الكرامة تحت الأنقاض... نساء سوريّات في وطنٍ بلا قانون

مقال بقلم منسقية اتحاد المرأة الأرمنية أناهيد قصابيان

في بلادٍ اعتادت أن تتوضأ بالشمس كل صباح، بات الخبز حلماً مؤجّلاً، والماء نداءً يتيماً في بيوتٍ تشرب الغبار. لا رواتب تُصرف، ولا كرامة تُحفظ، ولا أرضٌ تعرف أبناءها.

في حضن هذا الوطن المنهك، أصبح المرتب الشهري أمنية، والكرامة ترفاً، والموت رفيقاً أكثر صدقاً من الأمل.

سُرقت الدولة قبل أن تُسرق الرواتب، وشُرّعت أبواب البلاد لرياحٍ سوداء، تحمل فصائل لا تشبهنا، ولا تحفظ الأرض ولا العرض. دخلت بسم الله، لكنها داست الشهداء، سرقت الغلال، وكتبت على جدران بيوتنا "هذا لنا".

لا أحد سألنا. لا أحد اعتذر.

في الساحل، هناك نساء لم يكتب عنهن أحد، لأنّهن لم تصرخن، بل خزنّ الألم في صدورهن ومضين.

نساءٌ خسرن أبناءهن في حربٍ لم يخترنها، وعُدن يحملن صورهم بدل أيديهم.

في المناطق الساحلية، حيث يُفترض أن الدولة تسيطر، باتت المرأة أكثر عرياً من أي وقت مضى: تركتها الدولة تحت الفقر، والحداد، وعيون الأجهزة، ووعود بلا معنى.

تلك التي ودّعت ابنها على جبهةٍ مجهولة، عادت لتنتظر في الطابور حليباً مقطوعاً. تلك التي حملت ثلاث جبهات في قلبها: جبهة البيت، وجبهة القبر، وجبهة الحياة اليومية التي لا ترحم.

أما في جبل العرب، حيث الصخر يعرف أسماء الجدات، كانت المرأة الدرزية أكثر من أم، وأقوى من سلاح.

هي من فتحت باب الدار يوم اقترب الخطر، وهي من صرخت في وجه من ظنّ أن الكرامة قابلة للتفاوض.

في لحظة الحسم، لم تنتظر بياناً من زعيم، بل وقفت، وبصدرها حمت الأرض والعرض، ثم استشهدت بصمتٍ يليق بالكبار.

في الجبل، المرأة لا تُختصر بكوفية أو ثوب، بل بتاريخ. بشرفٍ لا يُمسّ. بوجعٍ لا يُصنّف في نشرات الأخبار.

خُطفت نساء الجبل… لكنهنّ عدن كالريح. قُتلت إحداهن دفاعاً عن بيتها… فصارت رمزاً محفوراً في الحجر.

منذ أن فُتحت أبواب البلاد للفصائل المتطرفة، والعالم يراقب بصمتٍ مخجل.

سُرقت البيوت، خُطفت البنات، نُهبت المزارع، وتحوّلت النساء إلى دروعٍ ضد السقوط الأخلاقي.

بين نظامٍ أحكم الخناق، وفصائل فتحت النار، ضاعت الحقيقة، لكن لم تمت.

المرأة السورية لم تكن ضحية، بل جداراً ضد الجوع، ضد الفقد، ضد الذلّ. كانت الخبز حين جاع أولادها، وكانت الساتر حين غاب الرجال، وكانت الندبة التي لم تجفّ.

نعم، الراتب قُطع، لكن ما قُطع حقاً هو الإحساس بالأمان. نُهبت الأرض، لكن ما سُرق هو التاريخ. واغتُصبت الكرامة، لكن ما لم يُكسر أبداً هو نبض النساء في وجه الحطب والنار.

لن نسامح من صمت، ولا من تواطأ. ولن ننسى من قاوم، ولو كانت مقاومته دمعة أو بندقية صدئة.

فحبر الناجين لا يجف…

فالنساء، حين يقرّرن الوقوف، لا يعرفن الهزيمة.