"الأساس التاريخي ومستقبل ثورة المرأة" كتاب يبرز تطلعات النساء نحو مجتمع ديمقراطي
سلطت أكاديمية الجنولوجي في كتابها الذي حمل عنوان "الأساس التاريخي ومستقبل ثورة المرأة" الضوء على تطلعات النساء نحو مجتمع ديمقراطي قائم على العدالة والمساواة، وكيف أعادت النساء بناء حياتهن وسط تحديات النظام الذكوري والصراعات السياسية.

مركز الأخبار ـ على الرغم من العادات والتقاليد المتجذرة في المجتمع منذ آلاف السنين، والعقلية الذكورية التي حاولت كسر إرادة المرأة، إلا أنها من خلال نضالها منذ أواخر الثمانينيات ساهمت في بناء نظام ديمقراطي ذاتي، وتصدّت للعنف والتمييز، ولا تزال تطمح لحياة عادلة ومستقرة وسط تحديات الحرب والنظام الأبوي.
تواصل أكاديمية علم المرأة (جنولوجي) أعمالها حول النساء وإنتاجاتهن، ومن بين هذه الإنتاجات كتاب بعنوان "الأساس التاريخي ومستقبل ثورة المرأة" الذي صدرت الطبعة الأولى منه باللغة الكردية عام 2021، مسلطاً الضوء على المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا ما بين عامي 2017 و2020.
ويتناول الكتاب مسارات الثورة النسائية من منظور تاريخي ومستقبلي، ويعكس تطلعات الأكاديمية في فهم أعمق لدور المرأة في التحولات الاجتماعية والسياسية، وقد تم بناء محتواه على أربعة أسئلة بحثية رئيسية وهي الأساس التاريخي للثورة النسائية الثانية على أرض القوس الذهبي؟ وما هي أنواع مشاكل المجتمع والمرأة في روج أفا (إقليم شمال وشرق سوريا، وما هو تأثير ثورة كردستان وثورة روج آفا على حياة النساء ومجتمعهن؟ ما هي آراؤهن ورغباتهن وأحلامهن المستقبلية؟ ما هو نوع الحياة والمجتمع الذي تطمح إليه نساء روج آفا؟
وللوصول إلى إجابة لهذه الأسئلة، أُجري أكثر من ٣٨٠ مقابلة فردية ونقاش جماعي في أحياء وقرى من عفرين إلى ديريك، ومن كوباني إلى منبج والطبقة والرقة، حيث استمعت نساء كرديات، وكلدانيات، وآشوريات، وسريانيات، وعربيات، وشيشانيات، وشركسيات، وتركمانيات، مسلمات، وإيزيديات، وعلويات، ومسيحيات، إلى أغاني النساء وقصصهن وتجاربهن وتقييماتهن، شاركت النساء من جميع الأجيال آلامهن وأفراحهن، وحللن تأثير الثورة على حياتهن، وبهذا العمل تتضح أيضاً مسؤولية عمل الجنولوجي وتحليله.
ما هو الأساس التاريخي لثورة النساء؟
بحماس كبير تم اكتشاف آثار 12 ألف عام من التاريخ البشري في 14 ألف طبقة من الطين الثقيل في المواقع الأثرية في إقليم شمال وشرق سوريا، من تل خلف إلى تل إندار وتتكون أسس هذا التاريخ من تماثيل ورموز نسائية، وقيم ثقافة الأم الإلهية التي خلقت المجتمع، وأحد الأمثلة على ثقافة الحياة الجماعية هو تمثال من القرن الثامن إلى السابع قبل الميلاد تم العثور عليه في تل خلف ويُظهر هذا التمثال شخصيتين مهيمنتين امرأة ورجل، يجلسان على كرسيان معاً، يمكن للمرء أن يفسر هذا على أنه رمز للإدارة المشتركة للنساء والرجال أي نظام القيادة المشتركة، ولكن خلال عصر الحكم الذكوري تم كسر العديد من قيم ثقافة المرأة القائمة على مبادئ العدالة وأخلاقيات الحرية والسعي إلى حياة جيدة بالقوة، ودُفنت تحت أنقاض المستعمرات ونفايات الحضارة، كما سرق علماء وجنود الدول المهيمنة العديد من تماثيل الآلهة ونهبوا البيانات الأثرية.
