مهندسة زراعية: الطبيعة تصمم وفق المصالح السياسية
قالت المهندسة الزراعية بيريفان عمر إنه نظراً لأن الطبيعة تستخدم وفق مصالح سياسية ولا يوجد أمن مائي وغذائي في العالم، فإن هناك حاجة لحماية ثورة المرأة التي تعد البيئة إحدى قواعدها.
سوركل شيخو
قامشلو ـ يشير تقرير نشرته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" في الثاني والعشرين من آذار/مارس 2024، إلى أنه حتى الآن، لا يحصل 2.2 مليار شخص على المياه الصالحة للشرب، فيما يفتقر 3.5 مليار شخص إلى أساليب النظافة والصرف الصحي الآمن. وهذا يعني أن هدف الأمم المتحدة المتمثل في ضمان الوصول الشامل إلى هذه الخدمات بحلول عام 2030 لا يزال بعيد المنال، وهناك سبب للقلق من اتساع فجوة التفاوت وعدم المساواة.
إقليم شمال وشرق سوريا أيضاً جزء من هذا العالم ويعاني من نفس الكوارث والمشاكل، وعن ذلك تقول نائبة الرئاسة المشتركة لهيئة الإدارة المحلية لبلديات مقاطعة الجزيرة والمهندسة الزراعية بيريفان عمر إن مشاكل بيئية متعددة ظهرت في السنوات العشر الأخيرة في إقليم شمال وشرق سوريا، بسبب الهجمات "ارتفاع درجة حرارة الأرض والجفاف أحد الأسباب والمشاكل التي تتطور في العالم. فقد جفت الكثير من الأنهار وتناقصت كمية المياه، حتى أن الأمطار قلت، وقد أدى هذا إلى زيادة المشاكل الصحية والاقتصادية".
ولفتت إلى أنه من أكثر المشاكل شيوعاً في المنطقة هو تلوث الهواء، والذي تعود أسبابه إلى الحروب المستمرة منذ عدة سنوات وتدمير المدن. ونظراً لأن معظم المباني مبنية بالإسمنت وأثناء هدمها، فإن الغاز المنبعث منها له تأثير كبير على المناخ، الأمر الذي سيزداد سوءاً بمرور الوقت، مشيرةً إلى أن "المشكلة الأكبر هي الحرب، لأنه يتم قتل النباتات والحيوانات بأخطر الأسلحة. ويشكل استخدام الأسلحة الكيميائية تهديداً للوجود البشري والبيئة بأكملها. لأن التربة التي تتعرض للأسلحة تتلف وتتضرر ويصبح من الصعب أن تنمو مرة أخرى، ولن تكون صالحة للاستخدام. ولذلك، يحتاج العالم اليوم إلى حماية الطبيعة. تخلق الغابات التوازن بين الطبيعة والناس على الأرض، ولكن اليوم، تم حرق 20 بالمائة من غابات العالم. إذا احترقت بالكامل، فلن يتمكن الناس من العيش على الأرض بعد الآن".
"القضايا البيئية لا تعرف الحدود الجغرافية والسياسية"
وأوضحت إن مشكلة البيئة لا تعرف حدوداً جغرافية وسياسية "عندما يأتي ذلك اليوم ويلحق الضرر بالطبيعة، سيؤثر على العالم كله، لذلك تم وصف يوليو 2024 بالأكثر سخونة منذ 200 عام. وهذا يعني أن العالم كله يواجه ارتفاع في درجات الحرارة التي تودي بالحياة، فإلى جانب جفاف المياه والأراضي، فإنه يؤثر على الأمن الغذائي العالمي ويتسبب في عدم توفره. على سبيل المثال، في إقليم شمال وشرق سوريا يتم إنتاج معظم القمح هناك، ولكن بسبب التغير المناخي، لم يعد ينتج كما كان من قبل، وهذا يؤثر على تأمين الخبز، وبالتالي فإن هذه المشكلة تشمل العالم كله. وبحسب الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية المياه، يجب حماية مياه الأنهار واستخدام المياه الجوفية باعتدال، ولكن إثر انقطاع مياه الأنهار ونقصها، يتجه الناس إلى استخدام المياه الجوفية. وهو أيضاً مورد غير مستدام ويجب حمايته، لأن مصادر مياه الشرب النظيفة محدودة جداً في العالم، لذا فإن حفر الآبار سيؤدي أيضاً إلى استنزاف المياه الجوفية".
