من طفلة عاشت الرعب إلى مناضلة حامية لأرضها
كانت إيزدا في التاسعة من عمرها عندما هاجم داعش على شنكال، وشهدت في هذا العمر الصغير فظائع كثيرة، لكن الآن تلك الطفلة التي امتلأ قلبها بالرعب من داعش يوم حدوث الفرمان، أصبحت هي نفسها تبث الخوف في قلب داعش.

جيلان روج
شنكال ـ قبل أحد عشر عاماً، استيقظ الأطفال الإيزيديين من أحلامهم بخوفٍ لم يعرفوا له سبباً، إذ اجتاحتهم قوى الظلام فجأة، لتدفعهم نحو الجبال في عتمة الليل، عطشى وجوعى، تائهين في عالم بدا وكأنه نهاية كل شيء. كانت أحلامهم، التي تزينت بألوان قوس قزح، على وشك أن تُسحق تحت وطأة الكراهية والدمار.
لكن في تلك الليلة الحالكة، لم يكن الظلام وحده من يلاحقهم. فقد ظهر فرسان الشمس، حماة الأحلام، ليقفوا في وجه العتمة، مدافعين عن براءة الأطفال الإيزيديين. كان سباقاً بين النور والظلام، أحدهما يسعى لإنقاذهم، والآخر يريد إفناءهم.
ومع بزوغ الفجر، بدأت أشعة الشمس تتسلل من بين قمم الجبال، لتبدد الظلام شيئاً فشيئاً، وتعيد الأمل إلى قلوب الأطفال. لم يستطيع الظلام أن يصمد أمام نور الحقيقة، فانكفأ وتلاشى.
ومنذ تلك الليلة، أصبح فرسان الشمس أبطال أطفال إيزيدخان، ورموزاً لأحلامهم التي حاول داعش أن يطمسها. واليوم، أولئك الأطفال الذين عاشوا رعب الفرمان، كبروا ليصبحوا هم أنفسهم فرساناً، يحملون راية النور، ويبثون الرعب في قلوب من أراد لهم الفناء.
من بين الأطفال الذين انضموا إلى صفوف أبطالهم من زمن الفرمان وأصبحوا مصدر خوف لداعش، مقاتلة وحدات المرأة في شنكال (YJŞ) إيزدا آفاشين.
كانت إيزدا في التاسعة من عمرها وقت حدوث الفرمان. في ليلة هجوم داعش على شنكال، انطلقت هي وأخواتها في رحلة لا تُنسى وسط أحلامهن وخيالاتهن الملونة، لكن رحلة إيزدا وأخواتها الملونة قُطعت على وقع دوي إطلاق النار، ومع صوت إطلاق الرصاص استيقظن من أحلامهن الجميلة.
سماع دوي الطلقة الأولى والخوف الأول
وصفت إيزدا آفاشين ليلة وصول داعش، وسماع صوت إطلاق الرصاص وأول خوف مجهول لديها "كانت الساعة الثانية فجراً ليلة 3 آب. كنت أنا وأخواتي نائمات واستيقظنا على صوت إطلاق الرصاص. كنت خائفة جداً لأنها كانت المرة الأولى التي أسمع فيها صوت إطلاق الرصاص على هذا النحو. جاءت أمي إلينا لطمأنتنا وقالت: لا تخافوا لا يوجد شيء ولا داعي للخوف ووضعتنا جميعاً في غرفة. لم نستطع النوم حتى الصباح بسبب صوت الطلقات. عندما أشرقت الشمس في الصباح، حوالي الساعة الخامسة أو السادسة صباحاً، كان الجميع من منطقتي تلعزير وسكينية يركضون نحونا. لم أكن أعرف بالضبط سبب هروب الناس. أحضر والداي أقاربنا الذين فروا من داعش إلى منزلنا".
وأضافت "بعد الظهر، مرت سيارة تابعة لداعش أمام منزلنا وقالوا لنا: لا تخافوا لقد جئنا لإنقاذكم، ثم غادروا. عندما رأيت داعش لأول مرة شعرت بخوف شديد. كانوا يرتدون قمصاناً سوداء طويلة، ولهم لحى طويلة وكنت خائفة جداً من هذا المنظر. لم أكن أعرف حتى سبب مجيئهم. بقينا في منزلنا حتى المساء وقلنا لا يوجد شيء، سيأتون ويذهبون. بعد أن حل المساء، قال والدي: أطفئوا جميع الأنوار ولا تتركوا أي منها مشتعلة حتى لا يعرف داعش بوجود أحد هنا ولا يهاجمونا".
رؤية المآسي في مثل هذا السن الصغير
بعد فترة، قررت عائلة إيزدا آفاشين الذهاب إلى الجبال وفي ظلام الليل توجهوا نحو الجبال وبعد مسيرة طويلة وصلوا إلى الجبال مثل الآلاف غيرهم. في سن التاسعة، رأت إيزدا واختبرت أشياءً لم يكن ينبغي لها أن تراها أو تختبرها. من موت الأطفال الصغار إلى إلقاء النساء أنفسهم من فوق الصخور. حتى تلك الليلة سوى الأشياء والأحداث الجميلة لم ترَ عينا إيزدا شيئاً سيئاً، ولكن في تلك الليلة وبصغر سنها وعينيها الجميلتين رأت الموت. حتى تلك الليلة، كانت عينا إيزدا تبحثان فقط عن أصدقائها ولم تفكر سوى بالألعاب، ولكن في تلك الليلة كانت عينا إيزدا تبحثان عن الموت القابع تحت الصخور وكانت تفكر بالظلام الذي أعقبهم.
