أوضاع بائعات كرماشان تصور لأبشع قضايا التمييز والقمع
نساءٌ في ضواحي كرماشان، بعيداً عن أنظار الرجال المتسلطة، يسعين للحصول على لقمة عيش لأسرهن في عالمٍ يسوده التمييز والقمع، ولكن هل هذا الكفاح من أجل البقاء فحسب، أم أنه، أبعد من ذلك، شرارة تغيير في أحلك زوايا المجتمع؟

نسيم أحمدي
كرماشان ـ يعتبر الرجال النساء تهديداً خطيراً لسلطتهم ومكانتهم، فإن مدى قوة المرأة التي يمكن أن تصبح عليها بتحقيقها استقلالها وكسر الصور النمطية، تجعل الرجال دائماً يشعرون بالخوف الداخلي.
كثيرٌ منا لا يملك رؤيةً حقيقيةً للفقر، ولا يتخيل كيف أغرق الفقر حياة الناس في أعماقها المظلمة في أدنى طبقات المجتمع؛ قد يُعطي الفقرُ المرءَ سكيناً للقتل، وقد يُهدّد الضمير والشرف، بل ويُجبر المرأة على ممارسة الدعارة، لكن هناك نساءٌ كثيراتٌ حاربنَ الفقرَ بطرقٍ أخرى، وبدلاً من الرضوخِ لأيِّ ضغطٍ اقتصاديٍّ يُجبرهنّ على ذلك، آثرنَ العملَ في البيعِ بربحٍ زهيد، وفي هذه الأيام، أصبحت حديقةُ كرماشان الشرقيةُ نقطةَ انطلاقٍ للنساءِ اللواتي يعملنَ في البيعِ لكسبِ رزقِهنّ وتغطيةِ نفقاتِهنّ بربحٍ زهيد.
عادةً، لا تملكُ النساءُ اللواتي يأتينَ إلى سوقِ الجمعةِ للبيعِ رأسَ مالٍ أوليّاً كبيراً، فيضطررنَ إلى بيعِ الملابسِ المستعملةِ التي اشترينها، تبدو إجراءاتُ العملِ بسيطةً، لكنّ بدءَ هذا العملِ ينطوي على العديدِ من التعقيدات، فيما أنَّ الضغطَ الاقتصاديَّ يُجبرُ الكثيرينَ على العمل في مجال البيعِ يومياً، فإنَّ عددَ الباعةِ يتزايدُ يوماً بعد يوم، وإيجادُ مكانٍ لإقامةِ متجرٍ في سوقِ الجمعةِ بكرماشان ليسَ بالأمرِ السهل، لذلك تضطر العديد من البائعات إلى البحث عن مساحة صغيرة في الجزء الأكثر هامشية من هذا السوق المؤقت حتى يتمكنّ من بيع سلعهن القليلة مقابل ربح ضئيل.
قالت النساء اللواتي يبعن على أطراف هذه الحديقة إن الباعة الرجال، بسلطتهم الاستعراضية، عادةً ما يستولون على أفضل المواقع ويعتبرونها ملكاً لهم، وحتى لو غابوا عن مكانهم المعتاد ليوم واحد، فإن الرجال الآخرين لا يسمحون للنساء بإقامة متاجر مؤقتاً في ذلك المكان الفارغ.
هذا ليس التحدي الوحيد الذي تواجهه هؤلاء النساء، حيث قالت آمينة ل، ذات الـ 25 عاماً، تأتي للبيع مع والدتها "لقد فقدت والدي منذ سنوات، وعادةً ما تبيع والدتي هنا أيام الجمعة، في البداية، كانت والدتي تأتي بمفردها، ولكن بعد فترة، ولأنها امرأة وحيدة، بدأ البائعون الرجال الآخرون يضايقونها باستمرار بذرائع مختلفة، لهذا السبب قررت أنا وأخي البالغ من العمر 14 عاماً القدوم معها حتى لا يظن أحد أنها وحيدة".
