البحث عن البيلون وبيعه... عمل تبتكره نازحات في إدلب

دفعت الظروف المعيشية القاسية والفقر وقلة فرص العمل ببعض العائلات النازحة في إدلب، للبحث عن مصدر رزق لها في أعماق الأرض من خلال التنقيب عن أحجار البيلون من أجل بيعها وتأمين عمل يومي يؤمن قوت أبنائها

سهير الإدلبي
إدلب ـ .
تتجه ريمة الصباح (35) عاماً مع عائلتها كل صباح باتجاه الأراضي القريبة من مخيمهم شمال إدلب، باحثين عن حجارة البيلون المتواجدة في أراضي معينة، يستكشفها زوجها ويبدأ عملية الحفر لاستخراجها باستخدام أدوات بدائية كالمعول والفأس والمجرفة لحفر نفق يبدؤون بالعمل على استخراج البيلون ما إن ينتهوا من عملية الحفر.
تقول ريمة الصباح أن العمل في جمع أحجار البيلون ليس بالأمر السهل فهو يحتاج الكثير من الخبرة في إيجاد مناطق توفره والحفر والبحث، وورث زوجها المهنة عن جده وهو يمارسها بعد أن انقطعت بهم السبل وعجز عن إيجاد عمل آخر يستفيد منه ويعود عليه بدخل يعينه على تحمل الأعباء الكبيرة وخاصة بعد نزوحهم من قريتهم حاس في ريف إدلب الجنوبي وإقامتهم داخل مخيمات إدلب العشوائية.
وتضيف أنهم وخلال عملهم اليومي يتمكنون من جمع ما لا يقل عن عشرين كيلو غرام من البيلون الذي يبيعونه لمعامل المنظفات والمحلات المتعددة بمبلغ ٣ ليرات تركية للكيلو غرام الواحد.
يرى ابنها البكر رائد الجدوع (15) عاماً، والذي يرافقها كل يوم إلى العمل أن لجمع البيلون والبحث عنه متعة وفائدة، خاصةً وأنه يشعر بأهمية عمله في مساعدة والديه على تحمل الأعباء الكبيرة الملقاة على عاتقهم في ظل الفقر وارتفاع الأسعار.
ويتركز عمل رائد الجدوع في تقطيع أحجار البيلون داخل النفق الذي يحفره والده واستخراجه، وأحياناً في جمعها من الأراضي الزراعية التي تتناثر بداخلها بعد عملية الفلاحة التي تخرجها إلى سطح الأرض، فيساعد والديه في جمعها وتعبئتها في أكياس استعداداً لحملها وبيعها.
يرغب رائد في العودة إلى الدراسة ولكنه لا يعتبر أن ذلك مجدياً في ظل وجود أولويات وهي تأمين مصاريف المعيشة وخاصة بعد تهاوي قطاع التعليم بفعل الحرب.
والبيلون هو حجر من أنواع التربة يتراوح لونه بين الرمادي والأحمر ويستخرج من مناطق معينة داخل قرى وبلدات إدلب، وهو عبارة عن تربة غضارية غنية بالأملاح المعدنية والمعادن المنحلة في التربة والفيتامينات المفيدة للشعر والبشرة.
سعاد الطبش (٣٨) عاماً، من النازحات اللواتي اتجهن أيضاً لجمع أحجار البيلون وبيعها بعد عجزها عن تأمين عمل آخر يساعدها على تحمل أعباء الحياة مع زوجها المريض بالقلب وأربعة أطفال جياع بانتظار ما تحضره لهم من طعام من عائدات ما تجمعه من البيلون بشكل يومي.
تقول سعاد الطبش أنها لا تعمد إلى حفر أنفاق لاستخراج البيلون، ولكنها تعتمد على وجود أنفاق محفورة مسبقاً من قبل أناس آخرين "يأخذون حاجتهم من البيلون ويتركون النفق ويرحلون فاستخراج البعض منه"، أو تعتمد على جمعه من الأراضي الزراعية بعد فلاحتها بالسكة والتي تستخرج البيلون من أعماق الأرض أثناء عملية تقليب التربة.
تواجه سعاد الطبش النازحة من قرية حيش بريف إدلب الجنوبي باتجاه مخيمات أطمة الحدودية، متاعب وصعوبات أثناء عملية البحث تتمثل بالسير لمسافات بعيدة وصعوبة حمل أكياس البيلون إلى حيث تبيعها، ولكنها بدأت تتأقلم على العمل وتعتاد عليه خاصة وأنه يعود عليها ببعض المال.
وعن فوائد البيلون تقول خبيرة التجميل سها الرحال (٣٢) عاماً، إن للبيلون فوائد متعددة فهو يعطي الشعر نعومة ولمعان وبريق ويغذيه ويمنع تساقطه ويزيد كثافته، ويمتص الدهون من فروة الرأس، ويرطب الشعر الجاف، وليس له أي أعراض جانبية عكس أنواع الشامبو المنتشرة والمؤلفة من مواد كيماوية تفيد جانب وتؤذي آخر.
وتشير إلى فوائده المتعلقة بالبشرة والوجه فهو يقوم بشد البشرة ويخفي التجاعيد وينقي الوجه من الرؤوس السوداء بالإضافة إلى منح الوجه نضارة وصحة بشكل دائم.
وهي تنصح جميع النساء بالعودة للاعتماد على البيلون نظراً لفوائده المتعددة ورخص ثمنه قياساً ببقية أنواع الشامبو ومستحضرات التجميل.
روان الحلو (٢٥) عاماً، مصابة بمرض الصدف الجلدي في رأسها ووصف لها الطبيب استعمال البيلون أثناء الحمام بشكل متواصل، ولكنها بحثت عنه طويلاً قبل أن تجده أخيراً في إحدى المحلات.
 تقول روان الحلو "يؤسفني عدم توفر البيلون بشكل أكبر داخل الأسواق رغم أهميته الطبية الكبيرة، فأنا لم أشعر بتحسن إلا بعد استخدامي للبيلون، لقد كان علاجاً فعالاً".
ورغم تضاءل الطلب على البيلون مع مرور الزمن نتيجة ظهور منافس له من مواد صناعية تجميلية، مازالت نازحات في إدلب تمضين في رحلة البحث عنه وجعله مصدر رزق لهن رغم كل الصعوبات والتحديات.