'خيانة الوطن والإرهاب... هذه التهم الكيدية التي يلفقونها لنا'

في ظل الحرب المستمرة التي يعيشها اليمن خرج المثقفون عن صمتهم وحملوا راية الدفاع عن حقوق الإنسان والمرأة ومنهم الشاعرة برديس السياغي ابنة مدينة صنعاء

نور سريب
اليمن ـ .
ولدت ونشأت في مدينة صنعاء في منطقة الحيمة، كتبت الشعر واحبته منذ الطفولة، وكانت ضمن النساء اللاتي تعرضن للقمع والاعتقال في صنعاء، وتعد من النساء البارزات في رابطة المعنفات والناجيات من سجون الحوثي.  
تقول برديس السياغي التي بدأت في كتابة الشعر وهي في الحادية عشرة من عمرها، "لدي العديد من القصائد الشعرية منها الوطنية والغزلية وقصائد اجتماعية، أول قصيدة كتبتها كانت عن مقتل الطفل الفلسطيني محمد الدرة"، وتضيف "رغم الشتات وما عانيته جراء مواقفي لازلت أجد الراحة في كتابة الشعر للتعبير عما نعانيه"، موضحةً "كان ولازال حلمي أن أوصل صوت النساء المتضررات وأن تجد كلماتي طريقها الصحيح للدفاع عن النساء في بلدي المكلوم".
وعن التغيير الذي طرأ على حياتها بعد اندلاع الحرب الأهلية في البلاد منذ عام 2015، تقول "للحرب مآسي وأنا كسائر نساء بلادي تضررت من الحرب. هذه الحرب دمرت كل شيء جميل في حياتي ونالت من المقربين مني، أنا اليوم لست فقط من النساء الحقوقيات أنا من النساء اللاتي شعرن بالألم لذلك أدافع عن المعتقلات والمعنفات الناجيات من سجون الحوثي لأنني أعلم تماماً مرارة تلك السجون". 
وتابعت "ناهضت الحرب من خلال قصائدي الوطنية التي أصبحت شيلات ينشدها الفنانين اليمنين، وهذا جعلني في مواجهة مباشرة مع جماعة الحوثي في صنعاء، ووضع اسمي ضمن قائمة المطلوبين من قبلهم، لي تجربة مريرة مع الاعتقال والتعنيف في السجون التابعة للجماعة". 
وعن سبب اعتقالها تقول "لأنني امتنعت عن نشر قصائد على هواهم نشبت خلافات بيني وبينهم، وصنفوني ضمن قائمة أعدائهم، وبدأوا بالضغط علي باعتقال زوجي بشكل غير قانوني استمر لثمانية أشهر، كانت التهم الموجهة إليه أنه تستر علي وساندني في التحريض ضد حكم الانقلابيين في صنعاء"، وأضافت "ابلغوني أن زوجي مات، بالطبع لم أتقبل هذا الخبر وطالبت بتسليم جثمانه، إلا أن طلبي قوبل بالرفض".
وأشارت إلى أن "وتيرة الخلافات تصاعدت حتى تم اقتحام منزلي من قبل الحوثيين واتهامي أنني بتحويل منزلي إلى مخزن للأسلحة، حاولت الاستنجاد بالقضاء وقمت برفع قضية ضد من اقتحموا منزلي وطالبت بمحاكمتهم وبعد 3 أشهر تم تجمد القضية دون الوصول إلى أي نتائج". 
وأكدت أن برديس السياغي أن كل ما حدث معها لم يثنيها عن عملها الحقوقي "لم تعقني تلك الممارسات واستمريت في عملي الحقوقي والتعبير عن موقفي وآرائي وبحثت عن أشخاص للوساطة لمعرفة مصير زوجي، ولكن كان الرد أن الحوثيين قاموا بعد شهر من تجميد القضية باختطافي والاعتداء عليَّ بالضرب المبرح وتركي مجدداً، قدمت شكوى قضائية أخرى ومعي تقرير طبي وملف القضية إلا أنني لم ألقى أي نتيجة".
