تراجع محصول البن اليمني يفقد المزارعين مصدر دخلهم الوحيد

خسرت المزارعة سعود محمد فارع هذا العام محصولها من البن، وهو المصدر الوحيد لدخلها، حيث كان يُعتبر الغلة السنوية التي تكفيها وأفراد أسرتها طوال العام.

رانيا عبد الله

اليمن ـ عانى المزارعون والمزارعات في اليمن من شُحّ الأمطار وتغير مواسمها، وبعد طول انتظار هطلت الأمطار على أجزاء من مدينة تعز جنوب غرب اليمن، لكنها لم تكن كافية ولم تأتِ في الوقت المناسب الذي تحتاج فيه شجرة البن إلى الماء.

عند ازدهار بذور البن، يتضرع المزارعون بالدعاء أن تتساقط الأمطار بشكل كافٍ ومستمر حتى تتحول أزهار البن إلى ثمار ناضجة.

كانت المزارعة قبول محمد إبراهيم، من قرية "المنصاحة" في مديرية صبر الموادم بمدينة تعز جنوب غرب اليمن، تجني محصول البن سنوياً، وكان العائد من المحصول يكفيها طوال العام، إذ يُعد البن مصدر دخلها الوحيد، كما هو الحال مع بقية المزارعين هناك، إلا أن هذا الموسم شهد تدهوراً كبيراً في إنتاج البن، إذ لم تنتج الأشجار محصولها المعتاد، وتقول "هذا العام تأخرت الأمطار، وكانت أشجار البن بحاجة إلى الماء وقت الأزهار، لكن للأسف تأخرت الأمطار، لذا لم تنبت حبوب البن كالمعتاد".

وتضيف بحسرة "أصاب الجفاف مزارعنا، وجفّت الأشجار، والأمطار لم تهطل إلا مرتين أو ثلاث مرات فقط خلال هذا العام، وهذا لا يكفي شجرة البن، خصوصاً وقت الأزهار ليكتمل نضوج البن".

 

أساليب تقليدية وتحديات المناخ

ويُعد البن اليمني من أقدم وأشهر المنتجات الزراعية في البلاد، إذ تُقدّر المساحة المزروعة نحو 34 ألف و981 هكتاراً، وفق تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) لعام 2025 حول سلسلة قيمة البن في اليمن، ويشكّل البن حوالي 6% من إجمالي الصادرات الزراعية، ويزرع في المرتفعات الجبلية الوعرة بأساليب تقليدية تعتمد في معظمها على مياه الأمطار والمدرجات الزراعية.

 

 

وتواجه زراعة البن في اليمن تحديات متزايدة بسبب التغيرات المناخية، التي أدت إلى اضطراب أنماط الأمطار وازدياد فترات الجفاف، ما أثر سلباً على نمو الأشجار وجودة المحصول. وتشير تقارير الفاو إلى أن ارتفاع درجات الحرارة وتناقص الموارد المائية أسهما في تراجع إنتاج البن، ودفعت بعض المزارعين إلى التحول نحو محاصيل أخرى أقل تأثراً بالمناخ، كما أدى التغير المناخي إلى تفشي الآفات والأمراض الزراعية، وتلف المحاصيل بسبب الفيضانات أو موجات الصقيع في بعض المناطق.

 

جفاف ولا حلول

تشتكي المزارعة سعود محمد فارع من قلة المشاريع التي من شأنها التخفيف من آثار التغيرات المناخية، وتقول "لا نمتلك خزانات كافية لحصر مياه الأمطار للاستفادة منها وقت الجفاف، كما أن الآبار في المنطقة جفت، عدا بئر واحد بالكاد يكفي للشرب والاستخدام اليومي".

رافقت وكالتنا المزارعة سعود إلى مزرعة البن التي تملكها، والتي تُعد مصدر دخلها الوحيد، للكشف عن معاناتها، فالجفاف ضرب المزرعة وأثر على محصول البن. تقول بأسى "لم أشهد في حياتي جفافاً بهذا الحجم الذي لحق شجرة البن هذا الموسم، وأصابنا اليأس عندما رأينا محاصيل البن تفسدت".

