رمان السوسة الذهب الأحمر الذي يذبل في غياب الدعم

رغم أن رمان السوسة يُعدّ من أجود أنواع الرمان في مقاطعة دير الزور وعموم منطقة الفرات، فإن هذا المحصول الذهبي الذي طالما أغنى موائد السوريين يمرّ اليوم بمرحلة تراجع مقلقة تهدّد مستقبله الزراعي والاقتصادي.

زينب خليف   

دير الزور ـ تُعدّ بلدة السوسة، ولا سيما قرية المراشدة التابعة لها، موطناً رئيسياً لزراعة الرمان في الشرق السوري، ويعتمد أكثر من 80% من سكانها على هذا المحصول كمصدر رئيسي للدخل.

يتميّز رمان السوسة بلونه الأحمر القاني، ومذاقه المتوازن بين الحلاوة والحموضة، وحبّاته الممتلئة بالعصير، ما جعله على مدى سنوات طويلة علامة مميزة في الأسواق المحلية.

ولكن رغم توافر العوامل الطبيعية المواتية للزراعة من تربة خصبة ومناخ معتدل وخبرة تراكمية في زراعة الأشجار المثمرة إلا أن واقع المزارعين تغيّر في السنوات الأخيرة بسبب غياب الدعم المؤسسي والتقني، مما انعكس سلباً على جودة الإنتاج وكميته، وسط شكاوى متزايدة من المزارعين حول تفشي الآفات الزراعية، وارتفاع تكاليف الزراعة والنقل، وغياب الدعم الفني والإرشادي من الجهات المعنية.

 

موسم ضعيف وخسائر للمزارعين

تقول المزارعة فدوى محمد الحسين، وهي من أقدم العاملين في زراعة الرمان في السوسة، إن الموسم الحالي لم يكن بمستوى التوقعات، مشيرةً إلى أن محصول هذا العام "أُصيب بآفة دودة الرمان البيضاء، التي تُتلف الثمرة من الداخل رغم مظهرها الجيد خارجياً".

وأكدت أن المزارعون والمزارعات لم يتمكنوا من تغطية تكاليف الإنتاج "لا ثمن المازوت ولا أجور العمال. تعبنا طوال العام، لكن العائد ضعيف جداً، فالأرض تحتاج إلى معالجة وسماد ومبيدات فعّالة حتى تستعيد قدرتها على الإنتاج".

وأوضحت أن موسم جني الرمان الذي يبدأ عادة في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر، ويستمر حتى نهاية الشهر، لم يشهد هذا العام النشاط المعتاد، إذ غابت الورش الزراعية التي كانت توفر فرص عمل موسمية لعشرات العائلات، بسبب ضعف الإنتاج وتراجع الطلب في الأسواق المحلية.

 

تحديات النقل والتسويق

إلى جانب المشكلات الزراعية، يعاني المزارعون والمزارعات من صعوبات في تسويق المحصول ونقله إلى المدن المجاورة، مثل البوكمال والميادين، بسبب تدهور الطرق وارتفاع تكاليف الوقود.

وتؤكد فدوى الحسين أن "الرمان لم يعد يغطي تكاليف النقل أو التعب، ما جعل بعض المزارعين يتركون جزءاً من المحصول في الحقول دون حصاد. وقد أدى تراجع الإقبال على الشراء لانخفاض الأسعار بشكل كبير، ما أفقد الرمان قيمته الاقتصادية المعتادة، رغم مكانته التاريخية في المنطقة التي لطالما ارتبطت بزراعته".

 

فاكهة الشفاء والحياة

الرمان، الذي يُلقّب بـ "فاكهة الجنة"، لا يُعتبر منتجاً زراعياً فحسب، بل يُعدّ كنزاً غذائياً وطبياً واقتصادياً وفي بلدة السوسة، تتنوّع المنتجات المشتقة من الرمان لتشمل دبس الرمان الذي يُستخرج من غلي العصير حتى يسمك قوامه، ويُستخدم في إعداد الأطعمة، عصير الرمان الطبيعي يُقدَّم طازجاً ويُعدّ من المشروبات المفضّلة في المنطقة، والمربيات تصنعها النساء الريفيات كمصدر دخل إضافي، أما قشور الرمان تُستخدم في الطب الشعبي لعلاج اضطرابات المعدة وصبغ الأقمشة، والأغصان اليابسة تُستعمل وقوداً للتدفئة في فصل الشتاء.

وأوضحت فدوى الحسين أن الأهالي يحرصون على تخزين الرمان لفصل الشتاء بطرقٍ تقليدية "نحفظ الرمان في غرف باردة أو نعلّقه في الهواء، فيبقى صالحاً للأكل لأشهر طويلة. إنها فاكهة لا تُقدّر بثمن".

 

تراجع الرعاية وغياب الدعم

على الرغم من المقوّمات الطبيعية الغنية، فإن ضعف الدعم الفني والاقتصادي جعل المزارعين عاجزين عن تطوير أساليب الزراعة ومكافحة الآفات بشكل فعال، ويطالب الأهالي بضرورة إنشاء مراكز إرشاد زراعي متخصّصة، وتوفير الأسمدة والمبيدات بأسعار مدعومة، وتشجيع إقامة مشاريع تصنيع محلية لتعبئة الرمان وإنتاج الدبس والعصائر، بما يضمن استدامة هذا القطاع الزراعي الحيوي.

وتقول فدوى الحسين إن الأرض غنية ولكنها عطشى "من دون دعمٍ حقيقي، لن تعود كما كانت. نريد فقط ما يساعدنا على الحفاظ على رزقنا وهويتنا الزراعية".

 

الرمان... رمز الصبر والانتماء

بالنسبة لأهالي السوسة والمراشدة، الرمان ليس فقط محصولاً زراعياً، بل هو رمزٌ للصبر والانتماء، إذ توارثت الأجيال زراعته جيلاً بعد جيل، ليصبح جزءاً من الذاكرة الجماعية للمنطقة، ويؤكد المزارعون والمزارعات أنهم لا يطالبون بالمستحيل، بل ببيئة عادلة تحفظ لهم حقّهم في الإنتاج وتضمن استمرار زراعةٍ كانت مصدر حياةٍ وكرامة لعقود طويلة.

وتصف فدوى محمد الحسين في ختام حديثها الرمان بـ "حياتنا ورزقنا، وكل حبةٍ فيه تعب سنين. نأمل أن يكون الموسم القادم أفضل، وأن تعود بساتين السوسة لتزهر من جديد".

رمان السوسة، الذي شكّل يوماً "ذهب الفرات الأحمر"، يقف اليوم على مفترق طرق بين الذبول والنهضة فإن حظي بالرعاية اللازمة والدعم المؤسسي، سيستعيد مكانته كمصدر فخرٍ واقتصادٍ محلي متين أما إن استمر الإهمال، فستفقد المنطقة أحد أهم رموزها الزراعية والثقافية، وستبقى حبات الرمان شاهداً صامتاً على قصة تعبٍ لم تكتمل فصولها بعد.