رسائل نساء الشرق الأوسط إلى القائد أوجلان: الحرية لا تُسجن والأفكار لا تموت ـ 2
رسائل نسائية عربية موجهة للقائد عبد الله أوجلان، تعبر عن تقدير واسع لفكره حول الحرية والعدالة، خاصة في قضايا المرأة، وتبرز هذه الأصوات النسائية لتشيد بمشروعه الفلسفي، وتعتبره مصدر إلهام في مواجهة التهميش وبناء السلام، رغم السجن.

مركز الأخبار ـ في مبادرة تعبر عن وحدة النضال النسائي وتضامن الشعوب، أرسلت نساء من دول مثل مصر واليمن رسائل خاصة إلى القائد عبد الله أوجلان، عبرن فيها عن تقديرهن لدوره في الدفاع عن قضايا الحرية والكرامة، خاصة حرية المرأة، وعن تضامنهن مع نضال الشعب الكردي.
هذه الرسائل التي وصلت إلى القائد عبد الله أوجلان، تحمل توقيع نساء من بيئات وتجارب مختلفة، وتجسد صوتاً مشتركاً يُنادي بالحرية والعدالة وسط مشهد إقليمي يزداد تعقيداً وتوتراً.
نص رسالة ماجدة فتحي رشوان محامية مصرية تومن بالعدل:
إلى القائد عبد الله أوجلان، في عزلتك الطويلة، حيث يُحاصَر الجسد لكن لا يُسجن الفكر، أبعث إليك هذه الكلمات محمّلة بروح التقدير والوفاء، وبدفء الاحترام العميق لنضالك المستمر في سبيل الحرية، والكرامة، والعدالة لكل من سُلبت منه حقوقه، ولكل من يسعى إلى مستقبل تسكنه الإنسانية الحقة.
لقد تجاوز صوتك جدران السجن، وتجاوز صمت الجدران ليصير فكرة تلهم وتوقظ.
رغم العزلة، ظللتَ نبضاً في قلوب الكثيرين، ليس فقط في كردستان، بل في ضمائر كل من ينشد الحرية ويفهم أن السلام الحقيقي لا يقوم إلا على الاعتراف المتبادل، والكرامة، والحوار العادل.
نعلم أن الطريق الذي اخترته ليس سهلاً، وأن ثمن الكلمة الحرة في عالم مضطرب قد يكون القيد، لكنك أثبتّ أن الفكرة لا تُهزَم وإن سُجنت.
نتابع كلماتك من خلف القضبان، ونشهد كيف أصبحت مدرسة في الصمود، في فهم الحرية لا كصرخة غضب، بل كفكر نقدي وبديل إنساني عميق.
دعائي أن يطلق سراحك يوماً، وأن تُفتح نافذة الضوء أمامك من جديد، ليعود الحوار، ولتُستكمل خطوات السلام الحقيقي.
ولتعلم أن كثيرين في هذا العالم، من مختلف الشعوب، يقرئونك، يتأملون في أطروحاتك، ويتعلمون من صبرك وصلابتك.
دمت ثابتاً على مبادئك، ودامت كلمتك.
نص رسالة الصحفية والإعلامية اليمنية ماجدة حمود طالب:
إلى من أعاد تعريف المعرفة، وجعل من المرأة أصلاً للفكر لا فرعاً تابعاً
إلى من كتب عنّا جميعاً، لا من مسافة، بل من عمق الجرح الإنساني ذاته
أكتب إليك هذه الكلمات كامرأة يمنية، وجدت في الجنولوجي (علم المرأة) مفتاحاً لفهم ذاتها وتاريخها، وصوتاً نقياً في زمن اختلطت فيه الحقيقة بالدعاية، والحرية بالضجيج.
حين قرأت ما كتبته في فلسفة الجنولوجي، شعرت وكأنك تكشف ما طُمر طويلاً تحت ركام القمع، وما صُمّت عنه الآذان في بلادٍ كانت مهداً للملكات، ثم تحوّلت إلى مسرح لتهميش النساء، وطمس أدوارهن، واختزالهن في صور ووساطات تخدم الأطراف المتنازعة في صراعات لا تنتهي.
