جرائم قتل النساء وآليات حمايتها موضوع ندوة إقليمية في تونس

لتسليط الضوء على جرائم قتل النساء نظمت جمعية "أصوات نساء"، ندوة إقليمية لمناقشة جرائم قتل النساء في تونس والمغرب والأردن وتقديم تقريرها السنوي لحصيلة الضحايا.

نزيهة بوسعيدي

تونس ـ أكدت المشاركات في الندوة أن جرائم قتل النساء ناتجة عن النظام الأبوي الذكوري الذي يريد تملك المرأة والتحكم فيها، الأمر الذي يعكس أن المرأة لا تعامل كإنسان بل كشيء يتم استهلاكه، داعيات إلى عدم التساهل مع مرتكبي العنف ومحاسبتهم.

نظمت جمعية "أصوات نساء" أمس الأربعاء 14 أيار/مايو، ندوة إقليمية بالعاصمة التونسية لمناقشة جرائم قتل النساء في تونس والمغرب والأردن وتقديم تقريرها السنوي لحصيلة الضحايا، وتهدف الندوة التي حضرها عدد من ناشطات ونشطاء المجتمع المدني إلى تسليط الضوء على واقع جرائم قتل النساء في الدول الثلاث، واستعراض تطورها خلال السنوات الأخيرة، مع تحليل التحولات في أنماط العنف والسياقات الاجتماعية المصاحبة لها بمشاركة جمعية "تقاطعات" من الأردن، والمبادرة النسوية لرصد جرائم قتل النساء في المغرب اللواتي قدمن تجاربهن الوطنية لتسليط الضوء على أوجه التشابه والاختلاف مع السياق التونسي.

 

تقرير سنوي...توثيق جرائم قتل النساء

وقالت أريج جلاصي المكلفة بملف النوع الاجتماعي في جمعية أصوات نساء "قدمنا خلال الندوة التقرير السنوي لجمعية أصوات نساء لعام 2024وأردنا أن تكون مقاربة تتم فيها دراسة أكثر من بلد كتونس والمغرب والأردن والوقوف عند النقاط المشتركة التي تلتقي فيها هذه الدول"، مضيفةً أنه "أردنا تقديم تقريرنا الذي تم خلاله دراسة وتوثيق جرائم قتل النساء وتقديم حصيلة هذه الجرائم والتي بلغ عددها 26 ضحية من مجموع 30 جريمة قائمة على النوع الاجتماعي".

وبخصوص التوصيات الواردة في التقرير، أوضحت أنه من أهم التوصيات أن يعترف المشرع بجريمة قتل النساء كجريمة مستقلة لا كجريمة عامة لأنه خلال العام الماضي بلغ عدد الولايات التي شهدت جرائم قتل النساء 11محافظة وأرتفع العدد إلى 16محافظة خلال العام الجاري.

كما أوصى التقرير باعتماد خطة وطنية لمنع قتل النساء وإنشاء هيئة تنسيق داخل وزارة المرأة لتقييم فعالية السياسة العامة في مكافحة العنف بشتى أشكاله وخاصة قتل النساء، إضافة إلى توحيد البيانات والمعطيات لتحديد حالات قتل النساء من قبل المجتمع المدني لإنشاء قاعدة بيانات موحدة حول تلك الجرائم ونظام احصائي لتسجيلها، وإبرام شراكات على المستوى الدولي والإقليمي.

 

الدوافع التي تزيد من حالات العنف

وقالت آمال قرامي أستاذة دراسة النوع الاجتماعي بالجامعة التونسية (كلية الآداب منوبة) هذه الندوة مهمة جداً لأنها تطرح جرائم قتل النساء على مستوى عربي وليس على مستوى تونسي فقط ، وهي ظاهرة باتت تقلق الرأي العام وتشكل نوعاً من التهديد الذي تشعر به الكثير من النساء لا سيما وأن الأعداد في تزايد إذا ما قارنا مثلاً عدد الضحايا خلال الفترة الممتدة من عام 2014 ـ 2024.

وأشارت إلى أن التناول الإعلامي أقتصر على بعض وسائل الإعلام لا غير فضلاً عن أن التناول الإعلامي في حد ذاته يثير أشكالاً على مستوى توحيد المصطلحات كتوصيف الجرائم واللغة المستعملة والأسلوب المعتمد، مضيفةً أن قتل النساء تحول إلى ظاهرة اجتماعية أثارت الكثير من القلق صلب العائلات التونسية، لأن الحالات الأخيرة التي تم تسجيلها لم تتوقف عند قتل المرأة وإنما تجاوزت النساء لتشمل الأطفال، مؤكدةً أنه مستوى الكتابات التنظيرية حول الظاهرة هناك فقر في العالم العربي حيث أنه يكاد يكون غير مطروح أكاديمياً ألا في بعض الحالات. 

