اللغة الكردية... أصالة عريقة تواجه فرض الطمس الثقافي

حذّرت الشاعرة والباحثة اللغوية جلالة درودیان من المخاطر التي تهدد اللغة الكردية، مشيرةً إلى أن ازدواجية اللغة والطمس الثقافي يشكلان تهديداً حقيقياً لهوية الشعب الكردي، مشددةً على أهمية حماية لغة الأم وتعزيز حضورها في الحياة اليومية والتعليم.

رها نظري

سنه ـ تواجه اللغة الكردية خطر التلاشي بسبب غياب الاعتراف الرسمي بها في العديد من الدول، مما يحد من استخدامها في التعليم والإعلام، وتؤدي هيمنة لغات أخرى كالفارسية والتركية والعربية إلى تراجع تداول الكردية بين الأجيال الجديدة، كما أن ضعف الإنتاج الثقافي والأدبي باللغة الكردية يسهم في تقليص حضورها في الحياة العامة.

نظّمت جمعية مولوي سنه بالتعاون مع بيت الترجمة "هوجين" ندوةً علمية في 12 آب/أغسطس الحالي، في المكتبة المركزية بمدينة سنه شرق كردستان، قدّمتها الباحثة جلالة درودیان، تناولت خلالها تاريخ نشوء قواعد اللغة الكردية، وإقصاء لغة الأم من التعليم والحياة اليومية، سيطرة اللغات الأخرى، وتأثيرات الثنائية اللغوية على الهوية الفردية.

جلالة درودیان، الشاعرة والكاتبة والباحثة في مجال علم اللغة، تناولت في الندوة العلمية موضوع الثنائية اللغوية، وأهمية إعطاء الأولوية للغة الأم، وأزمة الهوية لدى الفرد ثنائي اللغة، إلى جانب قضايا لغوية أخرى، مستندةً إلى وثائق وأبحاث، وقد شاركت مجموعة من الشاعرات والكاتبات في هذا الحدث.

بدأت جلالة دروديان حديثها بطرح سؤالين على الحضور "كيف تنظرون إلى مسألة اللغة؟ نحن، كأفراد ثنائيي اللغة كالشعب الكردي، نواجه باستمرار هيمنة وسيطرة لغة أخرى، وقد تعلمنا وتحدثنا وكتبنا وحتى فكرنا بلغة غير لغتنا الأم، فبأي رؤية يمكننا دراسة اللغة؟".

 

اللغات والتاريخ

ثم تطرقت إلى تاريخ علم اللغة بالقول "عندما يكون الفرد جزءاً من المجتمع، يجب أن يكون قادراً على التواصل، وأهم وسيلة لهذا التواصل هي اللغة، لأن اللغة ليست مجرد أداة، إلى أي مدى استطاعت هذه الوسيلة عبر التاريخ أن تشغل ذهن الإنسان وفكره؟ أول كتاب موثق في هذا المجال هو عمل اللغوي الهندي بانيني، الذي كُتب قبل أربعمئة عام من الميلاد حول اللغة السنسكريتية، وكان الهدف من تأليف هذا الكتاب هو القراءة الصحيحة للنصوص الدينية مثل كتاب فيدا، وعلى الرغم من أن شعوباً أخرى مثل السومريين، والمصريين، والصينيين، واليهود تناولوا قواعد اللغة، إلا أن كتاب بانيني يُعد أول عمل مدوّن في هذا المجال".

وأضافت "يعتقد الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر أن وجود الإنسان وماهيته يُكتسبان معنى من خلال اللغة، فبدون اللغة لا يمكن لأي شيء أن يحمل معنى، سواء كان كذباً أو حباً أو جريمة أو لطفاً، ويؤكد الفيلسوف الألماني هانز جورج غادامر أيضاً على هذه الفكرة، قائلاً إن الوجود بأكمله يكتسب معناه عبر اللغة، إذن، ما هو مصيرنا نحن الذين نعيش بثنائية لغوية؟ عندما نتحدث في المنزل بلغتنا الأم ونفهم ونعبر عن الأمور اليومية بها، لكننا في الخارج، في التعليم والكتابة، نُجبر على التفكير والتعلم بلغة أخرى، فكيف يمكن لحياة هذا الإنسان أن تتشكل؟ هذه الحالة تخلق اضطراباً عميقاً في النفس، تنعكس آثارها في جميع جوانب الحياة، من الطفولة وحتى مرحلة البلوغ".

وأشارت جلالة دروديان إلى تجربتها الشخصية قائلة "في طفولتي، في مدينة كامياران، كانت اللغة السائدة لدينا تقريباً الفارسية، ولم تكن الكردية سوى ثلث الاستخدام اليومي، كنتُ أكرر السؤال مراراً لأفراد العائلة عن معاني الكلمات ومعادلاتها لأتمكن من فهم وتعلم لغتي الأم"، مضيفةً "يقول جاك دريدا الفيلسوف والناقد فرنسي "تتجلى رؤية الإنسان للعالم من خلال اللغة"، ولهذا السبب، فإن كل لغة تخلق عالماً مختلفاً وتجربةً فريدة، وعندما ندرس يومياً بلغة أخرى، ونعلم بها، ونتحدث بها مع الأطفال، فإن النفس والروح تصابان باضطراب عميق، والهروب من هذا الوضع يكاد يكون مستحيلاً".

 

اللغة الملاذ الآمن لحماية الفرد من الاضطهاد

وفي الختام، شددت جلالة دروديان على خطر الاستيعاب الثقافي واللغوي الذي يهدد الشعب الكردي "إذا وصلنا إلى مرحلة نفكر فيها حتى في داخل عقولنا باللغة الثانية، فهذا يعني أننا خضعنا للاستيعاب الثقافي، نحن، الشعب الكردي، بسبب الجغرافيا القسرية، كنا دائماً، طوعاً أو كرهاً، مجبرين على التحدث باللغة التركية والعربية والفارسية، وكان خطر فقدان اللغة الأم والهوية الثقافية يهددنا باستمرار، هذا الوضع لا يؤثر فقط على الفرد، بل ينعكس أيضاً على المجتمع والثقافة، لذلك، فإن الحفاظ على اللغة الأم، والتأكيد على تعليمها وتعزيزها، أمرٌ حيوي؛ لأن اللغة هي بيتنا، ملاذنا، والطريق الوحيد الذي يمكننا من خلاله إبقاء هويتنا وتجربتنا ورؤيتنا للعالم حيّة".