'النظام الديكتاتوري الذي اغتال الأخوات ميرابال هو نفسه الذي يحارب النساء اليوم'

أكدت عضوة مجلس تجمع نساء زنوبيا جيان ديرك على أن الأنظمة الحاكمة دائماً ما تسعى لقمع النساء اللواتي تناضلن من أجل حقوقهن المسلوبة، فالدول القومية تعمل جاهدة لقمع حرية الرأي والتعبير، لأنه أينما وجدت المرأة وجد السلام والحرية.

سيبيلييا الإبراهيم

الرقة ـ أوضحت عضوة مجلس تجمع نساء زنوبيا جيان ديرك أن النظام الديكتاتوري الذي اغتال الأخوات ميرابال هو نفسه الذي يحارب النساء اليوم، خاصة هؤلاء اللواتي تناضلن من أجل حقوقهن وحريتهن لإدراكهم أنه بتحرر المرأة ستحرر الشعوب المضطهدة والمهمشة.

عانت المرأة على مر العصور من التهميش والعنف الممنهج الممارس من قبل الدول والنظم السلطوية التي تتحكم بالمجتمع الأبوي، حيث بدأ تاريخ عبودية المرأة بكبرى الانكسارات الثقافية والجنسية, وأولها الانكسار الثقافي الكبير وعبوديتها التي تمت ما بين عامي (2800 ـ 1000 ق. م)، حين سُلب منها كافة حقوقها ومكانتها الألوهية في المجتمع الطبيعي، لتتطور الذكورية عند الرجل عن طريق رفض وإنكار قيم المرأة بعيداً عما تمثله من تسامح وسلام وعدالة.

ولا تزال تداعيات تلك الانكسارات مستمرة حتى وقتنا الراهن، رغم دخولنا قرن الحادي والعشرون، فالسلطات المهيمنة في الشرق الأوسط لا تزال تستهدف النساء من خلال ممارسة كافة أشكال العنف ضدهن، في سبيل القضاء عليهن والبقاء في القمة، كما هو الحال في كل من إيران وسوريا والعراق وتركيا وغزة والسودان وغيرها من الدول التي يتم فيها الحط من شأن المرأة.

فالنساء الكرديات اللواتي تم تقسيم بلادهن كردستان لأربعة أجزاء، ومستمرات في النضال من أجل قضية أرضهن، تتعرضن بين الفينة والأخرى للعنف بكافة أشكاله من قبل سلطات الدول الأربعة التي تم تقسيمها عليهم ألا وهي (العراق ـ إيران ـ تركيا ـ سوريا)، تلك الدول التي تصدرت الأرقام القياسية في ممارسة العنف والاعتقال التعسفي والقتل بحق الناشطات والسياسيات والرياديات منهن.

تحت مفاهيم كثيرة يتم استعباد المرأة

وحول بداية ممارسة العنف ضد المرأة تقول عضوة مجلس تجمع نساء زنوبيا جيان ديرك "بدأت المرأة تفقد الحق في استلام مناصب كهنوتية مرموقة، مع بداية العهد السومري وبناء المعابد، فقد اقتصر دورهن آنذاك على أعمال المنزل ورعاية الأطفال ودور ثانوي في الحياة متمثل في مساندة الرجل في أعماله خارج المنزل، ليتم استغلال الدين كوسيلة لمحاربة المرأة التي تعتبر آلهة الخصب المقدسة".

وأكدت على أن "أنظمة الدولة تستغل الدين لممارسة العنف تجاه المرأة، فمثلاً يتم استغلال الدين لأبعاد المرأة عن حقوقها وواجباتها فنرى العديد من الدول تطرح قضية تواجد المرأة في أماكن صنع القرار من المحرمات وبحكم المجتمعات الشرقية مرتبطة ارتباط وثيق بالدين فيتم تقبل هذا التهميش بحق المرأة، فاذا ما نظرن إلى واقع النساء في إيران التي تسير نظامها الديكتاتوري تحت اسم "الجمهورية الإسلامية الإيرانية" وباستغلال الكتب المقدسة رغم أن في كل الكتب المقدسة للمرأة مكانة مقدسة وعظيمة لكن الدولة والنظام الذكوري يستغلون الدين لتحقيق مأربهم".