وتجسّد رموز المرأة وأشكالها عبر التاريخ إرثاً عميقاً من خمسة آلاف عام من حروب الاحتلال وكفاح الشعوب لنيل حياة كريمة، يظهر هذا الانعكاس في الطبقات الثقافية العميقة ويتجلى بوضوح في العديد من التعبيرات الفنية والمعرفية مثل المنحوتات واللوحات والقصص والنصوص القديمة التي حملت في طياتها صدى المقاومة والكرامة الإنسانية.
هناك العديد من بقايا الثورة النسائية الأولى
أوجه التشابه والاختلاف في تاريخ ومعتقدات وثقافات الشعوب
لا تزال بقايا الثورة النسائية الأولى حية حتى اليوم في العديد من الطقوس الاجتماعية، وفي أساليب الزراعة والحرف اليدوية، وفي الزينة والقصص ومعرفة الأمهات، ومن الأمثلة على ذلك الضيافة، احتفالات أعياد الربيع، ومشاركة الألم والفرح، والعمل الجماعي، وإقامة الأمسيات والنقاشات في غرف القرى.
كما أن أوجه التشابه والاختلاف في تاريخ ومعتقدات وثقافات شعوب إقليم شمال وشرق سوريا والتي يمكن تعريفها على أنها فسيفساء من الشعوب والمعتقدات مثيرة للاهتمام، عاشت جميع المكونات وجميع اتباع الديانات والمعتقدات في بلاد ما بين النهرين، من الإيزيديين واليهود والمسيحيين والمسلمين والعلويين والشيعة، على أرض واحدة لمئات أو آلاف السنين لكل شعب تاريخ، لغة، وثقافة فريدة، ولكن في الوقت نفسه تم بناء تاريخ وثقافة مشتركة للشعوب وكثيراً ما قاوموا الاضطهاد والهجمات الاستعمارية معاً، توجد مدن وقرى متعددة الثقافات والجنسيات في إقليم شمال وشرق سوريا، يتحدث سكانها بفخر عن حياتهم الاجتماعية وقيمهم المشتركة، وترتكز الحقيقة التاريخية للأمة الديمقراطية على القيم المشتركة للثقافة الجماعية، وتقديس الطبيعة والأرض والتواضع والتفاؤل وعلاقات حسن الجوار، في جميع مناطق روج آفا غالباً ما تتذكر النساء المسنات "الحياة القديمة" بحنين كجنة مفقودة كما تتحدث الأمهات عن ذلك في قصص وأغاني الحب والحزن، رغم أن الصعوبات الاقتصادية والعمل البدني كانت أشد في الماضي إلا أنهم يقولون "كانت الحياة أفضل مما هي عليه اليوم، كان الفتيان والفتيات يغنون ويرقصون معاً طوال الليل كانت حياتنا جيدة آنذاك، لكن مع دخول الكهرباء والتلفزيون والمال والهواتف المحمولة إلى حياتنا ساءت الأمور".
جذور المشكلات التي تواجه النساء
في سياق الأنظمة الأبوية والذكورية تم دمج الثقافة المجتمعية والروحية في العديد من الجوانب، وتظهر أماكن الزيارة مثل "تل خيلي" في كوجرات و"حجر العروس" في منطقة راجو بعفرين هذه الحقيقة بوضوح، كما تؤكد الأغاني الملحمية وقصص "عكيد" و"جولميرك" أن السعي نحو الحرية والحقيقة بين النساء والرجال كان دائماً مستمراً لقد أصبح هذا التاريخ الشفهي دعامة لثورة النساء المتواصلة، فقد نهضت المرأة مرة أخرى لتعيد بناء الحياة التي تم تدميرها وتخلق من جديد روابطها وتشاركها مع الآخرين.
أما جذور المشكلات التي تواجه النساء والمجتمع في إقليم شمال وشرق سوريا فتعود إلى هيمنة النظام الذكوري، وفي الجزء الثاني من دراسة سوسيولوجية تبين أن السبب الرئيسي لهذه المشكلات هو النظام الأبوي والدولتي، الذي تم فرضه في مواجهة الثورة النيولتية، أصبحت مفاهيم الشرف والملكية، وتنظيم الأسرة، والزواج، والدولة، بمثابة عقائد مقدسة فرضت التبعية على النساء، وقد رسّخ هيمنة الرجل في البنية القبلية والعائلية والاجتماعية والدولتية، مما أدى إلى تهميش رؤية النساء واحتياجاتهن حتى تلك المتعلقة بحياتهن الخاصة، فمصير النساء أصبح الطاعة، وإنجاب الأطفال، وخدمة الأسرة، وكل شيء يتعلق بالمرأة كان يُعتبر "خطيئة"، "حرام"، و"عار".
