النساء المجهولات في إيران... ضحايا العنف الهيكلي والتمييز المؤسسي
تُسلّط ظاهرة دفن النساء مجهولات الهوية في إيران الضوء على أزمة حقوق الإنسان والتهميش الاجتماعي للفئات المستضعفة، وتشمل هذه الفئة بشكل رئيسي المدمنات، وعاملات الجنس، والمهاجرات الأفغانيات اللواتي حُرمن من الاعتراف الرسمي بهويتهن حتى بعد الوفاة.

شيلان سقزي
"الموت على هامش الحياة" صورة قاتمة لفشل البنى السياسية والاجتماعية في إيران، حيث تُدفن نساءٌ مجهولات الهوية وغير موثقات، من مدمنات إلى عاملات جنس ومهاجراتٍ أفغانيات، في مقابر مجهولة بلا عاملات تذكارية. هذه الوفيات الصامتة ليست مجرد إنكارٍ لحقوق الإنسان، بل هي أيضاً انعكاس لسياسات قمعية وأنظمة تمييزية تتجاهل وجود هؤلاء النساء في المجتمع، وتدفعهن إلى التهميش المطلق، في مثل هذه الظروف، تُصبح وفيات هؤلاء النساء أداةً لإعادة إنتاج اللامساواة وإسكات أصواتهن، وهو منظور يجب أن يتجاوز هذا "الموت المجهول" ويتحدى البنى السياسية والاجتماعية المسؤولة عن هذا الإقصاء المنهجي.
موت على هامش السياسات القمعية
في إيران، تُعد النساء المجهولات الهوية في المقابر رمزاً واضحاً لغياب العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، نساء تدفن إما بدون شهادات ميلاد أو بهويات مزورة، تشمل هذه الفئة بشكل رئيسي المدمنات، وعاملات الجنس، والمهاجرات الأفغانيات اللواتي هُمشن بسبب هياكل سياسية واجتماعية قمعية وغير متكافئة، هذه الوفيات المجهولة الهوية وغير المأسوف عليها ليست مجرد نهاية حياة، بل هي أيضاً رمز للإقصاء السياسي والاجتماعي لهؤلاء النساء.
بدلاً من دعمهن، حرمت الهياكل الحكومية الإيرانية هؤلاء النساء من الحد الأدنى من حقوق المواطنة وجعلتهن بلا هوية، إن عدم امتلاك بطاقة هوية أو الحصول على هوية مزورة هو من جهة نتيجة نظام بيروقراطي مغلق، ومن جهة أخرى أداة للسيطرة وإنكار الهوية، وهي طريقة تستخدمها السلطات لمعالجة مشاكل الفقر والإدمان والهجرة غير الشرعية.
سياسياً، يُسهّل محو هوية النساء المجهولات تسليع أجسادهن حتى بعد الموت، فبدون تحديد الهوية لا تتحمل أي جهة مسؤولية الحفاظ على كرامتهن الإنسانية، ويُختزل موتهن إلى قضية بيئية أو صحية بحتة، كما تُساهم هذه العملية في الحفاظ على النظام القمعي وحماية الوجه الرسمي للمجتمع، ما يجعل الأزمات الاجتماعية كالفقر والإدمان واستغلال المرأة تستمر في صمت.
وتعكس هذه الوفيات الصامتة فشل سياسات الرعاية الاجتماعية والصحية التي تركت النساء المهمشات في غياهب النسيان، وفي نهاية، تحولت المقابر المجهولة إلى مسرح للإقصاء السياسي والاجتماعي والثقافي للمرأة، ورمزاً للتمييز الهيكلي وعجز السلطات عن تقبّل التنوع والضعف في المجتمع.
موت الهوية كسياسة تهميش
تمثل النساء اللواتي تدفن بدون شهادات ميلاد أو بهويات مزورة في إيران قصة مريرة عن الاستهتار الممنهج بالإنسانية في هياكل السلطة، فهن لا يُهمّشن في الحياة الاجتماعية فحسب، بل يحرمن أيضاً من حقهن الأساسي في الاعتراف بهن وتخليد ذكراهن بعد الموت، تُجسد المقابر المجهولة الهوية سياسة رسمية لاستبعاد هؤلاء النساء وإنكار وجودهن، سياسةً تُدفنهن في الظلام بدلاً من حل الأزمات.
يعود هذا الوضع إلى عجز أو حتى عدم رغبة الهياكل الحكومية في تحمّل المسؤولية الاجتماعية، وقد أدت القوانين الصارمة المتعلقة بالهوية والأحوال المدنية وغياب أنظمة الدعم والتمييز المؤسسي ضد المرأة والمهاجرين، إلى خلق بيئة تُمحى فيها هوية الكثيرين منهم في الحياة الرسمية، ونتيجة لذلك، فإن وفاتهم ليست مجرد حدث إنساني، بل هي انعكاس لسياسة مُعدة مسبقاً لمحو آثار الضرر والمشاكل الاجتماعية.
تشير عملية "إخفاء الهوية" في المقابر إلى مشروع مُمنهج لتسليع أجساد النساء، حيث تُحرم النساء المهمشات حتى بعد الموت من أي حقوق إنسانية، وتصبحن كيانات بلا هوية ولا حق في الحداد، هذا ليس انتهاكاً للكرامة الإنسانية فحسب، بل هو أيضاً إذلال جماعي واستمرار للعنف الهيكلي على نطاق وحشي.
