تونسيات: القانون الانتخابي الذي أقصى النساء وخفض تمثيليتهن يجب أن يتغير

ترى حقوقيات تونسيات أن القانون الانتخابي التونسي الذي قلص من نسبة تمثيلية النساء بشكل واضح في المجالس المنتخبة وقضى على مبدأ المناصفة أبرز مكاسب الثورة، يجب أن ينقح ويعاد النظر فيه بشكل مستعجل.

زهور المشرقي

تونس ـ يتخوف المجتمع المدني في تونس من استمرار غياب تمثيلية واسعة للنساء في المجالس المنتخبة، ويعتبر أن المرأة التي كانت شريكة الند للند مع الرجل في الثورة من حقها أن تكون موجودة بقوة في مراكز صنع القرار باعتبارها الوحيدة القادرة على طرح مشاكلها وإيصالها للسلطة.

أكد مرصد شاهد المختص في مراقبة الانتخابات، أنه مصر على دعم التحولات الديمقراطية في تونس عبر مراقبة الانتخابات وبناء المؤسسات الدستورية، وقد راقب منذ عام 2011 مختلف المحطات التي عاشتها تونس على غرار الانتخابات التشريعية 2014 والانتخابات البلدية 2018 وانتخابات 2023 ويستعد لمراقبة الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وعبرت الجمعيات السبع العاملة تحت مرصد شاهد عن استمرار رفضها للقانون الانتخابي المنقح عام 2021، الذي يرى فيه مخالفة للمعايير الدولية وإقصاء لوجود وتمثيلية النساء في المجالس المنتخبة والذي أنتج مجالس محلية وأقاليم ذكورية وبرلمان لم تتجاوز فيه نسبة وجود النساء 10% بعد أن تجاوزت عتبة الـ 35% عام 2014، كأعلى نسبة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.

وبناءً على تلك النقائص قدم المرصد وجمعياته الشريكة مسودة مشروع لتنقيح القانون الانتخابي الحالي بما يضمن مشاركة فاعلة للنساء وإعادة النظر في البعض الفصول التي لا تخدم تكافؤ الفرص بين الجنسين.

وقالت الحقوقية والخبيرة القانونية غادة جمل لوكالتنا، إن مرصد شاهد قدم مسودة وتوصيات بعد اجتماعات جوية مكثفة هدفها وضع توصيات لصياغة قانون مشروع انتخابي جديد يحقق طموحات مختلف الأطراف والفئات، دون إقصاء لأي طرف، معتبرةً أن القانون الأساسي رقم 16 لعام 2014 تم تنقيحه في ست مناسبات، أربع منها كانت بمقتضى مراسيم ولوحظ عبرها أن هذا القانون حسر نصيب النساء في الترشح لأن القانون الحالي وضع جملة من الشروط المجحفة والتعجيزية لهن من بينها شرط الـ 400 تزكية التي تطالب بها لتجميعها وامضائها في البلدية وتقديمها للهيئة العليا المستقلة للانتخابات ليحظى المطلب بالقبول.

وعن شرط التزكيات بالنسبة للنساء، أشارت إلى أنه "شكل صعوبة كبرى أمامهن خصوصاً المترشحات في الأوساط الريفية، خاصة وأن التزكيات جاءت تقسيمها بالتناصف بين مزكيين رجال ومزكيات نساء، وهذا كان قد وضع أمامهن حواجز كثيرة للترشح، بالتالي في المسودة طالبنا بتخفيض التزكيات إلى الخمسين تزكية ومراعاة النساء خاصة حتى تكن حاضرات بقوة".

واعتبرت غادة جمل أنه حان وقت التفكير بصوت مسموع بين مكونات المجتمع المدني لإعادة تدعيم حضور النساء خاصة بعد هذا التراجع المقلق في تمثيلتهن بدءً من البرلمان الحالي إلى المجالس المحلية والأقاليم، لاسيما وأن إشراك النساء هو خدمة لقضاياهن، داعيةً إلى ضرورة قبول هذا التصور الانتخابي الجديد لتقوية حظوظ الفئات المهمشة من نساء وشباب وذوي الإعاقة، لافتةً إلى أنه "حين صياغة تصور قانوني جديد لدعم حظوظ النساء لاعتبارهن من الفئات الهشة التي تحتاج الدعم، لا ننسى أننا في سنة انتخابية بمعنى أن إمكانية تنقيح القانون غير مطروحة هذه السنة، نحاول معاً لبناء ديمقراطية تشاركية تنفع بلادنا مستقبلاً".