وأوضحت "لأنني أيقنت أن القضاء غير منصف، أخذت أطفالي الثلاثة وهربت إلى محافظة مأرب، وبعد إقامتي هناك حوالي خمسة أشهر، تم التواصل معي من قبل وكيل وزارة الادارة المحلية في حكومة الحوثيين الخليلي القرشي وأحد المشرفين الحوثيين والذي يدعى أبو حسين، قاموا بتمثيل دور الوسطاء بتواصلهم للعودة إلى مدينتي ومنزلي في صنعاء، ويتعهدوا بتقديم الجناة الذين اقتحموا منزلي واختطفوني من الشارع وضربوني إلى المحاكمة، والإفراج عن زوجي الذي كان لا يزال على قيد الحياة في سجونهم لكونه معتقل دون أي مصوغ قانوني، بعد تأكدي من تلك المعلومات ولأنني كنت وأطفالي نعيش في وضع صعب ودون مصدر دخل، عدت إلى صنعاء".
 
الاستدراج للمعتقل
بالرغم من الوعود التي حصلت عليها برديس السياغي لتعود إلى صنعاء، لم تفارقها الشكوك أنه سيتم الإخلال بها، وهو ما حصل معها بالفعل، "تعرضت للخديعة، كل تلك الوعود كانت طعم، فما أن وصلت منطقة أرحب اوقفتني النقطة الأمنية حوالي 3 ساعات حتى تم إبلاغ العمليات المركزية، جاءت التوجيهات لهم بعد ذلك بالسماح لي بالمرور، قالوا لا توقفوها اتركوها تمر ربما لديها شرائح لقصف النقطة الأمنية".
وتتابع "في منتصف الليل اتصل بي البحث الجنائي في صنعاء وطلب مني الذهاب إليهم للإدلاء بأسماء الأشخاص الذين ساعدوني للسفر إلى مأرب، وفي حال لم أذهب إليهم سيتم اقتحام منزلي مثل المرة السابقة، حينها أدركت أنني وقعت في مصيدتهم".
وأوضحت أنها حاولت بعد تلقي البلاغ مغادرة المنزل لربما تنجو بنفسها "غادرت منزلي وتنقلت من منزل لآخر، اعتقدت أنني أستطيع الهرب من صنعاء، فلم أكن أعلم أنني مراقبة، وفي آب/أغسطس قبل الفجر داهمت خمسة أطقم عسكرية وباصين يحملان الزينبيات منزلي، لقد اعتدوا عليَّ وأطفالي بالضرب، وأخذوني للمعتقل، لم أكن أعلم سوى شيء واحد وهو الملف المتكامل والجاهز الذي كان يحمل عشرات التهم الكيدية التي تم تلفيقها لي".
 
100 يوم في المعتقل
"المكان الذي وضعوني فيه أشبه بالقبر، زنزانة ضيقة طولها متر ونصف وعرضها لا يتجاوز المتر" هكذا وصفت برديس السياغي مكان احتجازها، وقالت "بدأوا جلسات التحقيق معي بتهمة خيانة الوطن والإرهاب هذه التهم الكيدية التي يتم تلفيقها للنساء المعارضات، لقد صعقت بعد سماعي تلك التهم، فأنا لم ارتكب أي جريمة ولست إرهابية".
وعما تعرضت له في المعتقل تقول "تعرضت في المعتقل للتعذيب الجسدي والنفسي، مرحلة تعيسة ومأساوية أعاني منها حتى اللحظة، بسبب الضرب المبرح تضررت عيني اليمنى وأصبت بكسر بالأنف ولازلت احتاج لعمليات جراحية لعلاج الأذى الذي يلازمني منذ ذلك الوقت، لقد وضعوني في زنزانة انفرادية حوالي شهرين وأسبوع مع استمرار التحقيق والتعذيب، وبعد تدهور حالتي الصحية والنفسية وضعوني في زنزانة عامة مع 14 سجينة بعضهن كن مع أطفالهن، عمر أكبر سجينة بينهم يقارب الـ 52 عاماً".
