التكافؤ والتلاحم حول شعار "Jin Jiyan Azadî"... لا للإنكار الثقافي والأخلاقي والعرقي
هيكل الحرب العالمية الثالثة لا يشبه هيكل الحربين العالميتين الأولى والثانية من الناحية الاستراتيجية والتكتيكية، بل إنه أكثر صلابة وجبروتاً، فكل الأزمات والفوضى العارمة في الشرق الأوسط تستهدف المرأة في المرتبة الأولى.
المقال بقلم دلجين رستم
لقد مرت المجتمعات البشرية بثلاثة مراحل أساسية على مر التاريخ، بما في ذلك المرحلة الطبيعة للمجتمع أي ما نسميه المجتمع النيولوتيكي الذي يعتبر من أقدم وأكثر مراحل المجتمعات نشوءً من بين كل مراحل تنشئة المجتمعات البشرية، والتي تمثل نسبة 98% من الحياة الاجتماعية المبنية على الأسس والمبادئ الأخلاقية والاجتماعية الشائعة بين جميع فئات المجتمع حتى يومنا الراهن، بما في ذلك العدل والمساواة بين الرجل والمرأة الآلهة الأم. وهذا ما نسميه بالمرحلة التاريخية طويلة الأمد، لأن أثره ما زال سارياً بين شعوب الشرق الأوسط حتى يومنا هذا بعاداته وتقاليده الاجتماعية والأخلاقية والسياسية وحتى الاقتصادية.
يقول القائد عبد الله أوجلان "يمكن على الإنسان أن يأخذ الأخلاق والسياسة كوعي للتاريخ. إذا كانت السياسة تفكر من أجل المجتمع، فإن الأخلاق تعمل من أجل المجتمع. وبهذا الذهنية تتحقق سلامة الفرد والمجتمع. كل ما يبني الأخلاق والسياسة يبني المجتمع والتاريخ أيضاً".
أما المرحلة الثانية هو مرحلة الوسيط الأمد، أي مرحلة ما تسمى بإعطاء أولوية لأحداث وأشخاص تحت ستار حرية الفكر الفردية، التي من خلاله تم القضاء على جميع القيم المادية والمعنوية لشعوب الشرق الأوسط، وبهذا تم القضاء على الميراث الأخلاقي والثقافي والذهنية في الشرق الأوسط، والذي تسبب بمشاهدة العديد من الحروب والغزوات الدامية في المنطقة، وأول ما احط من شأنه هي المرأة، التي كانت الآلهة الأم التي أصبحت في يوم من الأيام مجرد وسيلة لتسلط وبسط نفوذ الإمبراطوريات في قصور الملكية أو في بيوت الدعارة، من خلالها تم تمزيق كيان المرأة والقضاء على ثقافة الآلهة الأم المقدسة. وتبدأ مرحلة جديدة في حياة المرأة ما تسمى بمرحلة الساحرات والمشعوذات التي من خلالها تم نفي النساء وقتلهن في جميع أنحاء العالم، إذ لم يتركوا من تلك الثقافة سوى الدمار وإنكار الهوية البشرية وسحق الثقافات من الوجود.
بالطبع، المثال الأعلى لذلك هو ما جلبته الحرب العالمية الثالثة من تغيير الموازين السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك الموازين الثقافية والأخلاقية في الشرق الأوسط بشكل خاص وفي العالم بشكل عام. لأن هيكل الحرب العالمية الثالثة لا يشبه هيكل الحربين العالميتين الأولى والثانية من الناحية الاستراتيجية والتكتيكية، بل إنه أكثر صلابة وجبروتاً. لأنها تضم العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الهادفة إلى الإنكار والانصهار العرقي، لأن الدول الطاغية لم تكتفي بالتغيير الديموغرافي وحده. بل يضربون المجتمعات بقبضة التكنولوجيا والاقتصاد والاستخباراتية، عن طريق تشكيل مجموعات الدينية والطائفية والحرب البارد ما يسمى بالحرب الخاصة، أي تهاجم جميع خلايا المجتمع التي تراه تهديداً سياسياً وعسكرياً وذهنياً واجتماعياً أمام أحلامه الهادفة إلى تحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير، بما في ذلك إعادة بناء شرق أوسط متوافق مع متطلباتهم، حيث تحولت الدول الطاغية إلى الوحش ما تسمى بـ "اللوياثان" الذي يبتلع كل القيم الإنسانية.