وأوضحت أن "المرأة هي من وضعت المبادئ الأساسية للحياة التشاركية في المجتمع الطبيعي، فقد كان هناك ارتباط وثيق بينها وبين الأرض والطبيعة"، مشيرةً إلى أن العنف وأشكاله ضد المرأة تطور في ظل سيطرة الأنظمة الذكورية والرأسمالية التي حولت النساء لأداة وسلع.

وأضافت "الصراعات التي اندلعت قبل قرون عدة لا تزال مستمرة، أي أن التاريخ يعيد نفسه، فالقوانين والمبادئ التي وضعتها المرأة تم تغييرها لتناسب الرجل وتتفق مع مصالحه، حيث هنالك الكثير من الأدلة والوثائق التاريخية التي تشير إلى أن المرأة والرجل كانا يديران المدن معاً، وهو ما يدل عليه التمثال الذي عثر عليه في تل حلف الواقعة غربي مدينة سري كانيه، وهو موقع أثري تم العثور فيه على أول آثار العصر الحجري الحديث".

وعن العنف الممارس بحق النساء في الشرق الأوسط مهد الحضارات والثقافات والأديان واللغات، تقول "بحكم أن المنطقة تتميز بطابع عشائري، فإن العادات والتقاليد البالية هي المتحكمة بالنساء ومصيرهن، أي أنها السبب الرئيسي في تعرض النساء للعنف، وتقييدهن بمسميات العيب والحرام، ففي أفغانستان لا يسمح للمرأة بإظهار وجهها ويديها حيث يفرض عليهن ارتداء النقاب كما هو الحال في إيران التي يتم فيها فرض الحجاب الإسلامي على النساء حيث تستغل ايران التي تسير نظامها الديكتاتوري تحت اسم (الجمهورية الإسلامية الإيرانية)، الكتب المقدسة لإخضاع الشعب وتحريضه تجاه المرأة التي تعتبر مقدسة وعظيمة في جميع الكتب السماوية والأديان"، مشيرةً إلى الدين لا يتم استغلاله من قبل الأنظمة الرأسمالية ضمن المجتمع فقط، بل في السياسة وغيرها من المجالات كذلك، حيث يتم حرمان المرأة من حقها في تقلد مراكز صنع القرار أو المشاركة في إدارة البلاد، ولأنها تتواجد في مجتمع متمسك بالدين فإن المرأة ذات نفسها تتقبل ما يمارس ضدها. 

مفهوم الدول القومية مبنية على قمع حرية الشعوب والنساء

وحول استهداف النساء من قبل الحكومة الإيرانية تقول "تسعى إيران جاهدة لتهميش المرأة وعدم السماح لها بلعب دورها في المجتمع من خلال أساليب عدة تمارسها منذ الأزل، أي أنها ليست وليدة اللحظة، حيث كانت تعتقل النساء سواء كن سياسيات أو ناشطات أو حقوقيات وحتى الفنانات، وتصدر بحقهن أحكاماً بالسجن لسنوات طوال بذرائع واهية، حتى أنها أصدرت أحكام الإعدام بحق الكثيرات منهن".

وأضافت "إن ممارسات الدولة ضد النساء والفتيات دفعتها إلى الهاوية، فمقتل الشابتين جينا أميني وأرميتا غراوند على يد شرطة الأخلاق التابعة للسلطات الإيرانية، دفعت بالنساء في شرق كردستان وإيران للانتفاض في وجه الحكومة والمطالبة بسقوطها تحت شعار "jin jiyan azadî"، ليتم استهداف العشرات من الطالبات في المدارس والجامعات والشوارع والمدن والأحياء، خاصة اللواتي شاركن في الاحتجاجات المطالبة بحقوقهن، أي أن الدولة حاربتهن بكل السبل".

وعن سياسية القمع التي مارستها الدولة أوضحت "عملت قوى الأمن بأمر من السلطات باعتقال كل من شاركت في الانتفاضة أو كانت تنوي المشاركة بها، واللواتي عبرن عن دعمهن لها بوسائل مختلفة وأولها خلعهن للحجاب الإجباري في العلن، من بينهن ناشطات وحقوقيات وفنانات وسياسيات، وتم الزج بهن في السجون لأشهر".

