مشروع قانون الأسرة الموحد... أمل جديد للنساء في المنطقة
في خطوة نوعية تبرز في سياق إقليمي يتسم بتحديات اجتماعية وسياسية معقدة، أُعلن عن مسودة قانون أسرة موحد، الذي يمثل أملاً جديداً للنساء في المنطقة.

حنان حارت
المغرب ـ يجمع المشروع بين المراجعة القانونية والحقوقية، ويعد خطوة هامة نحو إقرار تشريعات منصفة وعادلة تأخذ بعين الاعتبار الحقوق الأساسية للنساء، وتحسن وضعهن في إطار الأسرة والمجتمع.
في خطوة نحو تحقيق العدالة الجندرية، نظمت جمعية اتحاد العمل النسائي، يوم أمس السبت 3 أيار/مايو، ندوة صحفية في مدينة الدار البيضاء في المغرب، عرضت خلالها مسودة قانون الأسرة الموحد للبلدان في المنطقة.
وتم خلال الندوة تقديم مسودة القانون التي تهدف إلى تحسين أوضاع النساء في الأسرة وتحقيق المساواة بين الجنسين في التشريعات المتعلقة بالزواج، الطلاق، النفقة، الحضانة.
مساواة وعدالة جندرية... رؤى جديدة للمستقبل
في مداخلتها خلال الندوة، شددت عائشة لخماس، الناشطة النسوية وعضو جمعية اتحاد العمل النسائي، على أن الحركة النسائية المغربية تبقى في صلب الهجوم، رغم كونها واحدة من أكثر الحركات حيوية وتجدداً.
وأكدت أن الحركة النسائية ليست مجرد كيان يناضل في قضايا ضيقة كما يروج له، بل هي حركة منخرطة في مختلف النضالات الكبرى التي تهم جميع المواطنين والمواطنات، مضيفةً "إننا حركة تناضل من أجل العدالة الشاملة، بما فيها العدالة الجندرية".
وقالت إن الهجمات على الحركة النسائية المغربية تمثل "خوفاً من تحرر النساء ومن المطالب المشروعة بإصلاح التشريعات التمييزية، وعلى رأسها قوانين الأسرة التي لم تعد تواكب التحولات الاجتماعية والسياسية في البلدان العربية".
من جانبها، أكدت الناشطة الحقوقية زهرة الوردي، عضو اتحاد العمل النسائي ومنسقة المغرب في شبكة رؤى للتحالف، أن مشروع قانون الأسرة الموحد ليس جديداً أو مفاجئاً، بل هو نتيجة مسار تشاوري طويل بدأ في عام 2019 بمشاركة أكثر من عشر دول عربية، مضيفةً أن المسودة تأثرت بجائحة كورونا، قبل أن يتم استئناف العمل عليها بمشاركة خبراء وممثلي منظمات مدنية وهيئات نسائية وحقوقية من المنطقة.
وأشارت إلى أن المشروع انطلق من فكرة جمع القواسم المشتركة بين البلدان العربية من خلال تشريع يعكس تطلعات النساء نحو العدالة والإنصاف في قضايا الأسرة، متجاوزاً الخصوصيات المحلية لمصلحة نموذج منصف يوازن بين الهوية الثقافية والمبادئ الحقوقية الكونية.
وأوضحت أن "القانون لا يمكن أن يكون مخصصاً لفئة في أوضاع مستقرة فقط، بل يشمل جميع الفئات بما في ذلك النساء في أوضاع هشاشة مثل ضحايا العنف والمطلقات والنساء في النزاعات المسلحة، هذه الفئات تحتاج إلى حماية قانونية واضحة في المسودة".
المرجعية الكونية... تعزيز الحقوق عبر الاتفاقيات الدولية
وبينت زهرة الوردي أن المسودة تستند إلى مرجعية كونية تقوم على الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها معظم الدول في المنطقة، أبرزها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، مضيفةً "هذه المرجعية تسمح ببناء تشريع عربي موحد لا يتجاهل الخصوصيات، لكنه يتجاوزها نحو نموذج منصف".
ولفتت إلى أن عملية تطوير هذا القانون تستدعي تدريباً وتأهيلاً داخل المحاكم لضمان تطبيقه بشكل فعّال، خاصة بالنسبة للنساء في أوضاع هشاشة، موضحة أن الإجراءات وطرق التطبيق تستدعي مراجعات قانونية في الأحكام القضائية لضمان شمولية القانون وتحقيق أهدافه.