"لا يمكن لدولة استخدام المياه كسلاح ضد دولة أخرى"
وأشارت بيريفان عمر إلى اتفاقيات المياه بين العراق وسوريا وتركيا فيما يتعلق بنهر الفرات "في عام 1987، وقعت سوريا اتفاقية تقاسم مياه الفرات مع تركيا ووفقاً لذلك وعدت أنقرة بمنح سوريا 500 متر مكعب في الثانية سنوياً، إلا أن هذه الكمية انخفضت إلى أكثر من النصف في السنوات الماضية ووصلت إلى 200 متر مكعب في الثانية في بعض الأوقات. مصدر الطاقة في سوريا هو من نهر الفرات، وعندما تقل المياه تضطر إلى استخدام المولدات لتأمين المياه، وبالتالي يتلوث المناخ. وحتى الآن لم تتم محاسبة الدولة التركية دولياً، وهذه المشكلة لا تتعلق بشمال وشرق سوريا فقط، بل هي مشكلة عالمية. عدا عن ذلك فإن الأشخاص الذين تقع منازلهم حول الأنهار يضطرون إلى تغيير أماكن سكنهم وتحدث الهجرة. هذه مشاكل إنسانية، ووفقاً للمعايير الدولية، حتى لو كانت هناك مشاكل سياسية، لا يمكن لدولة استخدام المياه كسلاح ضد دولة أخرى".
"نهر الفرات يستخدم دائماً لأغراض سياسية"
وحذرت من حدوث انهيار أرضي في مناجم الذهب وتدفق المواد السامة إلى نهر الفرات في تركيا "الفرات نهر يستخدم دائماً لأغراض سياسية، كما أن المشاريع التركية المتمثلة بقيام الدولة ببناء السدود على النهر كان دائماً في تقدم، وأرادوا إغراق العديد من القرى التاريخية للشعب الكردي وإخفاء التاريخ معها. ورغم أن هذه الخطة توقفت مؤقتاً بسبب اعتراضات دعاة حماية البيئة، إلا أن هذا الخطر لا يزال قائماً. مدينة الحسكة في إقليم شمال وشرق سوريا مثال على ذلك. ولذلك فإن المياه التي تقل على سوريا نتيجة بناء السدود من قبل تركيا، تقل حتى تصل إلى العراق، وبحسب رصدنا حدثت هجرة كبيرة في العراق من حول النهر. وفيما يتعلق بهذا الأمر، ورغم وجود مناشدات وتقارير أرسلناها إلى الجهات المائية المعنية، إلا أن تقاريرنا ظلت دون إجابة. ومع ذلك، فإننا نواصل إرسال التقارير والمناشدات".
كارثة إنسانية تطرق أبواب إقليم شمال وشرق سوريا
وأوضحت بيريفان عمر أنه بالإضافة إلى الهجمات هناك كارثة إنسانية على أبواب إقليم شمال وشرق سوريا "الناس يواجهون اليوم كوارث، بحسب الخبراء، انخفاض منسوب المياه يسبب الهجرة ويخلق صعوبات في تأمين الطاقة، وهذا يؤثر على إدارة المستشفيات والمخابز. كما أن طاقة المولدات تسبب تلوث المناخ. كل هذه الأمور تشكل صعوبات كبيرة بالنسبة لشمال وشرق سوريا إذا لم تغير الدولة التركية سياستها المائية. لذلك، لدينا اليوم جهود لزيادة المسطحات الخضراء. وكما هو معروف، نتيجة اعتداءات الدولة التركية ومرتزقة داعش على الطبيعة وقطع آلاف الأشجار، تضررت طبيعة منطقتنا بشكل كبير، كما أننا نواجه انقطاع المياه. ولهذا السبب، تتزايد أيضاً صعوبات حماية الطبيعة. يجب حماية الطبيعة أينما وجدت، وهذا حق ومسؤولية دولية".
