النساء في مواجهة التضخم... المعيلات في قلب الأزمة الاقتصادية بالمغرب

تجد النساء المعيلات في المغرب أنفسهن في معركة يومية لتوفير الاحتياجات الأساسية لأسرهن، في ظل تحديات اقتصادية واجتماعية ونفسية وحقوقية متزايدة.

حنان حارت

المغرب ـ يشهد المغرب تقلبات اقتصادية حادة في السنوات الأخيرة، نتيجة لأزمات عالمية وإقليمية متلاحقة، بدءاً من تداعيات جائحة كورونا، مروراً بالحرب في أوكرانيا، ووصولاً إلى ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية عالمياً، ورغم محاولات الحكومة للحد من التضخم، لا تزال الأسر المغربية تعاني من تراجع القدرة الشرائية، خاصة الفئات ذات الدخل المحدود.

من بين الفئات الأكثر تضرراً، نجد النساء المعيلات، وخاصة الأرامل والمطلقات والعاملات في القطاعات غير المهيكلة مثل العمل المنزلي، والتجارة غير الرسمية، والصناعات التقليدية، هؤلاء النساء تعتمدن غالباً على دخل يومي غير ثابت، مما يجعلهنّ الأكثر هشاشة أمام موجات الغلاء المستمرة.

 

تزايد أعداد النساء المعيلات

وفقاً لتقرير رسمي صادر عن المندوبية السامية للتخطيط، فإن 17% من الأسر المغربية تعيلها نساء، وتشمل هذه النسبة 54.6% من الأرامل، و23.7% من المتزوجات، و12.8% من المطلقات، و8.9% من العازبات.

هذه الأرقام تعكس تزايد أعداد النساء المعيلات، مما يجعلهن في صلب التحديات الاقتصادية، لكن رغم ذلك، تواجه النساء صعوبات كبيرة في سوق العمل، حيث تصل نسبة البطالة بينهن إلى 32%.

"حليمة. ع" أرملة تبلغ من العمر 43 عاماً وأم لأربعة أطفال، تمثل نموذجاً للنساء اللواتي وجدن أنفسهن في مواجهة مباشرة مع الأزمة الاقتصادية، وتقول "بعد وفاة زوجي اضطررت للعمل في تنظيف المنازل لتغطية المصاريف، لكن الوضع يزداد صعوبة يوماً بعد يوم، ما كنت أشتريه سابقاً لأطفالي دون تفكير، أصبح اليوم رفاهية بعيدة المنال، حتى شراء اللحم، الذي كان ممكناً، أصبح حلماً صعب التحقيق".

 

بين هشاشة العمل وعبء التضخم

من جهة أخرى تواجه "فاطمة. م"، 39 عاماً أم لطفلين، تحديات مختلفة، إذ تعمل كبائعة متجولة في أحد الأسواق الشعبية بالدار البيضاء، كل يوم تستعد لتجهيز بضاعتها والبحث عن مكان مناسب للبيع، ورغم جهودها الكبيرة، فإن دخلها اليومي بالكاد يكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية لأسرتها.

وأوضحت "منذ طلاقي أصبحتُ المسؤولة الوحيدة عن أبنائي، فطليقي يتهرب من دفع النفقة، لذلك أصبحت أبيع الملابس المستعملة في السوق"، مضيفة "المشكلة أن هذا العمل غير مضمون، فبعض الأيام أبيع جيداً، وأيام أخرى أعود إلى البيت دون درهم واحد، لا تأمين صحي، لا تقاعد، ولا أي ضمان للمستقبل".

وحول أثر التضخم على حياتها، قالت "كل شيء أصبح غالياً، حتى أبسط الأشياء التي كنت أشتريها لأطفالي صارت خارج متناولي، أحياناً أضطر للاستدانة فقط لتأمين احتياجات الأسبوع، ولم أعد أعرف كيف يمكنني الصمود في هذا الوضع"، مضيفةً "كنساء معيلات نعمل ضعف غيرنا، لكننا نبقى غير مرئيات، كل ما أريده هو عمل يضمن لي ولأطفالي حياة كريمة دون هذا القلق المستمر".

 

تحديات حقوقية وانعكاساتها النفسية والاجتماعية

إلى جانب الضغوط الاقتصادية، تجد النساء المعيلات أنفسهن في مواجهة تحديات حقوقية تتعلق بالحماية الاجتماعية والاقتصادية، ورغم ارتفاع أعداد النساء اللواتي تتحملن مسؤولية إعالة أسرهنّ، لا تزال السياسات الحكومية غير كافية لتوفير دعم حقيقي يساعدهن في تجاوز الأزمة.

ويبقى الوصول إلى عمل لائق أحد أكبر العقبات، حيث تضطر العديد من النساء للعمل في وظائف غير مستقرة أو غير مهيكلة، مما يجعلهن محرومات من أي حماية قانونية أو تغطية اجتماعية وصحية.

هذا الوضع لا ينعكس فقط على ظروفهن المعيشية، بل يمتد إلى صحتهن النفسية والاجتماعية، حيث تشعرن بقلق دائم بشأن المستقبل، وعدم القدرة على تأمين حياة كريمة لأطفالهن.

وترى الأخصائية النفسية إيمان الجواهري، أن هذه الضغوط الاقتصادية تنعكس بشكل مباشر على الصحة النفسية للنساء "الشعور بعدم الاستقرار المالي والتخوف المستمر من المستقبل يضع النساء المعيلات في حالة توتر دائم، مما يؤدي إلى اضطرابات النوم والإرهاق والعزلة الاجتماعية".

وأكدت أن تراكم المسؤوليات اليومية دون دعم كافٍ سواء من العائلة أو الحكومة، يجعل النساء أكثر عرضة لما يعرف بالاحتراق العاطفي، حيث تصل المرأة إلى مرحلة من الإنهاك النفسي والجسدي، تفقد فيها القدرة على التعامل مع الضغوط بفعالية، مما قد يؤدي إلى تقلبات مزاجية حادة، أو حتى انهيارات عصبية، موضحة أنه لا تتوقف التداعيات عند النساء أنفسهن، بل تمتد إلى أسرهن "هذه الحالة تؤثر على العلاقات الأسرية، وتؤدي إلى توترات متزايدة داخل المنزل، قد تصل أحياناً إلى النزاعات الزوجية أو صعوبة التواصل مع الأطفال".

وبينت أنه "عندما تعاني الأم من ضغوط نفسية شديدة، فإن ذلك ينعكس على أسلوبها في التربية والتواصل، وقد يؤدي إلى تراجع الأداء الدراسي للأطفال، أو حتى اضطرابات نفسية لديهم".

وترى إيمان الجواهري أن مواجهة هذه الأزمات تتطلب حلولاً شاملة، لا تقتصر فقط على الدعم الاقتصادي، بل تشمل أيضاً برامج تعزيز الصحة النفسية والاجتماعية، مؤكدة أنه "يجب أن يكون هناك وعي أكبر بأهمية دعم المعيلات نفسياً واجتماعياً، سواء من خلال توفير مساحات آمنة لهن للتعبير عن معاناتهن، أو عبر برامج تدريبية تساعدهن على تطوير مهاراتهن المهنية، مما يمنحهن فرصاً أفضل في سوق العمل".