في اليمن، لا تزال المرأة تُقصى من مراكز القرار، وتُزاح عن مواقع التأثير، ويُستدعى حضورها فقط لتجميل واجهات حزبية أو تسويق شعارات دولية. أما الصوت المستقل، الحر، الصادق، فيُترك في الهامش، يعاني من أسوأ الظروف المعيشية وغياب الحماية، ويُهاجم أو يُعزل، لأنه يخرج عن قوالب الخضوع ويطالب بمجتمع ديمقراطي عادل.
أنا أنتمي إلى أرض وُلدت فيها بلقيس وأروى وغيرهن من الملكات، لكن التاريخ الرسمي تعمّد تغييبهن. نُربّى اليوم في ثقافة تمحو من الذاكرة أسماءهن وإنجازاتهن، وتُبقي لنا صوراً باهتة عن الطاعة والهامش والخدمة.
نعيش بين سندان الحرب والنزوح واللجوء، ومطرقة التسلط اليومي، لا نعاني فقط من أعباء الحياة، بل من القريب، من بنى ثقافية واجتماعية قررت أن تُقصي المرأة لا لعجز فيها، بل لأنها قادرة على زعزعة التوازن القائم، وتحريك المياه الراكدة، وبناء صوت للسلام، ومطلب حقيقي للمشاركة والعدالة.
هل تعلم أيها القائد أن اليمن لم تشهد منذ عقود وجوداً فعلياً للنساء في البرلمان؟ وإن وُجدت امرأة أو اثنتان، فهي استثناء لا يعكس الواقع.
هل تعلم أن أصوات النساء من كل المحافظات تصرخ اليوم لا لتطلب امتيازات، بل فقط لتعيش بكرامة، بعد أن كنّ أصواتاً للسلام وصناعة القرار، صرْنَ مشغولات فقط بكيفية البقاء على قيد الحياة؟
المرأة اليمنية لا تزال تقاوم، من أجل الوجود، من أجل الحب، من أجل السلام، من أجل ولادة يمن جديد بعد أن التهمته الحروب، وأفسده الفساد، وحاصرته الذكورية في صراع السلطة، حتى غابت المرأة عن المشهد، وغاب معها جوهر اليمن الطبيعي، اليمن الذي كان سعيداً، وها هو اليوم حزينٌ بصمتها.
قرأت الجنولوجي كمن يقرأ شهادة ولادته من جديد، وأدركت أن تحرر المرأة ليس ترفاً، بل ضرورة لبناء حياة عادلة ومجتمع متين، يليق بتاريخنا ويصون إنسانيتنا.
أدركت أن الخطاب النسائي الحقيقي لا ينطلق من تكرار القوة، بل من إعادة المعنى، من لغة لا تُقصي، لا تُخدّر، بل تكشف وتبني وتعيد للحياة جذورها.
شكراً لك من قلبي، لأنك منحتني هذا النور بعد أن كدت أُطفأ، ولأنك كتبت من داخل التجربة، لا من خارجها، وآمنت أن تحرير المرأة هو بداية لتحرير المجتمع، لا قضية جانبية في صراع المصالح.
نص رسالة عزة محمود علي حسن استشاري بوزارة الثقافة المصرية وباحثة في الشأن العربي والشرق أوسطي:
من قلب امرأة عربية، مصرية، أكتب إليك هذه الكلمات، اليوم، وأنا من أرض الكنانة "مصر" التي كانت عبر التاريخ مهداً للحضارة وموطنًا لكفاح المرأة ، وقد حملتني التجربة، والوعي، والأمل، ودفعتني قراءتي لفكرك الإنساني العميق وتأملاتك الفلسفية بشأن تحرر الإنسان – والمرأة تحديدًا – إلى أن أبعث إليك بهذه الرسالة التي تحمل مشاعر التقدير والإجلال، بصوت نساء كثيرات وجدن في كلماتك معنى الحرية.