وخلال اللقاء، تم عرض شهادات مؤلمة لعدد من النساء اللواتي عانين من الإهمال وعدم تنفيذ الأحكام القضائية المتعلقة بالنفقة والحضانة، أبرز هذه الشهادات كانت لنساء تعرضن للإهمال، العنف الزوجي، وصعوبة الحصول على حقوقهن بعد الطلاق، ما يبرز الثغرات القانونية والإجرائية التي ما تزال تكبّل حقوق النساء.
"ست سنوات من الانتظار بلا نفقة"
أوضحت إحدى المشاركات، أنها لم تحصل على النفقة التي حكمت بها المحكمة رغم مرور ست سنوات، بسبب عدم تنفيذ الحكم القضائي، قائلة "أكبر مأساة تواجهها النساء في المحاكم هي قضايا النفقة، خاصة عندما تصبح الأحكام غير قابلة للتنفيذ".
وبينت أن زوجها تركها وطفليها ما دفعها إلى اللجوء للقضاء، ورغم حصولها على حكم قضائي يمنحها نفقة شهرية لا تتعدى 300 درهم مغربي (30 دولار)، إلا أن التنفيذ ظل معلقاً، بحجة أن الزوج لا يتوصل بالتبليغ أو يشترط أن يتسلمه شخصياً.
ولفتت إلى أنها "تمكنت من العثور على مكان عمله بالخارج، وقدمت طلب اقتطاع من المنبع، ورفعت شكوى بإهمال الأسرة، لكن دون جدوى عشت ست سنوات دون نفقة وما زلت أعاني".
"حتى بعد حادث مأساوي، لم يتحمل مسؤولياته"
بدورها تروي "هدى . ع" تجربة مريرة بعد تعرض ابنها لحادثة سير خطير في عام 2021، اضطر إلى دخول قسم الإنعاش. في تلك اللحظة الحرجة، كان الزوج غائباً تماماً، ولم يتحمل أي مسؤولية تجاه ابنه أو الأسرة.
وأضافت "عندما صدر حكم بالتعويض عن الحادث، فوجئت أن من يحق له استلام التعويض هو الزوج، رغم أنه متخلف عن أداء النفقة ولم يساهم بأي شيء في علاج طفله. كيف يمنح شخص مهمل مثل هذه صلاحية التصرف في تعويض يعود للطفل؟".
"اتهمني بالخيانة لأجل التملص من النفقة"
أما " لبنى. س" فتحدثت عن سنوات من العنف الزوجي والإهمال، زوجها كان يتعاطى المخدرات بشكل مفرط، الأمر الذي انعكس على وضعه النفسي والعقلي. ومع تدهور العلاقة، لجأ إلى اتهامها بالخيانة لتوريطها في السجن.
وتقول "اعتقلت ظلماً، وقضيت أياماً صعبة، قبل أن يتم إطلاق سراحي لغياب الأدلة، بعدها حصلت على الطلاق، لكن زوجي رفع دعوى لإسقاط الحضانة، فقط ليواصل معاقبتي والانتقام مني، رغم كل ما عانيته".
عامٌ من التضحيات
لم تكن سهيلة. ف امرأة في العقد الخامس من عمرها، تتصور أن حياتها ستنقلب رأساً على عقب، تقول بصوت منكسر "عشت 26 عاماً زواج مع رجل نرجسي... بدأت من لا شيء، عملت، وضحيت، وساهمت في بناء كل شيء، من البيت إلى استقراره المهني، لكنني خرجت من هذا الزواج بلا بيت، بلا وظيفة، وبلا مستقبل".
وتابعت "كنت أعمل فساهمت في شراء بيت الزوجية وقمت بإصلاحه وتأثيثه، حين كان زوجي موظفاً بسيطاً في بداية المشوار ومع مرور السنوات، ترقى مهنياً حتى أصبح مديراً، وحصل على سكن وظيفي، لافتةً إلى أنه "ما لم أكن أتوقعه هو أنه بعد أن حصل على السكن الوظيفي، استغل ثقتي وباع بيت الزوجية دون علمي ودون أن يمنحني شيئاً، لم يناقشني، ولم يعلمني حتى، وكأنني لم أكن".
وتقول إن تنقلاته الإدارية، جعلها تعيش في لا استقرار دائم، ومع أن مستواه المادي ارتفع بشكل ملحوظ، لم ينعكس ذلك على حياتها، مضيفةً أن المشاكل زادت عن حدها ما جعلها غير قادرة على التحمل، وهو ما جعلها تطلب الطلاق "لقد رفض منحي أي حق. وكأن سنواتي معه بلا قيمة".
وختمت حديثها بحزن "لم أحتفظ بشيء. لا البيت الذي شاركت في شرائه، ولا تعويض عن السنوات، حتى عملي فقدته، انتهيت كما بدأت... ولكن منهكة أكثر، ومجروحة أكثر".