طفولة في خطر... التعليم في مواجهة الفقر والإهمال
يعاني الأطفال في إيران من حرمان تعليمي بسبب الفقر وغياب الدعم الحكومي، حيث تُثقل العائلات بتكاليف باهظة دون خدمات مناسبة، ما يدفع البعض للعزوف عن الدراسة، الإهانة، الانقطاع عن التعليم.

سنه ـ في مطلع شهر آب/أغسطس من كل عام، تواجه العديد من الأسر، ولا سيما ذات الدخل المحدود، تحديات كبيرة مع بدء تسجيل الطلاب في المدارس، إذ تشكل التكاليف الدراسية عبئاً إضافياً يعوق هذه العائلات عن تلبية احتياجاتها اليومية الأساسية، ورغم أن التعليم المجاني يُعد من أبسط الحقوق التي يفترض بالحكومة توفيرها، إلا أن تطبيقه غالباً ما يكون ناقصاً وغير مسؤول، مما يزيد من معاناة المواطنين في هذه الفترة الحساسة.
تُجبر العائلات على تحمل نفقات متعددة، منها شراء الكتب، الزي المدرسي، دفع رواتب العاملين، رسوم التسجيل، التأمين، وغيرها من المصاريف المتعلقة بالسنة الدراسية، هذا الضغط المالي يدفع بعض الأهالي أحياناً إلى العزوف عن إرسال أطفالهم إلى المدرسة، وتزداد هذه الظاهرة عاماً بعد عام، وتكون أكثر حدة في أطراف المدن.
أسعار الكتب ارتفعت في السنوات الأخيرة بأكثر من 100%، دون تغييرات كبيرة في محتواها، مما يُجبر العائلات على شرائها في كل عام، هذا العبء المالي لا يقتصر على المراحل الدراسية العليا، بل يشمل حتى مرحلة ما قبل المدرسة، حيث تصل رسوم التسجيل إلى مبالغ طائلة، كما أن شروط التقسيط غالباً ما تكون قصيرة الأجل، ولا تتجاوز ثلاث دفعات، وهو ما تعجز كثير من العائلات عن دفعه.
حول مشاكل التعليم التي تواجهها العائلات تقول معصومة محمدي لديها ثلاثة أطفال في المدرسة "نحن نعيش في نايَسَر، أحد أحياء أطراف مدينة سنه، المدارس الحكومية في هذه المنطقة من حيث النظافة والخدمات في أدنى مستوى، لكن التكاليف مماثلة لتكاليف المدارس في الأحياء الراقية، وهذا غير منطقي".
وبشأن رسوم التسجيل، أوضحت "تسجيل ابنتي وابني في الصف السادس والرابع كلفنا مبالغ طائلة، لكن هذه مجرد بداية للنفقات، فهناك الزي المدرسي، الكتب، وغيرها من المصاريف التي تُطلب منا طوال العام تحت ذرائع مختلفة دون أي مرونة، كل هذا وضعنا في ضائقة مالية".
وقالت "نحن مستأجرون، وزوجي عامل، وأنا لا أستطيع الحصول على عمل ثابت بسبب مسؤوليتي عن الأطفال، ومع ذلك أحياناً أعمل في الحياكة وتحضير المخللات ونذهب إلى الحقول في موسم حصاد الحمص والورد، لكن لا شيء من هذه الأعمال يغطي حتى جزءاً بسيطاً من احتياجاتنا، الأطفال غالباً مرضى وقد أصيبوا بسوء التغذية".
وأكدت أن "سوء الظروف المعيشية جعلني أعاني من الاكتئاب، لكن لا يمكنني حتى التحدث عن مرضي، لأنني مسؤولة عن أسرة مكونة من ثمانية أفراد، وليس لديّ الوقت في التفكير بنفسي".
وأضافت "والدتي بسبب الاكتئاب وإدمان والدي ليس لها أحد سواي ونعيش معاً، أنا وزوجي علينا دفع إيجارين. في مثل هذه الظروف، يمكن أن تكون تكاليف المدرسة بمثابة الضربة القاضية، فهذا العام، يجب أن أدفع اثني عشر مليون تومان لتسجيل ابنتي في مرحلة ما قبل المدرسة، وهو أرخص سعر في نايَسَر، بينما تصل الأسعار في بعض المدارس الأخرى إلى ثمانية عشر مليوناً، كما أن مرحلة ما قبل المدرسة إلزامية ولا يمكن التسجيل في الصف الأول بدونها، وبما أنني لا أستطيع توفير هذا المبلغ قررت أن أُعلّم ابنتي في المنزل".
وأشارت معصومة محمدي أيضاً إلى أنه "إذا نشبت ظروف حرب، فقد أعلنت المدارس أن التعليم سيكون عبر الإنترنت، وهذه مشكلة أخرى؛ يجب علينا تثبيت تطبيق "شاد" وامتلاك هاتف ذكي، وهو ما لا يملكه أي من الأطفال، التعليم عن بُعد يعني أن نصف الأنشطة يجب أن تُنجز في المنزل، ويتطلب أمّاً ذات مستوى تعليمي كافٍ، بينما أنا أملك معرفة محدودة فقط".
وعن التكاليف الأخرى للمدرسة قالت "بالنسبة لابنة أختي التي تدرس في الصف السادس، كان علينا دفع 45 ألف تومان شهرياً العام الماضي كأجر للبواب، رغم أننا لسنا ملزمين بدفع راتبه، وهذه الرسوم تُجمع من 500 طالب في المدرسة، وخلال العام الحالي طُلب منا دفع مبالغ للمساعدة في المدرسة، إصلاح الأدوات، يوم المعلم والمناسبات الأخرى، هذا الضغط المالي ثقيل جداً علينا، خاصة أننا لا نملك أي مصدر دخل، حتى الأطفال لا يملكون ملابس أو تغذية مناسبة، وتعرضوا مراراً للإهانة في المدرسة، ومع ذلك فهم ناجحون ومتحمسون للتعلم".
وعبرت عن أملها بالقول "وسط هذه الصعوبات أتمنى مواصلة الأطفال لتعليمهم، إذا اضطروا لترك المدرسة، فلن أسامح نفسي أبداً، حتى الجمعيات الخيرية لم تعد تقدم المساعدة؛ كانوا يمنحوننا أدوات مدرسية، لكنهم الآن يقولون إن عدد العائلات كبير ولا يمكنهم مساعدة الجميع، الحذاء، الحقيبة، والملابس الجديدة أصبحت حلماً".
وعن الحلول والدعم، أكدت أنه "إذا قدمنا شكوى يقولون لنا أن نسلم الأطفال إلى مؤسسة الرعاية الاجتماعية، لا يمكننا فعل ذلك كما أنهم سيتعرضون لأذى نفسي كما أن مؤسسة الرعاية لا تقدم أي دعم ويقولون إنكم الأوصياء ولا تستحقون شيئاً، قبل عدة سنوات كانت اللجنة التابعة للمؤسسة تقدم بعض المساعدة، لكنها أوقفتها أيضاً".
ولفتت إلى أنه "أحياناً أشعر أن هذه الصعوبات والعراقيل متعمدة، هناك آلاف العائلات مثلنا، لماذا لا تحظى بدعم الحكومة؟ الأطفال يُجبرون على ترك التعليم، وفقط قلة قليلة يمكنهم الاستفادة من حق التعلم".