مجزرة سيفاس... النار التي لا تزال مشتعلة منذ 31 عاماً

يقولون "الجبل لا يتحمل الألم"، أولئك الذين شهدوا أحبائهم يُقتلون في هذه الأراضي ينتظرون العدالة بالنار التي تحرق قلوبهم، وما يجعلهم أقوى من الجبل هو المقاومة التي لا تستطيع أن تُمحي مجزرة سيفاس من الذاكرة.

ساريا سارينا

مركز الأخبار - لقد مرت 31 سنة بالضبط على مجزرة سيفاس. سُجل يوم 2 تموز/يوليو 1993 في تاريخ تركيا باعتباره تاريخ المجزرة.

قُتل 33 شخصاً من النساء والرجال والأطفال والمثقفين والفنانين في فندق ماديماك في سيفاس. وكانت مجموعة من المثقفين والفنانين والشعراء يتواجدون في سيفاس للمشاركة في برنامج المهرجان الذي يستمر أربعة أيام لحضور مهرجان بير سلطان عبدال.

 

أكبرهم يبلغ من العمر 66 عاماً وأصغرهم 12 عاماً

وكان أكبر الأشخاص الـ 33 هو عاصم بيزرجي، البالغ من العمر 66 عاماً، بينما الأصغر بين المجموعة هو كوراي كايا البالغ من العمر 12 عاماً، والذي ذهب إلى سيفاس لحضور عرض فولكلوري، ولقي بعضهم حتفهم غرقاً وآخرون بسبب النيران التي أشعلتها مجموعة إسلامية متطرفة في فندق ماديماك الذي كانوا يقيمون فيه.

الإرهابيين أرادوا قتل جميع من في الفندق وانتظروا من يخرج حياً ليقتلوه وتم رمي الفندق بالحجارة حتى تحطمت نوافذه وفي النهاية اجتاحت النيران المكان.

 

لقد كان كل ذلك زهرة نضرة

النساء كن في سيفاس لحضور مهرجانات بير سلطان وكان عثمان سيفري الذي يبلغ من العمر 16 عاماً فقط قد حصل على مكافأة عمله المكثف وأصبح مدرساً في سن السادسة عشرة وكان يدرس نحو 100 شخص في ثلاث مجموعات.

وكانت بلقيس شاكر تبلغ من العمر 18 عاماً وقد اجتازت الامتحانات الجامعية في قسم إدارة الأعمال بكلية العلوم الإدارية، وكانت مسؤولة عن القبول في الجمعية، فيما كان عمر أوزليم شاهين 17 عاماً فقط وقال من عرفها "كانت فتاة دودة، مليئة بحب الناس تتمتع بشخصية واثقة من نفسها ومريحة وتحب الضحك ومن أهم خصائصها أنها تتحدث بسرعة وبشكل مستمر وبطلاقة وبمجرد أن تبدأ الحديث لا تتوقف". وكانت كارينا جوانا الهولندية طالبة جامعية تبلغ من العمر 23 عاماً جاءت إلى تركيا للبحث عن المرأة والثقافة العلوية، وكانت أديبة سولاري البالغة من العمر 40 عاماً تعيش في بازل وتحضر جميع فعاليات الثقافة البكتاشية ومجمعات أهل البيت والمؤتمرات التي تعقد في تركيا.

وعملت غولندر أكشا في جمعية للثقافة والتضامن عندما كان عمرها 18 عاماً ولشغفها بالفولكلور أسست جمعية أبحاث سماح الأناضولية (ASAT)، فيما وُلدت جولسون كارابابا في سيفاس ديفريجي وكان عمرها 22 عاماً عندما قتلت في العملية الإرهابية، وكانت واحدة من أربع شابات شاركن في فعاليات بير سلطان عبدال الثقافية من جناح جمعية Divriği الثقافية. والتحقت هاندان ميتين، البالغة من العمر 20 عاماً، بكلية التربية بجامعة METU، قسم الأحياء في عام 1992 كانت تعمل في اللجنة النسائية لجمعية ديفريجي الثقافية. وكانت حورية أوزكان تبلغ من العمر 22 عاماً، وتخرجت من الثانوية كطالبة متفوقة وتخرجت من كلية الصيدلة بجامعة غازي، وكانت تشارك في أنشطة جمعية بير سلطان العبدلي وكانت في فريق سماح مع أختها يشيم. وتخرجت إنجي تورك من كلية الصيدلة بجامعة غازي عام 1992 وكانت عضو في الجهاز الفني لفرقة بير سلطان العبدلي المسرحية، وقدمت مينيكشي كايا، عرضاً مسرحياً في مهرجانات تورهال توكات، أماسيا، جوموشان، كما قدمت عرضاً في إسطنبول وإزمير وأنقرة.