ولا يختلف حال النساء في الدول الأخرى عن وضع النساء في إيران، فالأنظمة الحاكمة دائماً ما تسعى لإسقاطهن وقمعهن خاصة إن بادرن وتحركن للحصول على حقوقهن المسلوبة، أي أن الدول القومية تعمل جاهدة لقمع حرية الرأي والتعبير، ففي الجزائر والعراق ولبنان كذلك، حيث يتم اعتقال اللواتي تطالبن بحقوقهن.

جرائم قتل النساء... تركيا تتهاون مع مرتكبي العنف

وفي تركيا، بلغت نسبة جرائم قتل النساء 474 جريمة خلال عام 2019، في الوقت الذي كانت لا تزال فيه البلاد عضوة في اتفاقية اسطنبول، ومع دخول قرار الخروج الانسحاب من الاتفاقية حيز التنفيذ، ارتفعت النسب أضعافاً "نادراً ما يلاحق القضاء التركي مرتكبي العنف وجرائم القتل بحق النساء اللواتي تتعرضن في كل لحظة لشكل من أشكال العنف، حيث يتم ممارسة سياسة الإفلات من العقاب في البلاد".

ويزداد ذلك العنف ويتعدى إلى عنف الدولة خاصة تجاه النساء الكرد وتحديداً المناضلات منهن "هنالك ما يقارب عشرة آلاف من النساء السياسيات المتواجدات في السجون التركية، إذ ما ذكرنا جرائم تركيا بحق النساء يمكننا وصفها بأنها دولة عدو لكافة نساء العالم، والأمثلة على ذلك كثيرة ومحزنة، لقد أصبحت النساء هدفاً لها في كافة أنحاء العالم"، مشيرةً إلى أنه في التاسع من كانون الثاني/يناير عام 2013 تم اغتيال المناضلة ساكينة جانسيز برفقة ممثلة المؤتمر الوطني الكردستاني فيدان دوغان، وممثلة حركة الشبيبة الكردية في أوروبا ليلى شايلمز، في العاصمة الفرنسية باريس، ليتكرر السيناريو مرة أخرى في الثالث والعشرين من كانون الأول/ديسمبر عام 2022، حيث استهدف هجوم مسلح مركز أحمد كايا الثقافي الكردي في باريس، ما أسفر عن استشهاد ثلاثة مناضلين كرد من بينهم أمينة كارا واسمها الحركي "أفين كويّ".

وأوضحت أنه منذ اندلاع ثورة شمال وشرق سوريا قامت تركيا باستهداف العديد من القياديات والنساء اللواتي تؤثرن في المجتمع، ففي 27 أيلول/سبتمبر 2022 استهدفت طائرة مسيرة تابعة للاحتلال التركي السيارة التي كانت تقل الرئيسة المشتركة لمكتب شؤون العدل والإصلاح التابعة للإدارة الذاتية في إقليم الجزيرة زينب ساروخان، التي كان لها دور بارز في ثورة روج آفا، حيث شاركت في تأسيس الإدارة الذاتية وعملت على تطوير عمل التنظيمات النسوية من أجل الوصول لجميع النساء وتنظيمهن وتوعيتهن، كما استشهدت كل من القيادية في مجلس وحدات المرأة العسكري وعضوة قيادة مجلس منبج العسكري شرفين سردار والمقاتلتين نوجيان أوجلان، وجاندا جودي في 15 أيلول/سبتمبر بعد استهداف مسيّرة تركية السيارة التي كانت تقلهن، لقد قدمت القيادية شرفين سردار نضالاً ومقاومة كبيرة في مسيرتها النضالية التي دامت 25 عاماً ضد أعداء كردستان، ومثلت كامرأة حرة وحدات حماية المرأة في المحافل الدولية.

كما استشهدت كل من الرئيسة المشتركة لمجلس مقاطعة قامشلو بشمال وشرق سوريا يسرى محمد درويش ونائبتها ليمان شويش في الـ 20 من حزيران/يونيو من العام الجاري، على إثر استهداف طائرة تركية مسيرة السيارة التي كانت تقلهن "لا تتوانى تركيا عن استهدفت المناضلات في كل فرصة تسنح لها، سواء كن في شمال وشرق سوريا أو إقليم كردستان أو العراق أو شمال كردستان أو تركيا وحتى في الجبال، إنها تمثل الذهنية الذكورية السلطوية القومية في الشرق الأوسط، وتأتي إيران في المرتبة الثانية بعدها ويليها العراق وغيرها الكثير من الدول".