وبخصوص الدوافع التي أدت إلى استفحال الظاهرة قالت آمال قرامي، إنها متعددة ومتنوعة وتختلف من مجتمع إلى آخر "قارنا مثلاً البلدان المشاركة في الندوة نجد أنه من الدوافع في الأردن القتل على اساس جرائم الشرف في حين في تونس دوافعه متعددة ومنها تراكم العنف الذي يصل إلى حد القتل ثم وضعية النساء اللواتي أصبحن واعيات بحقوقهن ومطالبات بمعاملة تليق بهن والدفاع عن كرامتهن وتبليغ أصواتهن ثم الوعي بالمسار الذي ينبغي أن تتبعه المرأة للدفاع عن نفسها وأسرتها عندما تلجأ إلى القضاء وهذا يغضب فئات كثيرة من الرجال ويغضبهم خروج النساء عن الطاعة والاستسلام والخنوع كما يغضبهم الوعي بالقوانين الموجودة على غرار القانون عدد 58 رغم الثغرات التي نعرفها في الإجراءات"، لافتةً إلى أن من الدوافع أيضاً الظروف الاقتصادية الصعبة التي تلقى شماعتها على عاتق المرأة.

 

 أهمية وعي النساء للنضال ضد العنف

وختتمت القول إلى أن "ظاهرة قتل النساء عالمية وتشمل النساء في بلدان الجنوب اللواتي نلتقي معهن في تفشي الظاهرة كما يوجد  ما نسميه الردة أو الرجوع إلى الوراء في حقوق النساء وهناك أيضاً حالة عامة نتيجة صعود اليمين المتطرف لأننا لابد أن ننظر إلى هذه المسألة من زاوية القوى المتحكمة في المشهد السياسي أيضاً".

في سياق متصل، أكدت أن هناك تراجع على مستوى القوانين وتراجع على مستوى العقليات "مازلنا نعتقد أن القوانين تحل كل المشاكل والحال أنه في وضعية قتل النساء يجب العمل على وعي النساء على آليات الحماية وتغيير العقليات على الرجال المناصرين لقضايا النساء والحريات والعدالة كما لا يجب أن يوضع الجهد على عاتق المجتمع المدني ولا على الجمعيات النسوية بقدر ما يقع على المجتمع ككل بجميع فئاته وعلى رأسه الرسمية والمساعدة".

وشددت على أن الأكاديمية التونسية مطالبة بإنتاج معرفة تحلل على الأقل هذه الظاهرة من وجهة نظر علمية أي  تنظر في المصطلحات، الأسلوب، أشكال التغطية وتنظر في الاخلالات في السياسات العامة.

 

 

أهمية التضامن والتكاتف النسوي

من جانبها قالت الناشطة النسوية والمديرة التنفيذية لمجموعة تقاطعات بالأردن بنان أبو زين الدين "بالنسبة لنا العمل على المستوى الإقليمي والعمل النسوي والتضامن النسوي الإقليمي من أهم استراتيجيات العمل في التقاطعات"، مؤكدةً أن "قضايا نساء في الدول العربية تتقاطع مع الكثير من المعطيات على غرار السياق السياسي والاجتماعي، ونظرة المجتمع للمرأة والهيمنة الذكورية كما أن حالنا مثل حال بلدان الجنوب".

واعتبرت أن "عملنا وتضامننا وترابطنا هو الدافع الرئيسي إلى العمل في قضايانا على المستوى الإقليمي والاستفادة من تجارب بعضنا البعض والأدوات التي نستخدمها"، مضيفةً أن قتل النساء واحدة من القضايا التي يجب العمل عليها على المستوى الإقليمي لأنها جرائم متراكمة في المجتمع.

وقالت "برأيي معالجة هذه القضايا يجب أن تكون متماشية مع سياقاتنا كما يجب تناولها بشكل جمعي ففي الأردن يجب أن نتعرف على آليات الحماية وننتقدها ونرى كيف يمكن حماية النساء لأن آليات الحماية تأتي ضمن حماية الأسرة ولا تنظر إلى المرأة كمواطنة بدرجة أولى ولا إلى كيفية حمايتها والأدوات التي تعتمدها هذه المنظومة".

 

 

من العنف إلى التقتيل؟

كاميليا شهاب صحفية مستقلة عنوانها "تقتيل النساء في المغرب"  قالت "من الصعب حالياً تقييم ظاهرة تقتيل النساء في المغرب لأنه لا توجد دراسات رسمية تمنحنا معطيات حول حجم الظاهرة، لقد قررت منذ 2023 جمع وتعداد جرائم قتل النساء من خلال الرصد اليومي للصحف المغربية".

وأشارت إلى أن جرائم قتل النساء ناتجة عن النظام الأبوي الذكوري الذي يريد تملك المرأة  والتحكم فيها بمعنى أنه كلما كانت المرأة متحررة ومستقلة بذاتها وكلما فقد الرجل السيطرة عليها كلما كان هناك إمكانية لآن يقتلها، مشيرةً إلى أن جريمة وقعت في المغرب نهاية السنة الماضية حيث أقدم رجل على اغتصاب امرأة ثم القى بها في البئر محاولاً قتلها "بالنسبة لي هذا يعكس أن المرأة لا تعامل كإنسان بل كشيء يتم استهلاكه ثم الإلقاء بها في سلة المهملات لأنه لا حاجة لنا به".