وأضافت "والدتي، وهي في الثالثة والخمسين من عمرها، ليس بمقدورها شجب الرجال الآخرين عن التحرش بها عندما تكون بمفردها، ولكن عندما يكون أخي البالغ من العمر 14 عاماً معها، لا أحد يجرؤ على التحرش بها، يبدو أن مجتمعنا الذكوري يعتقد أن وجود المرأة بمفردها هو موافقة على التحرش بها، وإذا كان معها شاب، حتى لو كان عمره 14 عاماً، فلا يحق لأحد الاقتراب منها".
في مجتمع يحكمه الرجال فإن اختلاف خصائص الناس في المجتمع ليست مهمة جداً والجنس فقط هو الذي يحدد القوة والضعف والعديد من الخصائص الأخرى، وفي كثير من الأحيان فإن كونك امرأة هو ختم موافقة على العديد من الضغوط والقمع؛ ومن هنا نرى دائماً أن النساء هن من يتعرضن للاغتصاب وأن معظم العنف المنزلي مرتبط بالتحرش بالنساء لأنه أينما يسعى الرجل إلى إثبات وإعلان وجود قوته ورجولته فإنه يعتبر النساء ضحيته الأولى.
سارة ز، إحدى البائعات، قالت "عادةً ما تفرش النساء حصيراً صغيراً، وقد لا يصل طول حصيرهن بالكامل إلى متر واحد، لأن الرجال غالباً ما يحيطون بالمنطقة ولا يسمحون للنساء بفرش حصيرهن، لكن هذا وحده لا يكفي لمضايقة النساء، فمسؤول البلدية الذي يتقاضى المال مقابل كل حصيرة يتقاضى دائماً نفس المبلغ الذي يتقاضاه الرجال مقابل حصيرنا الذي يبلغ طوله متراً واحداً، فعلى سبيل المثال، إذا فرضت 20000 تومان على رجل فرش حصيرة بطول خمسة أمتار، فأنت تتقاضى نفس المبلغ مني، أنا التي لدي حصيرة بطول متر واحد، وعندما أحتج، يقول إذا كانت لديك أي شكاوى، فسأجمع حصيرك بالكامل".
عادةً ما يعتبر الرجال النساء تهديداً خطيراً لسلطتهم ومكانتهم، وفكرة مدى قوة المرأة التي يمكن أن تصبح عليها من خلال تحقيق القليل من الاستقلال وكسر الصور النمطية تجعل الرجال دائماً يشعرون بالخوف الداخلي، والنساء اللواتي عادةً ما يبعن أو يعملن في وظائف وهمية كهذه، فإنها تعتبر تجربتهن الأولى في المجتمع كنساء عاملات، هذه هي المرة الأولى التي تحصل فيها هؤلاء النساء على أجرٍ مقابل النشاط الذي يقمن به، وهو ما يقررنه بأنفسهن، مع وجود استثناءات، لكن معظم النساء اللواتي يلجأن إلى العمل هنّ نساءٌ تجاوزن المحرمات وتجاوزن الحياة التي قُدِّرت لهنّ سلفاً، وعادةً ما تأتي هؤلاء النساء من طبقاتٍ اجتماعيةٍ لا تملك فيها المرأةُ سوى المنزل، والخضوع لسيطرة رجال الأسرة، والولادة وطاعة أوامر رجال الأسرة من واجباتها الرئيسية.
بحسب الاعتقاد السائد، الرجل هو معيل الأسرة، ومن يُعطيها الخبز يُصدر الأوامر، فهو من يتحكم في حياة المرأة وقراراتها، حيث يعتقد الرجل أنها عندما تبدأ نشاطاً باسم العمل وتكسب منه دخلاً، فإنها تتحرر تدريجياً من هيمنته، لأن الاقتصاد هو الرافعة الأولى التي يستخدمها الرجل لفرض القوة والعنف على المرأة، لذلك، يلومونها غريزياً عندما يرون أنها تحاول الاستقلال، لأنهم يعلمون أن نهضة المرأة من طاعة الرجل هي بداية تمردها على نظام بناه الرجال على صمت المرأة وقمعها، مبنى كل لبنة فيه نعش يأوي امرأة، لكن النساء نهضن من تلك النعوش بنضالهن، وربما يوماً ما، بين خيوط ملابس الباعة المتجولين القديمة، سيحلق طائر الفينيق من أجل الحرية بريش ملون.