بلا شك، بما أن المرأة الأم هي كانت القدوة في التنشئة المجتمع منذ نعومة أظافرها وحتى الآن، تتعرض لكل أنواع الإنكار الثقافي والاستثمار الجنسي في جميع أنحاء العالم، ويعرّف القائد عبد الله أوجلان "الدولة بأنها اغتصاب النساء اللاتي يتم أخذهن كغنائم. الدولة أداة للقمع". سواءً أكان ذلك بشكل مباشر أو عن طريق اغتصاب هويتها السياسية والثقافية أو جعلها وسيلة في شن الحرب الخاصة من خلال الترويج الإعلامي الديني والطائفي المليء بالعادات والتقاليد البالية. أكبر دليل على ذلك هو ما تعيشه النساء اليوم في الشرق الأوسط، لا يزال يضحى بالمرأة على يد رجل باسم جرائم الشرف في العديد من بلدان الشرق الأوسط وخاصةً في المجتمعات القبائلية والعشائرية الشاسعة في الدول العربية، والتي تتم تحت ذريعة مسمى "غسل العار" أي (قانون تطهير الشرف)، وهذا ما يعطي الشرعية للرجل بقتل المرأة تحت ذريعة "العار"، وحتى لا يعاقب الرجل على فعلته هذه، يعطى الحق له قانونياً ودينياً، لأن المرأة أصبحت مجرد ملكاً للرجل وأماً لتربية أطفاله وتلبية رغباته الجنسية.
لذا، عندما ننظر إلى احصائية قتل النساء تحت ذريعة الشرف في العالم تتجاوز أعدادهن الـ 89 ألف امرأة، إلى جانب تعرض الآلاف من النساء للعنف الأسري والزوجي والجنسي في العالم. كل هذه البراهين تكفي لتكافؤ وتلاحم المرأة حول شعار "Jin Jiyan Azadî"، وخلق الحرية من لهيب رمادهن لتشكلن دائرة حول فلسفة وأيديولوجية المرأة الحرة.
بينما المرحلة الثالثة لتاريخ المجتمعات فهو القصير الأمد التي يسميها القائد عبد الله أوجلان بـ "سيسيولوجيا الحرية"، أي علم الاجتماع الثقافي الأساسي، كما أنه قام بتوضيح مفهوم علم الاجتماع على إنه ليس مجرد علم اجتماع فقط، بل بما إنه علم اجتماع الثقافة الأساسية فقد تم الفصل على النحو التالي علم اجتماع البناء وعلم اجتماع الإيجابية وعلم اجتماع الحرية.
على ضوء ما ذكرناه آنفاً، بإمكاننا القول قبل أن نقوم بتناول موضوع أهمية دور المرأة في سيرورة هذه المرحلة العصيبة التي تمر به كافة الشعوب المتواجدة في الشرق الأوسط بشكل العام وفي إقليم شمال وشرق سوريا بشكل خاص، علينا التطرق إلى معرفة دور المرأة في التنشئة الاجتماعية، سبب كل هذه الهجمات التي تتعرض لها المرأة على يد القوى الدولية التي قامت بشن الحرب العالمية الثالثة هو القوة التي وصلت إليها المرأة من الناحية الذهنية والسياسية والاجتماعية والعسكرية... إلخ. كل هذه الأزمات والفوضى العارمة في الشرق الأوسط تستهدف المرأة في المرتبة الأولى، وقد أخذ طابعه هذا من استراتيجية الحرب العالمية الثالثة. جميعاً ندرك كانت أولى بذور الاجتماعية بطابع المرأة، النساء اللواتي ساهمن في خلق الحياة بالتكافؤ والتعاون، كما أن المرأة صاحبة أول منتج اقتصادي في المجتمع، بتدارك الأمور المعيشية، وغيرها العديد من الساحات والمجالات التي تستهدفها أجندة الحرب العالمية الثالثة. ها قد حان الوقت لتقوم المرأة بتوحيد وتنظيم صفوفها على الصعيد السياسي والاجتماعي والدفاع عن ذاتها بتلاحمها حول قوات سوريا الديمقراطية والحماية الجوهرية، لكي تتمكن من حماية مكتسباتها في إقليم شمال وشرق سوريا، ورسم مستقبل مزدهر لأبنائها بكل مكوناتها وأعراقها وأطيافها. لأن شعار "Jin Jiyan Azadî" لم يكن مجرد كلمات منسقة ومركبة، بل هي كلمات أسطورية وملحمية لحقيقة الحياة. يمكننا أن نبني حياة جديدة مع فلسفة "Jin Jiyan Azadî"، هذه ستكون جواباً حاسماً لكل ما تتعرض له النساء من جرائم شرف وقتل جسدي وروحي وثقافي وعاطفي واقتصادي. حينها بإمكاننا نحن النساء أن نضفي المعنى للحياة المفعمة بالحرية.
وكما يذكر القائد عبد الله أوجلان "لقد كونت صداقة قوية وغير متناهية مع المرأة، هذه القضية هي قضية إيمان وإرادة. بهذا الشكل أريد إعطاء الجواب لمحاولات الرفيقات بخصوصي. الحقيقة الأكثر أهمية التي أريدهم أن يعرفوها هي أنهن يجب أن يكن أقوياء بما يكفي لتحديد مصير الحرب والسلام".
هذا ما يتطلب من الحركات النسوية في المرحلة العصيبة التي نمر به كشعب وكمجتمع وكجنس، سواءً أكان في الشرق الأوسط أو في إقليم شمال وشرق سوريا، فعلينا جميعاً تلبية نداء النفير العام، حتى نتمكن من حماية مكتسباتنا ووجودنا الثقافي والعرقي والسياسي. نتمنى النصر المؤزر لجميع النساء اللواتي يؤمنون بفلسفة المرأة الحرة هي ضمان المجتمع الحر.