لم أكن أعرفك إلا اسمًا في الأخبار، لكنني حين قرأت فكرك، وفهمت فلسفتك عن المرأة، شعرت بأن هناك من رأى الحقيقة كما نعيشها، ومن حلم لنا، ومعنا،
كنت ذلك الرجل الذي لم يبحث عن سلطة على النساء، بل عن حريتهن، لأنك آمنت أن تحرر المجتمع يبدأ من تحرر المرأة، لا من خطابات فارغة، بل من جذور العلاقة بين الجنسين، من التاريخ، من الميثولوجيا، من السلطة التى تتغذى على الذكورية والعنف.
لقد وجدت في مشروعك الفكري والسياسي – رغم ظروف السجن والعزلة – صوتًا مختلفًا عن السائد، وموقفًا صادقًا من قضايا المرأة، ليس باعتبارها هامشًا في المجتمع أو قضية ثانوية، بل باعتبارها جوهرًا في فهم السُلطة، والتاريخ، والتحرر.
لقد استوقفني كثيرًا وصفك المرأة بأنها "أول مستعمرة في التاريخ" ورأيت في كلماتك جرأة فكرية وشجاعة أخلاقية نفتقدها كثيرًا في طروحات الحركات السياسية الكلاسيكية؛ التي طالما تجاهلت موقع المرأة الحقيقي أو اختزلته في أدوار سطحية.
كإمرأة عربية، أتابع عن كثب كيف ألهمت آلاف النساء الكرديات، بل ونساء من شعوبٍ أخرى، في تجاوز الخوف، وبناء الذات، والمشاركة في صنع القرار، لا بوصفهن تابعات، بل بوصفهن شريكات في مشروع تحرري شامل.
لقد عبرت كتاباتك من محبسك عن أفق يتجاوز الجدران، وأظهرت أن الفكر الحر لا يُسجن، وأن من يزرع الوعي لا يمكن عزله عن حركة التاريخ، ومن سجنك وجدت حرية لم نجدها في بلاد حرة، كتبتَ عن الحب، الجمال، الثورة، ووضعت المرأة في مركز الاهتمام، ليست فقط كرمز؛ ولكن ككائن كامل شريك في الفعل والمصير، تجربتك مع رفيقات دربك من النساء؛ اللواتي تحولن من مهمشات إلى قياديات، علمتنا أن الثورة ليست فقط بندقية، بل وعي، وفكر، وإعادة خلقْ.
وإني من موقعي كامرأة وباحثة في مجال الوثائق والتاريخ والثقافة، وككاتبة وشاعرة مصرية، أود أن أقول أن هناك نساء عربيات، من مصر وبلاد الشام والمغرب العربي، وجدن في فكر "عبد الله أوجلان" نبضًا جديدًا، ومنهجًا يستحق التأمل والتبني.
في زمن تتكاثر فيه أشكال العنف، والتهميش، والاستلاب، نحتاج إلى رؤى فلسفية نابعة من التجربة الإنسانية العميقة، تقاوم الظلم بالمعرفة، وتواجه الطغيان بالإرادة، وقد كنت ولا زلت رغم السجن، رمزًا لتلك الإرادة الحرة التي لا تنكسر، وقدوة في تحويل الألم إلى مشروع فكري وإنساني متجدد.
أعلم أن العزلة قاسية، وأن الجدران صمَّاء لكن كلماتك عبرت ووصلت لجميع النساء، اسأل الله أن يثبتك، ويمنحك القوة، وأن يقيض لفكرك أن يبلغ مساحات أوسع في وطننا العربي؛ الذي ما أحوجه اليوم إلى نماذج فكرية صادقة، ترى في الإنسان قيمة عُليا، وفي المرأة طريقًا حقيقيًا للحرية، والعدالة، والسلام. دُمت صوتًا للحرية ووجهًا لثورة لا تموت.
نص رسالة أناهيد قصابيان منسّقة اتحاد المرأة الأرمنية في إقليم شمال وشرق سوريا:
إلى القائد عبد الله أوجلان، صاحب الفكر الحر، وصوت العدالة الجذرية، إليك تحية من شعبٍ يقدّر الفكر لا كسلاح سياسي، بل كمنارة إنسانية.