إلا أن إخراجها من الزنزانة الانفرادية لم يحد من تدهور وضعها النفسي "ازدادت نفسيتي بالتدهور من هول ما سمعته من السجينات، كان بين المعتقلات طفلة في الرابعة عشرة من عمرها تعرضت للاغتصاب من قبل الحوثيين، أكثر ما آلمني استغلال السجينات الشابات اللاتي يتم تلفيق تهم أخلاقية لهن، لكي يتبرأ منهن أهاليهن ويصبح الخيار الوحيد أمامهن العمل معهم، ويتم توزيعهن فيما بينهم للمتعة أو لاستدراج قيادات ورجال قبائل ليتم ابتزازهم بعد توثيق تورطهم مع هؤلاء الفتيات".
وعن عدد المعتقلات في باقي الزنازين توضح "في الوقت الذي كنت فيه بالمعتقل كان هناك ما يقارب 120 امرأة، من بينهن يمنيات ومن جنسيات عربية وأفريقية، يحتوي ملف كل واحدة منهن عشرات التهم الأخلاقية والسياسية".
وأضافت "استمرت معاناتي في المعتقل 3 أشهر وأسبوع، كل يوم قضيته كنت أشعر وأنه سنوات، وبعد جهود حثيثة من قبل أقرباء وحقوقيون قام الحوثيين بالإفراج المشروط عني، واجبروني للتوقيع على ورقة الإعدام في حال اسأت إليهم، واشترطوا عدم مغادرتي صنعاء نهائياً، وأن أغير اسم ابني "جواس" في المحكمة بزعم أن الاسم يزعجهم، ولا زلت حتى الآن اتعرض للابتزاز بسبب صوري وصور عائلتي التي بحوزتهم".
وحول التزامها بشروط الإفراج تقول "لم استطع رفض أياً من الشروط التي فرضت علي لأستطيع الخروج من المعتقل، وقد أفرج عن زوجي الذي كان يقبع في أحد سجون محافظة المحويت، لكونه ليس هدفهم الأساسي، بعد الإفراج عني بقيت مع أسرتي في صنعاء فترة قصيرة واستطعت بمساعدة بعض الأشخاص أن أهرب إلى مأرب من ثم إلى خارج اليمن، وبالرغم من ذلك لم أسلم في ذلك البلد أيضاً من انتهاكات اليمنيين التابعين لجماعة الحوثي، فقد تعرضت للضرب المبرح من قبلهم، وللأسف عندما قمت بإبلاغ الشرطة أخبروني أن الأمر يحتاج ورقة من السفارة اليمنية، ولازلت مستمرة بإجراءات البلاغ، هنا ربما اتعرض للأذى لكن لن يكون الأمر سهل في بلد يحكمه القانون".
وفي ختام حديثها قالت "أناشد كل القوى السياسية لدعم المرأة الناجية والضغط على الحوثيين للإفراج عن جميع النساء المعتقلات، مئات الحقوقيات والمدنيات وحتى منتسبات الأمن اللاتي رفضن العمل مع الجماعة يتم اعتقالهن وتلفيق التهم لهن وإصدار أحكام جائرة بحقهن، ورسالتي للنساء اليمنيات اللاتي يخرجن من تلك السجون والمعتقلات، أنتن لا تحملن وصمة عار أنتن أيقونة الصبر، كل تلك التهم لن تنال منكن بل تزيدكن قوة وتؤكد للعالم أنكن لم ترتكبن أي جرم سوى المطالبة بحقكن في الحياة الكريمة، نحن حفيدات بلقيس وأروى نحمل الصمود والصبر في جيناتنا".