 

 

بدورها قالت أحلام القروي، منسقة المركز التونسي المتوسطي، إن ثورة 2011 أعطت الأمل للنساء بالمشاركة في الحياة السياسية والمجتمع المدني إلا أن تلك المشاركة بقيت محدودة بالرغم من أن مشاركتها كانت مظهر من مظاهر ممارسة الديمقراطية والمواطنة وجزء مهم من عملية الاصلاح السياسي في تونس، وقد مكنت الثورة من تسويق صورة متميزة عن النساء في المنطقة ككل من ناحية التشريعات والحقوق المتطورة مقارنة بدول أخرى  إلا أنه بعد 13عاماً لازال حضورها ضعيفاً ودون المأمول وقد تقلصت نسبة مشاركتهن مقارنة بـ 2011 في المجالس المنتخبة بشكل ملحوظ، وقد بلغت نسبة 30% في برلمان 2011 وتجاوزت الـ 33% في الفترة بين عامي 2014 و2019، وفي الانتخابات التشريعية لسنة 2019 بلغت حوالي الـ 24% لكن لم تتجاوز نسبة مشاركتها في آخر انتخابات الـ 10%، ما يفتح باب التساؤل إن كان التراجع "سياسي" أو اجتماعي.

وأرجعت أحلام القروي ضعف التمثيلية إلى ضرب مبدأ التناصف في القانون الانتخابي الجديد وحرمان النساء من التمويل العمومي الذي حد من تكافؤ الفرص بين الجنسين، إضافة إلى غياب الإرادة الحقيقية من أصحاب القرار لتمكين النساء للوصول إلى مناصب سياسية ومناصب صنع القرار، مشيرةً إلى انعدام تشجيعهن للترشح في المناصب السياسية على غرار البرلمان والمجالس المحلية وغيرها، علاوةً على انعدام المساواة في النفاذ الاجتماعي بين الجنسين ما يقلص نسب إقبالها على التصويت والمشاركة كناخبة حيث أنه ليس بمقدورهن التواجد في مختلف المناطق التي تحدث فيها الحملات الانتخابي كالمقاهي الشعبية أو بعض الأماكن العامة في أوقات متأخرة.

وأفادت بأن التهميش الاقتصادي أيضاً من أسباب غياب المرأة، فضلاً عن تفشي العنف بشكل وبائي في السنوات الأخيرة، مذكرةً بالعنف المادي والنفسي والتشويه الذي عاشته المترشحات في انتخابات عام 2023، حيث تعرضن للهرسلة وقد بلغ حد مسهن لأسرهن وأطفالهن وهو ما من شأنه أن يحد من مشاركتهن خوفاً من هذه الأساليب الذكورية القمعية لمنعهن من ممارسة حقهن المضمون بالدستور.

ولفتت إلى أن سلوك النساء إلى اليوم تنظمه قواعد اجتماعية، حيث لا تملكن حرية ممارسة حقهن بعفوية، إضافةً إلى كثرة المحطات الانتخابية المتتالية التي شوشتهن "بعضهن تصوتن ولا تعرفن نوع هذه الانتخابات، محلية أو برلمانية، تصوتن فقط لدعم شخصية ما من منطقتهن دون أي دراية".

وعبرت أحلام القروي عن أملها في ضمان مشاركة فاعلة للنساء في المحطات المقبلة، داعيةً السلطة التشريعية إلى مراجعة المراسيم المتعلقة بالانتخابات والإصرار على مبدأ التناصف لدعم مشاركة النساء ووجودهن في المناصب السياسية مهما كان نظام الاقتراع، إضافة إلى ضرورة العودة إلى نظام التمويل العمومي للمترشحات مع إقرار نظام استرجاع المصاريف لحماية المال العام وتشديد العقوبات الجزائية على مرتكبي العنف السياسي في كامل مراحل المسار الانتخابي، فضلاً عن عقد اجتماعات خاصة بالنساء بهدف الاطلاع على التشريعات والمبادرات السياسية.