النقش بالحناء وحيل أخرى سبل المعنفات لإخفاء آثار الضرب

تمتلئ مدينة غزة بقصص النساء المعنفات اللواتي يفضلن التنازل عن حقهن في العيش بكرامة في سبيل عدم مواجهة نظرة المجتمع التي تزيد العبء عليهن يوماً بعد يوم

رفيف اسليم
غزة ـ ، فعندما تضرب المرأة أول ما يتم تداوله اتهامها باقتراف جرم ما تستحق نيل العقاب عليه، في ظل عقلية ذكورية تبرر للرجل ضرب المرأة والتعدي عليها بدافع التربية.
قصص كثيرة سمعتها وكالتنا، فضلت خلالها الضحايا عدم الكشف عن أسمائهن حفاظاً على سلامتهن، لتنتهي كل قصة بالوسائل المتبعة لتخفي أولئك النساء آثار الضرب أو الحروق عن أجسادهن سواء بنقش الحناء أو بعض حيل المكياج ليظهرن وكأن شئياً لم يكن.
تروي (م. س) لنا أنها بعدما هدأت الحرب التي اقترفها زوجها من صراخ سمعه كافة الجيران وتكسير ممتلكات المنزل لوقت طويل تكاد لا تستذكره، كان أول ما رغبت بتفقده هي عدد الكدمات التي أصابت جسدها إثر ضربه المبرح لها أمام أطفالها الثلاثة الذين كانوا يقفوا مذعورين ومنتظرين نصيبهم من الأذى الجسدي الذي سيلحقه والدهم بهم بعد الانتهاء من والدتهم التي كانت تقف مكتوفة الأيدي عاجزة عن حماية نفسها.
تأخذ (م. س) نفس طويل لتمنع دموعها من الانسياب وهي تؤكد أنها تعيش في ذلك الكابوس منذ فترة طويلة وعندما تشكي زوجها لأهلها لا يصدقونها، بل يأمروها بالبقاء في المنزل والصبر على ما تتلقاه كأي زوجة صالحة، لافتة أن لا أحد يهتم بما تكابده من آثار نفسية تكاد تقتلها أكثر من الضرب الذي تتلقاه كما أنها لا تستبعد أن تتلقى ذات يوم ضربة منه تفقدها حياتها.
وتكمل أنها لا تفضل الخروج من المنزل أو الاختلاط بالناس، فما لديها من الهموم يكفيها "لكن عندما تزوجت أعز صديقاتي قررت الذهاب للحفلة، بعد أن اختارت لباس غير كاشف وتغطية كف اليد برسم الحناء الذي تعلمته من تطبيق اليوتيوب، وبالفعل نجح الأمر واختفت الكدمات ليكتمل بذلك تمثيلي لدور الزوجة السعيدة".
بينما كانت (ع. غ) حالة مختلفة نوعاً ما، فهي كما حدثتنا طالبة متفوقة في المرحلة الثانوية تحرز الدرجات العليا وفي غالبية السنوات تتوج الأولى على مدرستها وتكرم ضمن العديد من الفعاليات التي تحضرها، لكن ذلك النجاح العظيم لم يكن يعني شيء لوالدها الذي يبرحها ضرباً كل يوم، مشيرة أنه لا يفوت أي فرصة كي يستصغرها أمام المتواجدين بالرغم من أن الجميع لا يتقبل والدها أو يحترمه.
وتقول "تدخل عمي عندما شاهد والدي يضربني بأنبوب الغاز ليشتمه، ليطلب والدي منه ألا يتدخل في طريقة تربيته لابنته بحجة أنه على صواب وإنه اذ لم يقوم بالشيء ذاته كل يوم ستجلب له العار كونها فتاة على ستة أولاد"، مضيفة أنها عندما تقدم أحدهم لخطبتها قررت أن تنهي عذابها وتستغني عن كونها ستصبح طبيبة فقبلت أن تتزوج منه على أمل أن تكمل عدة أيام من حياتها بدون أن تتلقى الضرب.
وتضيف أنها في ذلك اليوم الذي قرر العريس أن يراها استعارت أدوات تجميل لتخفي كدمة في الوجه كانت تلقتها من والدها وبمساعدة صديقة لها استطاعت من خلال "الكنتور والأساس" أن تجعلها تختفي بعد ساعات من العناء، مشيرة أنها ليست الفتاة الوحيدة التي تكابد تلك الظروف الصعبة فربما هناك مئات النساء في العالم لا يمضين يوم من حياتهن دون تلقيهن عنف جسدي أو نفسي.
وكانت (م. ن) قد حسمت أمرها في الحرق الذي يظهر واضحاً على قدمها، ففتحت الانترنت وبحثت عن نقش مناسب بحيث يتلاءم مع مكان الإصابة وحجمها لتلجأ إلى من تستطيع رسم وشم يلازمها ملازمة الحرق بقية حياتها حسبما أفادت لنا، لافتة أنه كان من الصعب أن تثق وتجد من ستقوم بتلك المهمة لكن بمساعدة شقيقتها وجدتها وتم الموافقة بعد أن اتفقتا أن تبقيان الأمر سراً لأن الوشم عادة غير مقبولة في قطاع غزة.
سنبلة قمح طويلة تمتد منها الفروع بل ربما شمعة أو طائر، تروي (م. ن) أن تلك الاقتراحات لم تكن تهمها كثيراً لكن ما كان يشغل بالها هو أن تختفي تلك الندبة ويختفي معها السؤال الذي يتكرر في كل مرة "كيف حدث ذلك"، مستذكرة اليوم الذي تعمد به شقيقها برمي إبريق الشاي باتجاهها ليصيب قدمها بذلك الجرح العميق إثر مشادة كلامية قد حدثت بينهما.
وأصدر المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية ورقة بحثية بين خلاها أن 29% من النساء الفلسطينيات تعرضن لعنف أسري نفسي أو جسدي أو اجتماعي أو جنسي، وأوضح أن نسبة (38%) من النساء المعنفات يعشن في قطاع غزة، بينما (24%) هن من سكان الضفة الغربية.
وأوضحت الورقة أن نسبة العنف في محافظتي خانيونس وغزة أعلى مناطق انتشار لنسب العنف بين الأزواج ضد نساءهم، حيث بلغت نسبها 41% و40% على التوالي، ووثقت مراكز الإحصاء منذ عام (2015 وحتى عام 2020) 118 حالة وفاة لنساء بدعوى القتل بدافع الشرف أو تسجيلها كانتحار.