لقد علّمتنا أن القوة الحقيقية لا تنبع من البنادق، بل من القدرة على تغيير المفاهيم، وأن المقاومة لا تكون ناجحة إن لم تبدأ من نقد الذات، وأن العدالة، حين تُفهم كتحرير للإنسان، تصبح فعلاً ثورياً لا ينكسر.
من هذا المعنى العميق، قرأنا فلسفتكم، ورأينا فيها ما لم نره في أي خطاب آخر:
مشروع يحرّر المجتمعات من الدولة المركزية، ويعيد تعريف السياسة على قاعدة التعدد والكرامة والاعتراف المتبادل، وينصف الشعوب الأصلية التي طُمرت في خرائط الكيانات الوظيفية.
نحن الأرمن، نعرف جيداً ثمن الصمت، ونفهم تماماً ما معنى أن تُمحى من التاريخ، لكننا أيضاً نعرف كيف نعود، وكيف نُبني أنفسنا من جديد.
ولهذا، نعمل منذ سنوات على إعادة صياغة الكيان المدني والسياسي الأرمني، بصمتٍ أحياناً، وبصوتٍ عالٍ حين تدعو الحاجة.
وقد بدأنا الخطوة الأولى ببناء نواة مجتمع أرمني ديمقراطي في إقليم شمال وشرق سوريا، من خلال مؤسسات أرمنية نعتز بها:
المجلس الاجتماعي الأرمني: نسيج مدني يجمع أبناء مجتمعنا في الداخل.
اتحاد المرأة الأرمنية: صوت نسائنا الثائرات اللواتي يرفضن الغياب.
الشبيبة الأرمنية: جيل جديد يرفض التهميش ويتعلّم من الإرث.
دار الثقافة الأرمنية: مؤسستنا التي تحفظ الذاكرة، وتعيد نشر اللغة والفكر والفن الأرمني.
واليوم، نعلن أننا بصدد إطلاق: حزب الاتحاد الأرمني كإطار سياسي مستقل، ديمقراطي، يعبّر عن شعبنا.
والمجلس الوطني الأعلى لأرمينيا الغربية، المظلّة السياسية، الاجتماعية، والثقافية لكل أبناء الأمة الأرمنية في الداخل والخارج، بهدف تنظيم الوجود الأرمني، وتوحيد الموقف، والعمل وفق الشرعية الدولية ومعاهدة سيفر، التي لا تزال في وجداننا وثائق حيّة لم تسقط.
وكان حلمنا، وما زال، أن تكون إقليم شمال شرق سوريا مقراً لهذا الجسم السياسي، لأنها أرض نضال حرّ، ولأنها احتضنت الشعوب الأصيلة بلا تمييز، ولأن فيها حركة كردية ديمقراطية تقف على ذات الأرضية التي نحلم بها:
العدالة، التعدد، والعيش المشترك.
لقد سعينا، وما زلنا، نحو تحالفات عادلة، لا تبعية فيها ولا مساومات على الذاكرة.
فنحن، كأبناء أرمينيا الغربية، لا نقبل التطبيع مع أي نظام قائم على الإنكار، ولا نقبل الدخول في اصطفافات تخالف ضميرنا التاريخي.
بل نبحث عن شركاء يؤمنون بما نؤمن به: أنّ العدالة لا تسقط، وأن الكرامة لا تُجزّأ.
نؤمن أن صوتك، حتى من خلف الجدران، أقوى من كل مؤتمرات الصفقات.
وأن بيانك الأخير للسلام ليس تراجعاً، بل إعلاناً أخلاقياً بأن النضال لا يعني الكراهية، وأن الفكر حين يكون صادقاً، يخلق ممراً من الموت إلى الحياة.
ولهذا، نعتبر أنفسنا حلفاء في المعنى، وشركاء في القيم، ونساءً ورجالاً من ذاكرة المجازر، نقول لك:
إنك لست وحدك.
وإنّ حلمك لن يُحبَس…
ما دام هناك شعوبٌ ما زالت تؤمن أن العدالة تستحق أن تُعاش، وتُحمى، وتُقاتَل من أجلها.