ولفتت إلى أنها رصدت 50 حالة وقعت خلال عام 2023، وقرابة 30 حالة خلال العام الماضي "نحن الآن في حدود سبع حالات ولكن هذه الأرقام وحدها لا تعكس الحقيقة ولا يمكن القول إن هناك تراجع في الأرقام، لأن هذه الأرقام مأخوذة من المقالات التي تنشرها الصحف ولا تعكس الواقع الذي تغيب عنه الاحصائيات الرسمية تحت عنوان حياة النساء لا تختزلها الأرقام ولا تنقذها الشعارات".

 

العنف المبني على النوع الاجتماعي

وقالت جمعية "أصوات النساء" في بيانها الختامي في المؤتمر أنها أصدرت تقريرها السنوي حول جرائم قتل النساء في تونس خلال عام 2024، والتي تحدث في مناخ يتفاقم فيه العنف المبني على النوع الاجتماعي مستهدفاً النساء اللواتي اشتدت عليهن الأزمات من تفقير وتمييز ووصم وتحقير ولا مساواة.

وعن تقريرهما  الأول لعام  2023 اعتبرت "أصوات نساء" و"جمعية المرأة والمواطنة بالكاف" أن هذا الوضع المأساوي ناتج عن التقصير في حماية النساء وعدم تقدير المخاطر وبطء الإجراءات وغياب التوعية وعدم المعالجة الجدية للأسباب الجذرية للعنف القائم على أساس النوع وعدم التطبيق الجدي لقانون 58-2017.

وأتثبت الأرقام المرصودة في عام 2024، مرة أخرى أن المعركة ضد جرائم قتل النساء في تونس لا تزال بعيدة عن الكسب بسبب تعقيد هذه الظاهرة وتعدد عواملها مع غياب استراتيجية وطنية واضحة المعالم لمناهضة قتل النساء حيث عرفت تونس خلال العام الماضي 26 جريمة قتل موزعة على 16 ولاية مقارنة بعام 2023 التي شملت 11 ولاية فقط   إضافة إلى محاولة قتل واحدة لا نعلم فيها مصير الضحية وارتفع عدد ضحايا هذه الجرائم إلى 30 ضحية، نظراً إلى أن الجريمة الواحدة استهدفت في بعض الحالات أكثر من شخص ومثلت الفئة بين 26ـ 35 عام أعلى شريحة عمرية للضحايا بنسبة 28% مقارنة بالشرائح العمرية الأخرى.

 

قتلة النساء يجاهرون بجرائمهم

ولأن اُرتكبت غالبية جرائم القتل في فضاءات خاصة بهدف التستر على الجريمة فقد سُجّلت حالات قُتلت فيها النساء في الفضاء العام، كالشوارع، في مشهد يوحي بأن الجاني يسعى إلى التجاهر بجريمته وجعل الضحية عبرة، كما لم تخلو الجرائم من التشفي والانتقام إذ أظهرت الفحوصات وجود آثار واضحة للعنف المادي مثل الكدمات، وقطع الأعضاء (كالأيدي)، والحرق بالسجائر وهو ما يؤكد تعمّد الإيذاء والإذلال قبل تنفيذ الجريمة.

ولفتت إلى أن مطالبات الجمعية باعتماد "التقتيل" كتوصيف قانوني للجرائم العمدية التي ترتكب على الضحايا لأنهن نساء، سيمكن من اعتبار "الجندر" كنمط لتفسير القتل في خطوة هي الأولى من أجل مكافحة هذه الظاهرة، كما نطالب أيضا بإنشاء هيئة صلب وزارة المرأة لتقييم فعالية السياسة العامة في مكافحة العنف والتصدي لتقتيل النساء مع إجراء جرد لأنظمة حماية ضحايا العنف بهدف تطويرها وتركيز حملات توعوية وطنية تشترك فيها مختلف الوزارات والهياكل المشمولة بالقانون 58 لعام 2017، مع وجوب اعتماد "مؤشر تقييم للمخاطر" من قبل الفرقة المختصة بالقضاء على العنف ضد المرأة وقاضي الاسرة والذي سيمكنهما من تقييم مستوى الخطر الذي تواجهه الضحية من أجل اتخاذ الآليات القانونية الكفيلة بحمايتها إذ أن التساهل مع العنف ومرتكبيه هو بمثابة "الضوء الأخضر" للمعنّف للتمادي حد القتل.

وجددت مطالباتها للدولة بالتعامل الجدي مع العنف ضد النساء من خلال رصد الإمكانات اللازمة والتطبيق الشامل للقانون عدد 58 وعدم اعتبار ضحايا العنف أرقاماً ترصد بشكل كمي جاف بل هي "حياة" نساء نشأن في ظل التمييز والهيمنة وفقدن الدعم والمرافقة فأصبحن مستباحات.