في نهاية المطاف، نساء المقابر المجهولات هنّ ناجيات من سياسة صامتة وقمعية تخشى كشف الدمار، وتسعى إلى إسكات أي صوت احتجاجي من خلال إخفاء الهوية والإلغاء الرمزي، هذا الواقع يدعو إلى إعادة نظر جادة في حقوق الإنسان والمواطنة والسياسات الاجتماعية في إيران حتى لا يكون الموت نهاية الحياة، بل بداية للاحتفال الحقيقي بحقوق الإنسان لجميع المواطنين وتحقيقها.
هناك أمثلة ملموسة عديدة على سياسة إخفاء هوية النساء في المقابر الإيرانية، ففي ضواحي طهران والمدن الكبرى على سبيل المثال وردت تقارير عديدة عن دفن مدمنات مخدرات أو عاملات جنس دون وثائق هوية في مقابر لا تحمل أي علامات أو لافتات، ومن الأمثلة على ذلك دفن النساء الأفغانيات دون بطاقات هوية في قبور منفصلة، حيث غالباً ما تجهل عائلاتهن أماكن دفنهن ولا تتوفر إمكانية إقامة حداد عام أو رسمي.
وفي السنوات الأخيرة، نُشرت العديد من التقارير الإخبارية والأفلام الوثائقية المستقلة عن العاملات في مجال الجنس في مدن مثل مشهد وأصفهان، والتي تُظهر أن هؤلاء النساء، بعد الوفاة تدفنّ في مقابر نائية دون تسجيل رسمي ويُعتبر هذا شكلاً من أشكال الإقصاء والإنكار الرسمي.
تُبرز هذه الأمثلة عمق أزمة حقوق الإنسان التي تواجهها النساء المهمشات، وتُظهر كيف تُهيئ البنى السياسية والاجتماعية في إيران، بدلاً من دعم حقوقهن والدفاع عنها، الظروف عمداً لوفيات مجهولة الهوية للتغطية على إصاباتهن، وتُفضل الصمت على صرخاتهن، هذا النهج ليس انتهاكاً للحقوق المدنية فحسب، بل هو أيضاً استمرار لسلسلة من العنف المنظم الذي يجب مواجهته باحتجاجات جماهيرية وتغييرات هيكلية جادة.
إن دفن النساء المجهولات في المقابر الإيرانية رمزٌ صارخ للإقصاء الممنهج للفئات المهمشة وغير المتكافئة هذه الظاهرة ليست مجرد مشكلة فردية، بل هي أيضاً انعكاس للهياكل الطبقية والجنسانية والعرقية التي تحرم عمداً فئات مثل المهاجرين الأفغان من المواطنة الكاملة.
بسبب افتقارهن إلى الهوية الرسمية ومحدودية وصولهن إلى الموارد، تبقى هؤلاء النساء مهمشات، ليس فقط في الحياة الاجتماعية، بل أيضاً بعد الوفاة، وهذا التهميش تجسيد ملموس للتفاوتات المتجذرة في المجتمع، ينتقد علماء الاجتماع هذا الوضع معتبرين إياه "شكلاً جديداً من العنف الهيكلي" حيث تمحو السياسات الرسمية والاجتماعية في آنٍ واحد هوية هؤلاء النساء وكرامتهن وذكرياتهن.
تشير هذه الوفيات المجهولة والدفن السري أيضاً إلى انعدام الانتماء الاجتماعي والتماسك الجماعي، فالمجتمع الذي لا يسمح برؤية الفئات المستضعفة أو الحداد عليها، حتى في الموت يُفرغ نفسه من سياقه الأخلاقي والإنساني، هذا الوضع هو رد فعل على الإنكار والقمع التاريخيين اللذين حوّلا النساء المهمشات إلى سلع استهلاكية أو أدوات قمع، محكوم عليهن في النهاية بـ "حياة بلا حقوق" و"موت بلا ذاكرة"، يتطلب هذا الوضع تغييرات جذرية في هياكل السلطة، وسياسات الهوية والنظرة الثقافية للنساء المهمشات لتمكينهن من استعادة هويتهن وكرامتهن وحقوقهن الإنسانية.
في نهاية المطاف، يمكن القول إن وفيات النساء المجهولات في المقابر الإيرانية دليل واضح على الفشل الذريع للبنية السياسية والاجتماعية في هذا البلد في الاعتراف بحقوق الإنسان لمواطنيه، وخاصة النساء المهمشات، وحمايتها، ولا يُعدّ هذا الوضع دليلاً على لامبالاة الحكومة وعدم مسؤوليتها تجاه الفئات المستضعفة في المجتمع فحسب، بل هو أيضاً دليل على سياسات الإقصاء والإنكار والقمع الممنهجة التي تُحوّل النساء إلى سلع لا قيمة لها وتحرمهن من أدنى درجات الكرامة الإنسانية حتى بعد الموت، ومن خلال استمرار هذه الممارسة، غذّت جمهورية إيران الإسلامية، القائمة على الشريعة الإسلامية عملياً إعادة إنتاج العنف الهيكلي والثقافي ضد النساء المحرومات والمهاجرات، وانتهكت مسؤوليتها التاريخية عن العدالة الاجتماعية والإنسانية، وإلى أن يُتحدّى هذا النظام القمعي والتمييزي ستظل وفيات النساء المجهولات وغير المأسوف عليها دليلاً على التدهور الأخلاقي والإنساني للمجتمع الإيراني.