 

لم يتدخل أحد لوقف المجازر

ولم يتدخل أحد لمواجهة الإرهابيين رغم وجودهم أمام الفندق لساعات ووصلت فرقة الإطفاء في وقت متأخر إلى مكان الحادث لإخماد الحريق حيث كان الوقت قد فات بالفعل للتدخل وجادل السياسيون في تلك الفترة بأن المجزرة التي شارك فيها آلاف الأشخاص وتم توجيههم، كانت معزولة. وبينما قالت رئيسة وزراء تلك الفترة تانسو تشيلر "الحمد لله أن أهلنا خارج الفندق لم يصابوا بأذى"، اعتبر رئيس تلك الفترة سليمان ديميريل أن الحادثة معزولة. هناك استفزاز كبير ونتيجة لهذا الاستفزاز أصبح الناس مضطربين وبذلت القوات الأمنية قصارى جهدها ولا يوجد صراع بين المجموعات المتعارضة. مضيفاً أن "هناك خسائر في الأرواح نتيجة احتراق فندق".

 

كيف سارت إجراءات المحكمة؟

لقد أظهرت التصريحات التي تم الإدلاء بها بعد المجزرة في الواقع كيف ستسير المحاكمة المحتملة، وتم اعتقال 35 شخصاً وبعد ذلك بلغ عدد المعتقلين 190 شخصاً وبعد هذا الاعتقال مباشرة، تم إطلاق سراح 66 شخصاً وحوكم الباقون لمدة عام في محكمة أمن الدولة بتهمة "محاولة تغيير النظام الدستوري العلماني وإقامة دولة دينية". وأسفرت المحاكمة التي عرفها التاريخ باسم "محاكمة سيفاس" عن الحكم على 22 متهماً بالسجن 15 عاماً، والحكم على 3 متهمين بالسجن 10 سنوات، والحكم على 54 متهماً بالسجن 3 سنوات، والحكم على 6 متهمين بالسجن لمدة عامين، وتمت تبرئة 37 ممن حوكموا.

ألغت المحكمة العليا قرار DGM وتقرر إعادة محاكمة المتهمين وفي القرار الجديد الذي تمت الموافقة عليه في عام 1998، حُكم على 33 متهماً بالإعدام، وحكم على 14 متهماً بالسجن لمدد تصل إلى 15 عاماً، لكن أحكام الإعدام ألغيت بسبب عيوب إجرائية. وصدرت أحكام بالسجن المؤبد على 33 متهماً، حكم عليهم بالإعدام مرة أخرى عام 2000، بعد إلغاء عقوبة الإعدام عام 2002 وأصبح العديد من الأشخاص الذين كانوا محاميين للمتهمين في ذلك الوقت فيما بعد أعضاء في البرلمان من الأحزاب اليمينية والمحافظة، بل وتم تعيينهم في مناصب وزارية ومع مرور الوقت، وصل عدد السجناء إلى 33 شخصاً.

وقد هرب 8 متهمين، كانوا معروفين بالشخصيات الرئيسية في مجزرة سيفاس، بعد صدور قرار الإلغاء في عام 1997. وكان من بينهم عضو المجلس البلدي لسيفاس كافي إرتشاكماك، المتهم الأول في القضية، وزُعم أنه توفي بنوبة قلبية في سيفاس في عام 2011.

 

قرار التقادم

بحلول عام 2014، كانت مجزرة سيفاس قديمة. لقد تم إغلاق ملف القضية بأكمله. وعندما طالبت المنظمات والأحزاب غير الحكومية بـ "إلغاء سقوط التقادم على الجرائم ضد الإنسانية"، قال رئيس المحكمة "لا يوجد سقوط بالتقادم على الجرائم ضد الإنسانية، لكن بما أن مرتكبي هذه الجريمة هم مدنيون، فلا يجوز التقادم على المسؤولين العموميين "فقد تقرر رفض القضية". وقيل إنه في الملف الأخير، صدر قرار بحق 3 متهمين هاربين العام الماضي. وقررت المحكمة إسقاط القضية.

وفي أعقاب المجزرة تم الاحتجاج على افتتاح محل كباب في الطابق الأرضي من فندق ماديماك. وعلى إثر ردود الفعل، تم إغلاقه عام 2010 وتم تأميم المنطقة كفندق، وفي عام 2011، تم تحويل المبنى إلى "مركز سيفاس للعلوم والثقافة".

 

النار أصبحت أكثر سخونة

دخلت مجزرة سيفاس في التاريخ باعتبارها واحدة من أكثر المذابح وحشية التي ارتكبها المتطرفون في تاريخ الجمهورية التركية، إلا أن هذه المجازر لن تكون الأخيرة. وبعد ذلك، أضيفت مجازر جديدة على يد الجماعات المتطرفة المدعومة والمعروفة باسم حزب الله وداعش وتم استهداف العلويين والنساء والإيزيديين والأطفال والمعارضين وأولئك الذين يريدون السلام، والذين توجوا الحكومة بـ "نظام الرجل الواحد" وحاولوا التغطية على المجازر بتدخلهم في القضاء، ولقد مرت 31 سنة بالضبط على مجزرة سيفاس. خلال هذه السنوات لم تكن هناك عملية محاكمة من شأنها أن تريح قلوب الناس ولو قليلاً. على العكس من ذلك، أصبحت النار المشتعلة في قلوبهم أكثر سخونة. وبينما ترك الذين رحلوا وراءهم القصائد والكتابات والأغاني ونضالاتهم، فإن أولئك الذين بقوا يتذكرون دائماً سيفاس بالمقاومة.