السويداء... طمس الحقيقة تحت غطاء الإعمار

في ظل تصاعد الانتهاكات والتهجير القسري، تتعالى أصوات نسائية من مدينة السويداء السورية وخاصة بلدة المزرعة، منددةً بمحاولات طمس الحقيقة تحت غطاء الإعمار، ومطالبةً بتحقيق دولي وإنصاف للضحايا والمُهجرين.

روشيل جونيور

السويداء ـ بالرغم من محاولات إعادة إعمار المكان وتجميله، يبقى السؤال المؤلم حاضراً بقوة هل يمكن للجدران المطلية والحدائق المزروعة أن تمحو آثار الألم النفسي والخسائر البشرية؟ في بلدة المزرعة بمدينة السويداء السورية، حيث تحولت جدران المركز الصحي إلى ذاكرة نابضة تروي فصول واحدة من أبشع المجازر التي استهدفت مدنيين أبرياء، لتبقى شاهدة على جرح لم يندمل بعد، مهما تجمل المكان من الخارج.

رغم أن المركز الصحي في بلدة المزرعة ما يزال مشبعاً بذاكرة الدم، سارعت السلطات المحلية إلى إطلاق ورشات ترميم، قبل أن يجرى أي تحقيق جنائي أو توثيق ميداني للجريمة، في محاولة لإخفاء الأدلة للانتهاكات التي ارتكبها جهاديي هيئة تحرير الشام وإسكات أصوات الضحايا بدلاً من الإنصات إليها.

وفي الوقت الذي يقدم فيه المحافظ السابق مصطفى بكور على أنه مشرف على إعادة الإعمار، يرى كثير من الأهالي أن وجوده لا يهدف إلى خدمة المنطقة، بل إلى طمس الحقائق والتغطية على الجرائم التي ارتكبت من قتل وتهجير وحرق ونهب.

 

"ذريعة الإعمار مسرحية لطمس الحقائق"

أكدت الناشطة السياسية إيناس نعيم أن وجود مصطفى بكور في المنطقة لا يهدف إلى خدمة الأهالي أو تسهيل عودتهم إلى قراهم، بل يمثل "محاولة ممنهجة" لطمس الحقائق المرتبطة بمسرح الجريمة، مشيرةً إلى أن القرى التي تعرضت للهجوم شهدت انتهاكات مروعة، من قتل للمسنين والأطفال، إلى انتهاك للكرامة الإنسانية، وحرق للمنازل وسرقة الممتلكات "انتقاله المرتقب إلى قرية "ريمة حازم" ليس إلا امتداداً لنفس الدور، في مشهد بات مكشوفاً لكل من ينظر إليه بعين المنطق والوعي".

وأشارت إلى أن مفهوم "إعادة الإعمار" لا يعد كونه محاولة لاستغلال الموارد المالية، إذ ترى أن من تسبب في القتل والدمار والتهجير لا يمكن أن يكون هو ذاته من يتولى مهمة البناء من جديد، مشددة على "ضرورة خروج هؤلاء من القرى"، فمسؤولية الإعمار تقع على عاتق أهلها.

كما انتقدت إيناس نعيم مساعي الحكومة المؤقتة التي تدار بالعقلية الجهادية المتطفرفة لإنشاء نقاط طبية في مناطق خالية من السكان، متسائلة عن جدوى وجود خدمات صحية في أرض لا يسكنها أحد.

وترى أن الهدف الحقيقي من هذه التحركات هو تأجيج التوتر بين أهالي السويداء والعشائر، معتبرة أن أي محاولة للهجوم مجدداً على الجبل لن تمر دون رد، وأن من يشارك فيها سيتحمل تبعاتها، مؤكدة أن "الحديث عن الإعمار ليس سوى ستار يستخدم للتغطية على عمليات نهب ممنهجة، لا يعكس نية صادقة لإعادة البناء أو خدمة السكان".

وتقول إن جهاديي هيئة تحرير الشام كشفوا من خلال الهجوم الوحشي على السويداء، عن جهلهم بمعاني الحضارة والعلم، مشددة على استحالة التعايش معهم تحت أي ظرف "الألم الذي خلفته تلك الأحداث لا يمكن تجاوزه أو التسامح معه، ولذلك فإن المطالبة بالاستقلال ستظل خياراً ثابتاً لا رجعة فيه".

 

 

"جاء ليمحو آثار الجريمة"

من جهتها، اعتبرت سلوى القاسم أن ظهور مصطفى بكور أمام المركز الثقافي في بلدة المزرعة لم يكن بهدف الترميم كما يُروج، بل محاولة لطمس آثار الجريمة التي ارتُكبت بحق أهالي المنطقة، مؤكدة أن ما يسعى إليه هو تغطية ما اقترفه من حرق ونهب وتهجير "الجريمة لا تُمحى بطلاء الجدران، ولا تُنسى بمجرد تجميل الواجهة".

وشددت على أن ما جرى تجاوز حدود المعاناة الإنسانية، فقد خطفت النساء، وشرد الأهالي من 36 قرية وأحرقت ونهبت بالكامل، فيما لا تزال جثامين الرجال ملقاة في الطرقات تتحلل تحت الشمس، في مشهد يختزل حجم الألم والظلم الذي تعرض له الأهالي.

وطالبت سلوى القاسم بتشكيل لجنة حقوقية دولية تتسم بالموثوقية والصدق، تتولى التحقيق في الجرائم المرتكبة بحق الأهالي، وتعمل على دعمهم في العودة إلى قراهم ودفن موتاهم الذين ما زالت جثامينهم ملقاة في العراء.

 

 

"حكومة داعشية هجرتنا"

عبرت نسيبة العقباني من بلدة المزرعة عن ألمها العميق، قائلة إنهم مهجرون من بيوتهم منذ شهرين، لافتةً إلى أن "الحكومة التي يُفترض بها أن تكون مسؤولة عن حماية مواطنيها، تصرفت كحكومة داعشية، مارست التهجير والقتل والتنكيل بالجثث، ودمرت البيوت واقتلعت الأشجار، في مشهد لا يمت بصلة لأي مفهوم من مفاهيم الدولة أو الإنسانية".

وأضافت أن ما يقوم به منذ شهرين لا يعدو كونه محاولة لطمس الحقائق تحت غطاء الترميم وبناء مركز ثقافي، متسائلة "أي ثقافة سيقدمون؟ إنها ليست سوى ثقافة الجهل والإبادة، لا تمت بصلة لقيم الإنسانية أو المعرفة".

وقالت إن مصطفى بكور ومن يسانده ويمسمون أنفسهم حكومة لا يكتفون بتدمير البيوت واقتلاع الأشجار، بل يتعدى الأمر إلى نهب الكنوز والآثار المدفونة تحت الأرض، في اعتداء صارخ على تاريخ المنطقة وهويتها، ومحاولة لتشويه ما بناه الأهالي بعرقهم ودمائهم.