنطقة".

 

تفاقم المعاناة

تتضاعف معاناة النساء في مثل هذه الظروف القاسية، فهن تحملن على عاتقهن مسؤولية حماية أسرهن وتوفير الرعاية اللازمة لأسرهن، كما تواجهن تحديات نفسية وجسدية هائلة أثناء النزوح والبحث عن مأوى آمن خاصة في حالة الاجتياح البري المفاجئ، وتكنّ أكثر عرضة للانتهاكات والعنف، سواء من قبل القوات المحتلة أو من الأوضاع السيئة التي يفرضها النزوح.

عاشت مرفت الترك، كغيرها من النساء في حي الشجاعية، حالة من الرعب الدائم. كانت تحاول بكل ما أوتيت من قوة الحفاظ على سلامة عائلتها، الأطفال كانوا يعيشون في حالة من الفزع المستمر، يسمعون أصوات القذائف والصواريخ ولا يعرفون متى سينتهي هذه الكابوس، النساء تعانين من الأرق والخوف على مستقبل أبنائهن، وهل سيتمكنون من العيش حياة طبيعية بعد كل هذا الدمار؟ كانت هذه الأسئلة تلاحقها وغيرها من الأمهات طوال الوقت.

 

النضال من أجل البقاء

لم تكن مرفت الترك وحدها التي تقاوم، كان هناك العديد من النساء اللاتي واجهن نفس المصير، ومع ذلك كنّ تقفن جنباً إلى جنب، تتبادلن الدعم وتقوين بعضهن البعض، كان لهن صوتٌ واحد يطالب بالأمن ووقف الاعتداءات وتحقيق السلام، وتوفير أدنى متطلباتهن وتأمين المقومات الحياتية الأساسية التي حرمنّ منها على مدى عشرة أشهر.

تجربة مرفت الترك تجسد معاناة العديد من النساء في غزة خلال الهجمات والاعتداءات، وتجسد قصة صمود وإصرار على الحياة رغم كل الصعاب، كما وتعكس قوة النساء وقدرتهن على التكيف والنجاة من أصعب الظروف، ودعوة للعالم للنظر إلى معاناة هؤلاء النساء والعمل على تحقيق العدالة والسلام لهن ولأسرهن.

يجب أن يدرك المجتمع الدولي حجم المعاناة التي تعيشها النساء في غزة وأن يبذل الجهود اللازمة لتوفير الدعم والحماية لهن، إن هذه القصص الإنسانية ليست مجرد أحداث عابرة، بل هي شهادة حية وبطولية على القوة والإرادة التي تتمتع بها النساء الفلسطينيات في مواجهة الأزمات.