ثقافة الحياة ومسار النساء بدأ يتغير
المرأة والحياة، والأرض والتعايش بين جميع المكونات تمزقت بفعل الصراعات والتقسيمات السياسية التي فرضتها الدولة القومية، نتيجة لذلك تعطلت الطرق الاقتصادية والتجارية والرعوية، وتفككت المدن والقرى عن بعضها البعض، واضطر الرحّل إلى الاستقرار قسراً في مناطق "الحدود العليا" أو "السفلى"، والتحول إلى نمط حياة مستقر، وبهذا الشكل، تغيرت ثقافة الحياة ومسار النساء اللواتي كن سابقاً فاعلات في الحياة بكافة مجالاتها، وأصبحن اليوم في القرى والمدن محصورات غالباً داخل جدران المنازل، يُنظر إليهن كـ"نساء البيت"، بعد أن كنّ تحملن أدواراً متعددة في المجتمع.
ترك مشروع "الحزام العربي" كُرد روج آفا بلا أرض
أدت شوفينية الدولة السورية إلى تجريد معظم كُرد روج آفا (إقليم شمال وشرق سوريا) من الجنسية السورية في الخامس من تشرين الأول/أكتوبر 1962 ووُصف الرجال والنساء الكرد بـ "المكتومين" أو "الأجانب" من خلال حرمانهم من حقوقهم القانونية والسياسية والاقتصادية والمدنية، بالإضافة إلى ذلك ترك نظام البعث الكرد بلا أرض في السبعينيات من القرن الماضي مع مشروع "الحزام العربي" العنصري، وأوضحت النساء الكرديات أن الضغوط الاستخباراتية والعسكرية جعلت المجتمع يخشى ظله وكسرت ثقة الشعب في مجتمعه، حيث لم يعد الإخوة يثقون بإخوانهم، وتم اعتقال آلاف الكرد وتعذيبهم في السجون، وأكدت النساء اللاتي سُجن بسبب عملهن السياسي من أجل حقوقهن أن "السجون السورية كانت مرآة لحالة المرأة" لقد تعرضن للتعذيب الجسدي والنفسي في سجون نظام البعث، في الوقت نفسه شهدن كيف نظمت الدولة التجسس والدعارة والاتجار بالنساء والمخدرات، ووفقاً للقوانين المدنية للدولة السورية كانت المرأة "نصف إنسان" في المحكمة كانت شهادة امرأتين تساوي شهادة رجل واحد، كان نصيب المرأة من الميراث نصف نصيب الرجل أيضاً لم يكن للمرأة مكان في السياسة والتعليم، كما أدت عنصرية الدولة والتمييز الجنسي الاجتماعي إلى أن تكون 75% من نصف مليون امرأة في مقاطعة الجزيرة قبل ثورة روج آفا غير متعلمات أو حصلن على تعليم ابتدائي فقط، ولم تتجاوز نسبة النساء اللواتي التحقن بالجامعة 3%.
دمرت السياسة الاقتصادية الموارد الطبيعية
أدت السياسة الاقتصادية المركزية للدولة، التي دمرت الموارد الطبيعية إلى اغتراب المرأة عن عملها وأرضها وترتبط العديد من المشاكل الصحية والاجتماعية للمرأة بهذا، كما أثر العنف القائم على النوع الاجتماعي والحرب والهجرة سلباً على صحة المرأة وشعوب إقليم شمال وشرق سوريا، ففي بداية القرن الحادي والعشرين وصلت المشاكل القائمة على النوع الاجتماعي والعنصرية والسياسية والاجتماعية والبيئية إلى مستوى لم يعد بإمكان المرأة والمجتمع الغربي قبول الاضطهاد، وامتدت ثورة شعوب شمال إفريقيا والشرق الأوسط عام 2011 إلى سوريا، إلى جانب ذلك أحيت المرأة الكردية آمالها وارتباطها بالحياة والمجتمع والسياسة وازدهرت الحياة في روج أفا مع حركة الحرية.
فيما يتعلق بكيفية تأثير ثورة كردستان وثورة إقليم شمال وشرق سوريا على حياة المرأة والمجتمع، تقول النساء إن تغييرات كبيرة طرأت على حياتهن مع وصول القائد عبد الله أوجلان وحزب العمال الكردستاني منذ عام ١٩٧٩، وتصف النساء السنوات الأولى لحركة الحرية في روج آفا بأنها "ازدهار شعب روج آفا من جذوره" وقالت العديد من النساء اللواتي تابعن عن كثب مسيرة حركة حرية كردستان في ثمانينيات القرن الماضي "رأت نساء روج آفا شرارة في حزب العمال الكردستاني واحتضنتها".
