الظروف الاقتصادية والقيود تدفع الطواقم الطبية في إيران للهجرة
شهدت إيران في الآونة الأخيرة ارتفاع كبير في هجرة الأطباء والطواقم الطبية، نتيجة الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وظروف العمل غير المناسبة.
سارة محمدي
جوانرود ـ الظروف الحرجة التي يمر بها الاقتصاد الإيراني، فضلاً عن الزيادة غير المسبوقة في المشاكل والأزمات الاجتماعية، كلها عوامل تؤدي إلى تسارع عملية التهجير وخلق القيود على أنماط حياة الناس من قبل مختلف المؤسسات الحاكمة.
اتخذت هجرة المتعلمين وأصحاب رؤوس الأموال اتجاهاً تصاعدياً في السنوات القليلة الماضية ودقت ناقوس الخطر، وحذر العديد من الخبراء وعلماء الاجتماع في الأشهر الأخيرة الحكومة الإيرانية، بأنه مع استمرار هذا الوضع فإن البلاد ستواجه تحديات مدمرة وخطيرة للغاية على صعيد الفئات المتخصصة والفعالة في مختلف المجالات بما في ذلك في المجال الصحي.
وكان النقص الحاد في عدد الأطباء والممرضين وهجرتهم الجماعية على رأس الأخبار في المجال الصحي خلال الآونة الأخيرة، وأعلن الأمين العام لدار التمريض عن الهجرة السنوية لأكثر من 3000 ممرض/ـة من إيران، وأبلغت وزارة الصحة عن نقص قدره 70 ألف ممرض/ـة في نظام الرعاية الصحية.
وقالت منظمة النظام الطبي الإيراني، إن هجرة الأطباء لم تعد تقتصر على الممارسين العامين فقط، كما أن المتخصصين والمتخصصين الفرعيين يغادرون البلاد ويقيمون في بلدان أخرى، وإذا استمرت هجرة الأطباء على هذا النحو، فستواجه إيران خلال السنوات الخمس المقبلة نقصاً حاداً في عدد الأطباء.
وأفادت صحيفة "فرهیختجان" الإيرانية عن هجرة 6500 طبيب، من بينهم 2300 متخصص، إلى الخارج في تموز/يونيو 2023، وهذا الرقم أعلى بنسبة 30% من متوسط عدد الأطباء.
وعن أسباب الهجرة، تقول سارا. د خريجة الطب وموظفة في أحد مستشفيات كرماشان ومقيمة في جوانرود والتي تخطط مع زوجها للهجرة من إيران "أمتلك أنا وزوجي خبرة في المجال الطبي لمدة 12 عاماً عملنا في إحدى مستشفيات مدينة كرماشان، وعلى الرغم من سنوات الخبرة الطويلة في العمل إلا أننا لم نتمكن من شراء حتى منزل بمساحة 60 متراً، عملت مع زوجي لسنوات طويلة كل ما كنا نكسبه ننفقه فقط على الاحتياجات الأساسية لحياتنا".
وعن الوضع الوظيفي غير المناسب للطاقم الطبي وخاصةً على النساء، أوضحت أنه "تزوجت منذ عشر سنوات، وبسبب ظروف عملي وتعرضي للإشعاع لم أفكر في الحمل، ففي العام الماضي وبسبب ظروف العمل القاسية أجهضت الجنين بعد 45 يوماً فقط، وعلى الرغم من تعرضي للإجهاض لم أحصل على إجازة إلا لمدة 3 أيام فقط"، مشيرةً إلى أنها قررت مع زوجها إنجاب طفل وتقدمت بطلب للحصول على إجازة من المشفى قبل الحمل بشهر وما أن أصبحت في الشهر الثالث انخفض راتبها إلى النصف.
وعن سياسية الحكومة الإيرانية تجاه المتظاهرين/ات خلال الانتفاضة الشعبية الأخيرة والضغط على الطواقم الطبية، قالت إنه "خلال فترة جائحة كورونا كان الطاقم الطبي وخاصةً الممرضات تتعرضن للعديد من الضغوطات، وبمجرد انتهاء الوباء كل الممرضات اللواتي خاطرن بحياتهن خلال تلك الفترة تم طردهن، كذلك خلال الانتفاضة الشعبية قامت قوات الأمن وقوات أمن المستشفيات بالرقابة الصارمة على الطواقم الطبية وهددتهم بالطرد أو الاعتقال إذا ساعدوا المتظاهرين/ات، وتعرض العديد من زملائنا للضغط، كما تم اعتقال وسجن العديد من الأطباء والممرضين/ات بسبب مساعدة المصابين خلال الاحتجاجات".
وأشارت سارا. د إلى أن كافة فئات المجتمع تتعرض لضغوطات اقتصادية، وبعض المرضى يذهبون إلى المشفى، ولكن لا يستطيعون حتى دفع ثمن أدويتهم وفي بعض الحالات، حتى المرضى الذين يحتاجون إلى رعاية عاجلة بعد العملية الجراحية، هربوا من المشفى وخاطروا بحياتهم من أجل عدم دفع الرسوم المرتبة عليهم".