وتضع بيريفان عمر تهجير سكان سري كانيه الأصليين وقطع المياه عنهم في خانة الإبادة البيئية والطبيعية، وعن الجرائم التي يتم ارتكابها تقول "تتجلى الإبادة البيئية والطبيعية في السياسات المنفذة ضد سري كانيه وكري سبي وعفرين. وبالإضافة إلى الإبادة الإنسانية فإن الدولة التركية المحتلة ترتكب أيضاً إبادة بحق الطبيعة، حيث أن قطع الأشجار ونقلها إلى دول أخرى يعد إبادة في حد ذاتها، وهي جريمة وفقاً للمعايير الدولية. لكن عندما يتعلق الأمر بشمال وشرق سوريا، تبرز ازدواجية الدول. وبحسب الإحصائيات، حتى الآن تم قطع نصف مليون شجرة في عفرين ونقلها إلى المدن التركية، وهو أيضاً يعد جريمة من قبل الدولة التركية. ورغم أن الكثير من الناس يعتبرون أنفسهم من دعاة حماية البيئة، ولكن عندما ينظر الناس إلى ممارساتهم، يرون أنها ممارسة ناقصة وخجولة".
"الطبيعة تصمم وفق المصالح السياسية"
وانتقدت بيريفان عمر الدول التي تصمم الطبيعة حسب مصالحها السياسية "الدولة التركية تصمم الطبيعة حسب مصالحها السياسية وهذه جريمة كبيرة بحق شمال وشرق سوريا. واليوم يقوم الغزاة بتجفيف الأنهار ببناء السدود. لأن الأنهار أيضاً بها حياة، وتصبح البيئة مع الناس والحيوانات جزءاً من حماية الطبيعة. ومثال على ذلك نهرا جقجق والخابور اللذان أصبحا الآن مصدراً للعديد من الأمراض الصحية والنفسية. ولذلك عندما تصمم الدول الطبيعة على هواها، فمن المؤكد أن ردود الفعل الطبيعية ستخرج ضد الناس. إن حالات الجفاف والفيضانات والزلازل الأخيرة كلها نتيجة لغضب الطبيعة ضد تصرفات الإنسان".
"هناك أيضاً ثورة بيئية ضمن ثورة المرأة"
وقالت بيريفان عمر إن ثورة المرأة هي ثورة بيئية واختتمت حديثها بالقول "لقد ولدت ثورة بيئية ضمن ثورة المرأة حتى نتمكن من جعل المعايير البيئية أساس الحكم، ولو لم يكن الأمر كذلك، لكانت دائماً في أيدي المهيمنين على الطبيعة. اختلاف وتميز ثورتنا هو أننا ضد المركزية، بحيث أنه عندما يقرر الشعب بنفسه، لن تكون هناك مشاكل طبيعية. لأن الأمم الطبيعية تلعب دوراً فعالاً في حماية النظام الطبيعي وتصبح جزءاً من تلك الطبيعة، ولا يفهم الجميع تلك العلاقة. في شمال وشرق سوريا نقول دائماً أن طبيعتنا وكائناتنا الحية لا تختلف عن الإنسان فهو جزء منها وليس مركز الطبيعة. ولذلك، مع التطور الذي جعل الإنسان هو مركز الطبيعة كلها، سمح للإنسان أن يستخدم كل شيء لنفسه. نحن هنا للنضال من أجل توعية الناس بأنهم جزء من الطبيعة وأنهم يكملون بعضهم البعض مع الكائنات الحية الأخرى. ضرورة الثورة هي من أجل تغيير معايير وأعراف إدارة المجتمع، لذا من المهم حماية ثورة المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا، لأنها مثال مختلف لكيفية اتخاذ الناس قراراتهم، والعيش باستقلال، وتحديد مصيرهم ومستقبلهم بأنفسهم".