وصفت إيزدا آفاشين رحلاتها في الجبال وما شهدته وعانته في هذه الرحلات "بدأنا السير في وقت متأخر من الليل هرباً من الموت والوصول إلى ملاذ آمن، مشينا في الجبال سبعة أيام وليالٍ. كان الناس الذين نفذ منهم الماء والطعام قد أصبحوا عاجزين فجلسوا واتكأوا على الصخور. تأثرنا وتألمنا من هذا الوضع. لم يكن لدينا أيضاً طعام ولا ماء، وكان لجميع أقاربنا أطفالاً صغاراً. لم يكن هناك خبز يأكله الأطفال، ولا حليب يشربه الأطفال الرضع. لم يكن هناك سوى بعض الخبز اليابس، وعندما وصلنا الجبال، وضعت العائلة الخبز اليابس في الماء وأعطته لنا حتى لا نموت نحن الأطفال. حاولوا إبقائنا على قيد الحياة بالخبز الجاف وقطرات الماء. ثم نفد الماء منا أيضاً، حتى أن الكبار ذهبوا إلى وادي كرس للحصول على الماء. كنا نشرب رشفةً رشفة حتى لا تنفذ. رأيتُ بأم عيني أمهات يتركن أطفالهن تحت الصخور ويهربن بسبب نقص الماء والخبز. هذا المشهد كان مؤلماً جداً. كما شهدنا فتيات أمسكن بأيدي بعضهن وألقين بأنفسهن من فوق تلك الصخور لتجنب الوقوع في قبضة داعش".
بعد أيام من البقاء في الجبال نجت إيزدا آفاشين وعائلتها وآلاف الإيزيديين من أيدي الوحشية بفضل وصول مقاتلي HPG وYJA-STAR ومقاتلي YPG وYPJ، وتمكنوا من العبور إلى روج آفا بعد فتح ممر إنساني. ضحّى مقاتلو الحرية بأرواحهم لإنقاذ آلاف الإيزيديين. كان لهذه التضحية من قبل المقاتلين أثر إيجابي على إيزدا آفاشين، حيث كانت الخطوة الأولى نحو التغيير في حياتها.
أقاموا في إقليم شمال وشرق سوريا لمدة أربع سنوات ثم عادوا إلى شنكال
لفتت إيزدا آفاشين إلى إقامتها في إقليم شمال وشرق سوريا مع عائلتها، والتعرف عن قرب على حركة الحرية وتأثير مقتل ابن عمتها عليها "مكثنا في روج آفا لمدة أربع سنوات، وبعدها عدنا إلى شنكال. بعد وصولنا إلى شنكال تعرفنا على المقاتلين بشكل أفضل. بعد استشهاد ابن عمتي تعرفت على حركة الحرية بشكل مباشر. أثرت في مساعدة المقاتلين لنا وتعاملهم معنا. دفعني تأثير استشهاد ابن عمتي والمقاتلين إلى الانتقام من العدو كفتاة إيزيدية. هذا ما دفعني إلى اتخاذ القرار لقيادة النساء الإيزيديات والانتقام لهن".
وأضافت "قررتُ الانضمام إلى صفوف وحدات حماية المرأة في شنكال حتى لا يتعرض مجتمعنا للفرمانات مرة أخرى، وألا يُشن علينا فرمان مثل الذي حدث عام ٢٠١٤. لا قوة تستطيع حماية هذا المجتمع سوى وحدات YBŞ-YJŞ، التي عززت نفسها بأفكار القائد أوجلان، كما نظم المجتمع نفسه بعد أن التعرف على أفكاره. فبفضل أفكار القائد أوجلان استطعنا الوصول إلى هذا المستوى والدفاع عن مجتمعنا. سنفعل كل ما يُطلب منا لبناء شنكال حرة قائمة على أفكار القائد. سنعزز أنفسنا من جميع الجوانب لنتمكن من قيادة مجتمعنا قيادةً حكيمة".
ما شاهدته عيون إيزدا
كما ذكرنا سابقاً شهدت إيزدا آفاشين فظائع ومآسي كثيرة في صغرها، لكن نفس الطفلة وفي نفس العمر الصغير شهدت أيضاً وصول مقاتلي الحرية، ورأت بأم عينيها كيف ضحوا بحياتهم لحماية أحلام وتطلعات الإيزيديين. بمعنى آخر، شهدت عينيها صراع النور والظلام، وشهدت نهضة مجتمعها وقيادة المرأة.
"تمتلك تلك الطفلة ذو التسعة أعوام قوةً هائلةً اليوم"
اختتمت إيزدا آفاشين حديثها بجمل تُلخص حياتها "كما ذكرتُ، كنت في التاسعة من عمري عندما جاء داعش. ضحى مقاتلو الحرية بحياتهم لحماية أحلام وتطلعات الأطفال الإيزيديين. حوّلتُ الخوف الذي زرعه داعش داخلي في صغري إلى قوة عظيمة. الآن، تمتلك تلك الطفلة ذو التسعة أعوام قوة هائلة تجعل داعش يهابها. لقد بنيت داخلي قوة تمكنني من الاستجابة لأحلام الأطفال الإيزيديين. لمنع أمثال داعش من تدمير أحلامهم مجدداً، بنيت قوةً في داخلي. والآن، هؤلاء الفتيات والفتيان الذين خافوا من داعش في طفولتهم أصبحوا قوةً يخشاها داعش لأن هؤلاء الذين تحولوا إلى قوة نظموا أنفسهم بأفكار وفلسفة القائد أوجلان".