من جانبها قالت (أ. ن) خريجة الطب في جامعة كرماشان للعلوم الطبية، والتي لا تزال تدرس الماجستير في المشفى "خططت للتخصص في طب الأعصاب، ولكن من أجل مواصلة الدراسة في إحدى مجالات تخصص الطب يجب تقديم وثيقة أو ضمان، وإلا فلن تسمح وزارة الصحة للمقبولين في الدورة التخصصية بمواصلة الدراسة، وبما أنني لا أستطيع تقديم ضمان أو وثيقة، افكر بالهجرة لأنني إذا عملت بهذه الدرجة في أي بلد آخر غير إيران فإن ظروف معيشتي ستكون أفضل بكثير مما هي عليه هنا".
وأوضحت أنه "أعرف أشخاصاً يمارسون الطب في أفضل مستشفيات رغم حصولهم على 5 شروط فقط في دراساتهم الطبية العامة ولكن لأن أسرهم من الشهداء حصلوا على إذن لفتح عيادة خاصة، لكن المئات من الأشخاص مثلي رغم حصولنا على المراتب العليا في امتحان القبول والمراتب العليا في الجامعة، علينا نعمل في مشفى خاص برواتب منخفضة للغاية، أو نفكر في مغادرة وطننا حتى نتمكن من تلبية احتياجات الحياة الأساسية ونحظى بحياة مريحة، على حساب البعد عن عائلتنا".
بدورها قالت الطبيبة النسائية بوران. ز تبلغ من العمر 53 عاماً، من مدينة سنه بشرق كردستان، وزوجها أيضاً طبيب تخدير ولديهما ابنين أحدهما يعيش خارج البلاد ويعمل حالياً في غرفة الطوارئ في كاليفورنيا "ما ينشر في وسائل الإعلام هو أن هجرة الطاقم الطبي الذي يضم الأطباء والممرضين أثار قلق الحكومة، وبغض النظر عن السبب الظاهري للقلق الحكومي، فإن ما يتبادر إلى أذهان الناس هو أن الأطباء يهاجرون بسبب مشاكل مالية أو قلة العمل، هذا عامل واحد فقط من العوامل التي تدفعهم للهجرة".
وأضافت أن قلة الاهتمام بالطاقم الطبي بشكل عام وقلة الدخل مقارنة بالخدمات وساعات العمل التي يقدمها الأطباء والممرضات من أسباب هجرة الفئة الشابة وعدم رغبتهم في العمل "ابني يعمل ضمن الطواقم الطبية في ولاية كاليفورنيا الأمريكية ولديه وقت للعمل ووقت فراغ ويتلقى راتبه في تاريخ معين، لكن في إيران على الرغم من العمل الإضافي وساعات العمل الطويلة، فإنهم يحصلون على رواتب قليلة جداً مقارنة بالخدمات التي يقدمونها ومقارنة بالظروف الاقتصادية السيئة"، مشيرةً إلى أنه بعد أن "قامت السلطات باعتقال وقمع الأطباء قررت مع زوجي الهجرة خارج إيران حتى أعيش وأعمل في ظروف أفضل".
وعن القمع الواسع النطاق الذي تتعرض له شرائح مختلفة من المجتمع في إيران قالت "بالطبع هذه السيطرة والقمع لا تقتصر على مهنة الطب فحسب، بل أن جميع المهن تخضع لرقابة الحكومة، خلال الاحتجاجات قمنا بمساعدة العديد من الجرحى، لم نندم أبداً على عملنا، لكن في ذلك الوقت كنا قلقين من أن يتم اعتقالنا".
بدورها أوضحت الطبية دنيا. م من مدينة جوانرود ومقيمة في كرماشان، والتي تعمل مع زوجها في مشفى المدينة أنه "لدينا أسباب كثيرة لمغادرة هذا البلد بعد ثمانية سنوات من العمل في المجال الطبي، لأنه يبدو أن النظام لن ينهي من سياسته القمعية تجاه المواطنين، كما أن الأوضاع الاقتصادية تتجه نحو الأسوأ".
وأشارت إلى أنها تسعى مع زوجها في الحصول على تأشيرة لدخول ألمانيا "هناك سبب آخر يدفعني أنا وزوجي للهجرة من إيران وهي الظروف السياسية، إن القيود التي يفرضها المجتمع والسلطات هي أسباب أخرى لهجرتنا، رغم أنني كنت من المتفوقين في امتحان القبول، لكني واجهت العديد من المشاكل في العثور على وظيفة، إحدى مشاكلنا هي قبول حصص عائلات القتلى في الحرب الإيرانية العراقية".
وفي ختام حديثها أكدت دنيا. م أن السبب الرئيسي لهجرة الطواقم الطبية وحتى الموظفين في غير المجال الطبي هي الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعيشونها، والأجور المتدنية مقابل ساعات العمل الطويلة.