الأنظمة الرأسمالية تحارب النساء بكافة الأساليب والطرق

وأشارت إلى أنه "إذا ما ألقينا نظرة من حولنا فسنجد أن كافة الأنظمة الدولتية حول العالم عدوة للمرأة، ففي فرنسا وبريطانيا وألمانيا ولبنان وإسرائيل وفلسطين وليبيا هنالك مسيرات ومظاهرات وندوات للنساء تطالبن من خلالها بحقوقهن، أي أن المرأة حتى في الدول التي تدعي الديمقراطية لا تزال تتعرض للعنف أي أنه لا يقتصر على الشرق الأوسط، فالأنظمة هي نفسها، النظام الديكتاتوري الذي اغتال الأخوات ميرابال هو نفسه اليوم يحارب النساء اليوم"، لافتةً إلى أن "الدول الرأسمالية تجمل العنف الممارس على النساء بكل الطرق في ظل ما يشهده العالم من حروب وصراعات طائفية وأزمات التي تدفع النساء الجزء الأكبر من فاتورتها، فهم يسعون لضرب نضال ومقاومة المرأة لإدراكهم أنه بتحرر المرأة ستحرر الشعوب المضطهدة والمهمشة".

وأدانت التزام منظمات حقوق الإنسان المعنية الصمت حيال ما تتعرض له النساء "الصمت الدولي يفسر أن لتلك الأنظمة والمنظمات التي تدعي دفاعها عن الحقوق، لها يد في السياسات المعادية للمرأة فهو يمنحهم الضوء الأخضر لشرعنة جرائمهم وانتهاكاتهم، خاصة ما يحدث في شمال وشرق سوريا"، معبرةً عن حزنها حيال ما تتعرض له النساء من انتهاكات، مضيفةً "على النساء الاقتداء بثورة المرأة في شمال وشرق سوريا لإيصال صوتهن لكافة أرجاء العالم وتستطعن القضاء على  كافة أشكال العنف والتمييز ضدهن".

النساء حول العالم يرون حريتهن بثورة "Jin Jiyan Azadî"

وأوضحت أن النساء في شمال وشرق سوريا حملن على عاتقهن حماية أرضهن وكسر شوكة الإرهاب ودحره لتصبح ثورة المرأة درباً لجميع النساء للسير على خطاه، ففي إيران وشرق كردستان انتفضت المرأة تحت شعار "Jin Jiyan Azadî" وهو ذات الشعار الذي انتشر خلال ثورة روج آفا، وها هن نساء مدينة السويداء السورية تثنين بثورة نساء شمال وشرق سوريا "جميع النساء ترين سبيل حريتهن في فكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان الذي نادى بضرورة منح المرأة حقوقها ولعب دورها الريادي في المجتمع، ويقول أن تاريخ عبودية المرأة لم يدون، ولكن تاريخ حرية المرأة بانتظار التدوين، فقد أدركت النساء أنه إذا ما تحرر فكرهن وأصبحن واعيات وتعرفن على حقيقتهن فستكن صاحبات إرادة".

"أينما وجدت المرأة وجد السلام والحرية"

وأكدت على أنه رغم كل الانتهاكات المرتكبة بحق المرأة لم تتوقف عن المضي في نضالها ومقاومتها لتحقيق أهدافها المنشودة وتحرير كافة نساء العالم "عُرف قرن الواحد والعشرين بقرن ثورة المرأة في شمال وشرق سوريا والذي اتسم بمدى نضال ومقاومة المرأة المستعدة لتقديم أغلى ما تملك في سبيل حماية نفسها وهويتها والدفاع عن أرضها، بعد أن أصبح لديها وعي بحقيقتها وضرورة لعب دورها وأن تكون صاحبة إرادة قوية وفكر حر، وأن تؤمن بقضاياها لتكون اليوم دبلوماسية، وسياسية، وقيادية، تسعى نحو التحرر وبناء مجتمع ديمقراطي حر، وهو ما سيتحقق بتكاتف النساء وتوحيد قواهن وصفوفهن وسيكون ذلك رداً على كافة الانتهاكات المرتكبة بحقهن، وعليهن السعي بكل جهد للتصدي لهذه السياسيات وإفشالها عبر تنظيم ذاتها، وفي نهاية كل طريق مظلم ستشرق الشمس، وأينما وجدت المرأة وجد السلام والحرية".