"وطن الأم لازم يلم" مسرحية تسلط الضوء على القوانين التمييزية في لبنان

في ظل استمرار الجدل القانوني والاجتماعي حول حرمان النساء اللبنانيات من حقهن الأساسي في المواطنة، وهو نقل الجنسية لأبنائهن، جاء العرض المسرحي "وطن الأم لازم يلم" ليضع هذه القضية في الواجهة من جديد.

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ طرح العرض المسرحي "وطن الأم لازم يلم"، أسئلة جوهرية حول العدالة والمساواة، ودور التشريعات في تكريس التمييز، وشكل منصة إنسانية وحقوقية سلطت الضوء على معاناة آلاف الأمهات وأبنائهن نتيجة قوانين تمييزية قائمة على أساس الجندر.

شهد مسرح التيرو في العاصمة اللبنانية بيروت، أمس السبت 13 كانون الأول/ديسمبر، عرض مسرحية بعنوان "وطن الأم لازم يلم"، من قبل جمعية Offbeat"" بالتعاون مع "Lebanese Spotlight".

وقد سلطت المسرحية الضوء على قضية حرمان الأمهات اللبنانيات المتزوجات من أجانب من حق أساسي من حقوق المواطنة، وهو منح الجنسية لأبنائهن، وقد نجح المشاركين فيها في تقديم الشخصيات بصورة مؤثرة وصلت بوضوح إلى الحضور. 

ويأتي هذا العرض ضمن سلسلة أعمال مسرحية تنفذ في إطار قضايا حقوقية واجتماعية في عدة دول، من بينها لبنان، الأردن، مصر، تونس، البرتغال ورومانيا. 

وقدم العرض المسرحي مشهداً محورياً من خلال شخصية القاضية "مريانا"، التي وقفت أمامها أربع نساء يروين معاناتهن مع التمييز الناجم عن زواجهن من أجانب، وتنوعت الشهادات بين صعوبات الحصول على عمل، حرمان الأبناء من الالتحاق بالمدارس، وصولاً إلى الهجرة القسرية بحثاً عن فرص خارج البلاد بعد منع أولادهن من العمل داخل لبنان الذي نشأوا فيه. 

المسرحية طرحت أسئلة جوهرية ورسائل متعددة حول العدالة والمساواة، ودور التشريعات في تكريس أو إزالة التمييز القائم على أساس الجندر، وأعقب العرض نقاش مفتوح بين فريق العمل والجمهور، تناول القضايا التي أثارتها المسرحية من زوايا إنسانية وحقوقية وسياسية واجتماعية، في محاولة لتغيير السردية السائدة والمساهمة في تشكيل مستقبل أكثر إنصافاً. 

 

المسرح منصة للعدالة والمساواة

وعلى هامش العرض المسرحي، أكدت مديرة حملة "جنسيتي لي ولأسرتي" كريمة شبو أن العمل جاء بهدف تغيير السردية وكسر النمطيات المرتبطة بقضايا يعتبرها البعض حساسة، مثل حق المرأة اللبنانية في نقل جنسيتها لأبنائها. 

وأوضحت أن المسرحية، رغم بساطة أدواتها، حملت عمقاً كبيراً أظهر تنوع الانتماءات، مشددة على أن المعاناة واحدة لدى الأمهات والنساء نتيجة حرمانهن من منح الجنسية لأبنائهن، مشيرةً إلى أن أبرز النقاط التي يجب التركيز عليها هي تصحيح الأخطاء الشائعة، إذ غالباً ما يربط الحديث عن حق الأم اللبنانية في منح الجنسية لأبنائها بملفات النزوح واللجوء، في حين أن القضية تتعلق بحق أصيل لمواطنة لبنانية، بغض النظر عن جنسية الزوج، في أن تكون الجنسية حقاً لأسرتها وأطفالها. 

ولفتت إلى أن بعض المداخلات أظهرت رفضاً لمنح النساء اللبنانيات حق نقل الجنسية لأبنائهن بحجة ضيق وضع البلاد وصغر حجمها، معتبرة أن هذا الطرح ينطوي على انتقاص من حقوق النساء. 

وأكدت أن الأمهات لا يتسولن حقوقهن ولا يطلبن امتيازات مثل التعليم المجاني، بل يطالبن بحق أصيل يقوم على مبدأ المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات، معتبرة أن القضية تتطلب معالجة جذرية للقوانين التمييزية التي تفرض على النساء وأبنائهن معاناة يومية، واصفة ذلك بأنه "عنف مضاعف". 

وأضافت أن أي حديث عن استثناءات تتعلق بجنسيات معينة، مثل منع حصول أبناء المتزوجات من سوريين أو فلسطينيين على الجنسية، يمس بمفهوم المواطنة والإنسانية ويعد عنصرية "لبنان قد وقع على اتفاقية مناهضة ومكافحة العنصرية التي تجرم مثل هذه الممارسات، إذاً الحق في الجنسية للنساء اللبنانيات لا يقبل الخيارات، بل هو حق واحد وواضح المساواة الكاملة مع الرجل في القانون وتحت سقف القانون".


         


        

أمهات بين حرمان ومعاناة

وعن تجربتها الشخصية قالت نهاد بيومي، وهي ابنة أم لبنانية وأب فلسطيني، إنها حصلت على شهادة الحقوق من إحدى الجامعات اللبنانية لكنها لم تتمكن من الانتساب إلى نقابة المحامين بسبب جنسيتها. 