وتناشد سعود محمد فارع الجهات المعنية لإيجاد الحلول المناسبة لمواجهة التغير في موسم الأمطار وتنفيذ مشاريع تنقذ ما تبقّى.

صفية نصر هي الأخرى يعتبر البن مصدر دخلها، فهي تنفق مردوده السنوي على دراسة أولادها واحتياجات أسرتها، لكنها هذا العام تشكو من الظروف القاسية، إذ لم تنتج شجرة البن محصولاً، وتقول "أصابنا اليأس والجوع بسبب تأخر الأمطار، وأغلقت أمامنا أبواب الرزق، فالبن هو مصدر دخلنا الوحيد، ونحن المزارعين إذا لم نجْنِ من خيرات مزارعنا، لا عمل لدينا ولا مصدر آخر، وهذه الأرض التي كانت مصدر رزقنا أصبحت الآن قاحلة".

وتوصي منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة بضرورة تبنّي ممارسات زراعية أكثر استدامة، تشمل تحسين إدارة المياه، واستخدام أصناف أكثر تحمّلاً للحرارة، وتعزيز نظم الإنذار المبكر المناخية، إلى جانب دعم المجتمعات الزراعية في المناطق الجبلية لضمان استمرار زراعة البن كجزء من الهوية الاقتصادية والتراثية لليمن.

 

البن مصدر رئيسي

بدورها قالت رئيسة جمعية "طالوق" النسوية لتنمية المرأة الريفية فاطمة عبد الخبير، إن هذا العام كان صعباً على المزارعين مقارنة بالسنوات الماضية، إذ اشتدّ الجفاف "كانت المزارع تنتج الذرة الشامية والذرة الرفيعة، لكن هذا العام لم تنبت البذور التي زرعها الفلاحين، مما أصابهم بالإحباط بسبب قلة الأمطار وتغير موعد هطولها".

وفيما يتعلق بشجرة البن، بينت أن شجرة البن تحتاج إلى أمطار في أوقات معينة من مراحل نضوج ثمارها، لذا فتأخر موسم الأمطار، أدى إلى تلف أشجار البن وغياب الثمار، والمزارعون يعتمدون على محصول البن بدرجة كبيرة، فهو المصدر الرئيسي لهم طوال العام.

وأضافت "يُعتبر البن كبنكٍ للمزارع، فهو المصدر الوحيد لاحتياجاته اليومية، ويواجه به أي أزمات مالية، فيبيعه في الأسواق المحلية وأحياناً في الأسواق الخارجية، ويعتمد عليه لتسيير أموره، لكن هذا العام لا محصول ولا مصدر آخر للدخل ".

وأكدت فاطمة عبد الخبير على احتياجات المزارعين، وخصوصاً مزارعي البن "المزارع هنا يحتاج إلى ما يناسبه ليواجه التغيرات المناخية، كإقامة حواجز بسيطة أو برك وأحواض مائية أو أي حلول ممكنة لمواجهة هذه المشكلة في وادي طالوق ووادي المنصاحة في عزلة المسراخ بمديرية صبر الموادم".

وتعد التغيرات المناخية من أبرز التحديات التي تواجه الزراعة عالمياً، إذ أثرت على إنتاج المحاصيل، ومنها البن الذي يُعد من أكثر المحاصيل حساسية للتغيرات في درجات الحرارة ومواسم الأمطار.

وبحسب تقرير منصة علوم الزراعة، فقد أدت الظواهر المناخية مثل الجفاف وارتفاع الحرارة إلى تقليص المساحات الصالحة لزراعة البن وتراجع الإنتاج وجودته، فضلاً عن زيادة انتشار الآفات والأمراض الزراعية.

ولمواجهة هذه التحديات، أكد التقرير على أهمية توجه المزارعين إلى تبني استراتيجيات للتكيف مثل الزراعة المستدامة، وتحسين إدارة المياه عبر أنظمة ري فعالة كالتنقيط، وتطوير أصناف مقاومة للجفاف والحرارة، كما تلعب البحوث الزراعية والتعاون بين الحكومات والمزارعين دوراً محورياً في تعزيز القدرة على التكيف.