الكوليرا والاعتقالات وجهان لأزمة صحية متفاقمة في اليمن

كشف تقرير صادر عن تحالف حماية الصحة في النزاعات (SHCC) أن اليمن سجل 52 حادثة عنف أو عرقلة لخدمات الرعاية الصحية في عام 2024، توزعت بين اعتقال 19 من العاملين الصحيين، ومقتل ستة آخرين، إضافة إلى 18 حالة اقتحام قسري لمرافق طبية.

اليمن ـ يعيش اليمن أزمة صحية خانقة تفاقمت بفعل الحرب المستمرة منذ 2014، حيث انهارت البنية التحتية الطبية وتفشّت الأمراض مثل الكوليرا وسط نقص حاد في الكوادر والمعدات، وفي ظل الاعتداءات على المرافق الصحية واعتقال العاملين، بات الوصول إلى العلاج تحدياً يومياً، خاصة للنساء في المناطق الريفية.

لم تقتصر الأزمة على العنف المباشر، بحسب تقرير تحالف حماية الصحة في النزاعات (SHCC)، بل امتدت إلى تفشي الأمراض، حيث سجل اليمن أعلى عدد من إصابات الكوليرا عالمياً خلال العام نفسه، مع الإبلاغ عن أكثر من 249 ألف حالة يُشتبه بإصابتها، وأكثر من 800 حالة وفاة مرتبطة بالمرض.

وهذا الانتشار الواسع للوباء جاء في ظل انهيار البنية التحتية الصحية، وتراجع برامج الوقاية والتطعيم، التي تعطلت بفعل النزاع، مما أدى إلى زيادة التردد في أخذ اللقاحات وانخفاض معدلات التغطية، خاصة بين الفئات الأكثر هشاشة.

التقرير أشار أيضاً إلى أن الحوثيين نفذوا عدة مداهمات للمستشفيات والعيادات، بهدف السيطرة على الموارد الطبية، في حين نُسبت بعض الانتهاكات الأخرى إلى قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، وبينما تراجعت حوادث استخدام الأسلحة المتفجرة مقارنة بعام 2023، الذي شهد هجمات بطائرات مسيّرة وعبوات ناسفة استهدفت مرافق طبية، فإن الاعتقالات بحق الكوادر الصحية شهدت ارتفاعاً حاداً خلال 2024، ما يضيف عبئاً جديداً على العاملين في هذا القطاع الحيوي.

ويعاني القطاع الصحي في اليمن من هشاشة مزمنة تفاقمت منذ اندلاع النزاع عام 2014، ووفق تقييم أُجري في شباط/فبراير 2024، فإن 40% من أصل 5,257 وحدة صحية في البلاد تعمل بشكل جزئي أو متوقفة تماماً، خصوصاً في محافظتي البيضاء وصعدة، حيث يعود السبب في 79% من الحالات إلى نقص الكوادر، وفي 53% منها إلى نقص المعدات الطبية، ما يجعل تقديم الخدمات الصحية الأساسية أمراً بالغ الصعوبة.

ومن بين التحديات التي يواجهها النظام الصحي، يبرز النقص الحاد في الكوادر الطبية النسائية، وهو ما يفاقم من صعوبة حصول النساء على خدمات الصحة الإنجابية، خاصة في المجتمع اليمني المحافظ، حيث تلعب الخصوصية دوراً كبيراً في تحديد إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية.

هذا النقص لا يؤثر فقط على صحة النساء، بل يضعف أيضاً قدرة النظام الصحي على الاستجابة لاحتياجات نصف المجتمع في ظل ظروف الحرب والانهيار الاقتصادي.

في ظل هذه المعطيات، يبدو أن القطاع الصحي في اليمن لا يواجه فقط تحديات تقنية ولوجستية، بل يعيش في قلب معركة يومية من أجل البقاء، حيث تتداخل السياسة، والعنف، والمرض، في مشهد واحد يعكس مأساة بلد أنهكته الحرب، ويُظهر الحاجة الملحة إلى تدخلات عاجلة وشاملة تعيد للناس حقهم في العلاج والحياة.