وشددت على أهمية القضية المطروحة في العرض المسرحي، سواء من الناحية القانونية أو السياسية أو الاجتماعية، موضحة أن حرمان الإنسان من جنسيته ومن ثم من حق العمل يدفعه إلى أن يكون خارج إطار القانون بشكل أو بآخر، ما ينعكس سلباً على المجتمع "الدستور اللبناني ينص على المساواة بين المرأة والرجل والحرية الشخصية في الزواج، إلا أن القوانين التمييزية المتعلقة بمنح الجنسية تحرم الأفراد من هذه الحقوق الأساسية". 

وأوضحت أن المشكلة لا تقف عند الجانب القانوني، بل تمتد إلى المستوى الإنساني والشعبي، حيث يتعرض الأشخاص لتمييز عنصري أو طائفي لمجرد انتمائهم إلى جنسية معينة "الحل يكمن في الدفع نحو انسجام القوانين بما يتناسب مع هذه المعطيات، لضمان حق كل إنسان في الجنسية والعمل وصون إنسانيته". 


         


        

"الجنسية حق للنساء لا امتياز" 

وأعربت الناشطة والإعلامية النسوية مريم ياغي عن تقديرها لكاتب المسرحية ومخرجها على هذا العمل المسرحي المميز في هذه المرحلة الحساسة، مشيرة إلى أن القضية التي يطرحها العمل تعكس التعنت المستمر تجاه حق أساسي للأمهات والنساء اللبنانيات، وهو حق منح الجنسية لأبنائهن وأزواجهن غير اللبنانيين. 

وتابعت "نجتمع اليوم لمتابعة هذا العمل الفني، فيما قبل أسبوعين فقط منح رئيس الفيفا الجنسية اللبنانية تكريماً لدوره الرياضي، في الوقت الذي تحرم فيه الكثير من اللبنانيات من هذا الحق لمجرد أنهن اخترن الزواج من غير لبنانيين. إن هذا القرار يمس جوهر السيادة الشخصية للمرأة على حياتها وخياراتها". 

وتساءلت "إلى متى سنظل نطالب بهذا الحق البديهي؟ حق المرأة في أن تقرر من تتزوج ومتى تختار شريك حياتها، بينما يمنح هذا الحق في لبنان على شكل هدايا انتخابية أو مراسيم تشريفية لأجانب يسعى بعض النافذين إلى استرضائهم أو منحهم امتيازات معينة. من المعيب أن نناقش هذه الأساسيات اليوم، في حين أن الرجل اللبناني يستطيع أن يمنح الجنسية لزوجته الأجنبية بسهولة، بينما تحرم المرأة من ذلك، وهو حق طبيعي لكل إنسان، وغيابه يتناقض مع الدستور اللبناني الذي ينص على المساواة بين المرأة والرجل في دولة القانون والمؤسسات". 

وأشارت إلى تجربتها الشخصية قائلة "أنا كأم لبنانية لدي ابنة من زوج عراقي سابق، كنت أسترجع خلال حضوري المسرحية حجم الانتهاكات التي تتعرض لها النساء بسبب قوانين الأحوال الشخصية، وهو ما عشته أنا شخصياً، فقد واجهت مشكلة في تسجيل ابنتي في المدرسة لأنها لا تحمل الجنسية اللبنانية، حتى أن إحدى المدارس اتصلت بي لتخبرني بأنها لا تستطيع قبولها لأنها تعتبر أجنبية، ورغم أنني تمكنت من الحصول على إقامة لها أجددها بشكل دوري، إلا أن هذه مجرد واحدة من سلسلة طويلة من الانتهاكات التي تواجهها النساء في لبنان".

وأكدت على أن "المسألة ليست مجرد عرف اجتماعي أو سردية ثقافية، بل هي قوانين وقرارات رسمية تصدر عن مؤسسات الدولة، تضع المرأة في موقع العقوبة لمجرد أنها مارست سيادتها على حياتها"، لافتةً إلى أنها تؤمن أن الفن والنشاط النسوي والحراك في الشارع، إلى جانب التشريعات، يمكن أن تغير هذه السردية.


         


        

المساواة حق دستوري مغيب

وقالت جيهان أبو عابد إحدى الحاضرات في المسرحية "موضوع المسرحية يعني لي الكثير وقد شدني لحضورها، لأنني أعيش المعاناة نفسها التي تطرحها، أنا أطالب بأن يمنح للمرأة اللبنانية الحق في إعطاء الجنسية لأولادها. والدتي مصرية ووالدي فلسطيني وصل إلى لبنان وهو في عمر شهرين عام 1948، وبقيت والدتي في لبنان 55 سنة بإقامة سنوية. لاحقاً تزوجت من رجل ألماني، فحصلت ابنتي على الجنسية الألمانية، كما يمكنها أن تنال الجنسية المصرية لأن والدتي تستطيع منحي الجنسية المصرية". 

وتابعت "لكن بعد زواجي من لبناني وحصولي على الجنسية اللبنانية، لم أتمكن من منح ابنتي هذه الجنسية، رغم أنني أعيش هنا طوال حياتي ولدي أبناء لبنانيون منه، المفارقة أنني أستطيع أن أمنح أولادي اللبنانيين الجنسية المصرية، رغم أنهم لم يزوروا مصر يوماً، بينما لا أستطيع أن أمنح أختهم الجنسية اللبنانية".