هزت مشاركة النساء في الثورة التقاليد المتحيزة ضد المرأة
منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، كان البحث عن إجابات لسؤالي "كيف نعيش؟" و"من هي المرأة الحرة؟" هما المبدآن الموجهان لنضال المرأة وتنظيمها في روج آفا، بهدف تحرير المرأة والوطن وإيجاد حلول للمشاكل الأسرية والاجتماعية، انضمت المزيد من النساء إلى النضال من أجل حرية كردستان، وهزت مشاركة نساء رائدات، مثل فيدان وروكن من عفرين، ودجلة وشيلان من كوباني، ووارشين وسوزدار وشرفين من ديريك، وعدالت من قامشلو، وبرجم من درباسيه، بنضالهن ومواقفهن، العديد من تصورات وتقاليد التمييز الجنسي الاجتماعي المتجذرة في المجتمع الكردي منذ 5000 عام.
أصبحت خبرة ومعرفة النضال المنظم لمدة 30 عام أساساً لقيادة المرأة في ثورة روج آفا، من ثورة 19 تموز 2012 إلى تأسيس نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية والمعارك الضارية ضد اضطهاد وفكر داعش، أعطت النساء على جميع الجبهات لون وروح المرأة للثورة بأفكارهن ومواقفهن وعملهن، في المعارك الدفاعية ضد هجمات نظام البعث وضد إبادة داعش والاحتلال التركي خلقت نساء إقليم شمال وشرق سوريا هوية جديدة لأنفسهن من خلال مقاومة مقاتلات وحدات حماية المرأة YPJ ومن خلال أسلوبهن القيادي والسياسي تم بناء الهوية الجديدة للنساء كمقاتلات من أجل الحرية، وبناءً على خبرتهن ومعرفتهن بتحليل ووجهات نظر القائد عبد الله أوجلان، أصبحت المرأة الكردية القوة الرائدة في بناء وحماية الأمة الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا، لقد منحوا النساء من جميع الفئات القوة والإلهام والثقة للانضمام إلى العمل السياسي، وتأسيس نظام ديمقراطي مستقل، ومجالس نسائية، وتولت النساء أدواراً جديدة في المساعي السياسية والاجتماعية، وفي مجال الدفاع عن النفس، ومع كل خطوة جديدة تخطوها النساء في حياتهن، أسهمن في تشكيل المجتمع وتغييره.
طورت المرأة عملها مع ثورة روج آفا
خلال الثورة سعت حركة مؤتمر ستار النسائية على وجه الخصوص إلى تطوير سبل ووسائل لحل مشاكل المرأة والمجتمع في إطار أيديولوجية حرية المرأة ومجتمع أخلاقي وسياسي، أصبح تطبيق نظام القيادة المشتركة والتمثيل المتساوي للنساء والرجال في جميع المؤسسات والإدارات الديمقراطية المستقلة خطوة مهمة نحو زعزعة هيمنة الرجال على السياسة والمجتمع في روج آفا، أصبحت العديد من المشاكل والصراعات الاجتماعية مثل التمييز الجنسي الاجتماعي والعنف ضد المرأة في العلاقات الأسرية، والهجمات والتصورات الاستعمارية والدينية والعنصرية، والمشاكل السياسية والاقتصادية والبيئية والتعليمية والصحية للمجتمع، وخاصة مشاكل الوعي قضايا نضال في آن واحد، لوقف الإبادة الجماعية ضد المرأة واستمرار سيطرة الذكور على الحياة الأسرية والاجتماعية، شكّل عمل دور المرأة وإصدار قوانينها دعماً لتطبيق حقوق المرأة وحمايتها منذ بداية الثورة، كما ازدادت الشابات إصراراً ونشاطاً من خلال إنشاء منظماتهن المستقلة.
جهود لتطوير حياة صحية وصديقة للبيئة وإحياء تعافي المرأة
مع إنشاء الكومينات والمنظمات النسائية في مجالات السياسة والمجتمع والثقافة والفن واللغة والتعليم والصحة والاقتصاد والدفاع عن النفس قُطعت أشواط كبيرة أصبحت لدى العديد من النساء خيارات حياة جديدة تُحقق النساء ثورة المرأة من خلال أنشطتهن الثقافية والفنية والأدبية، وروحهن، ونضالهن، وقد بُذلت جهود جديدة لتطوير حياة صحية وصديقة للبيئة وإحياء تعافي المرأة، بالإضافة إلى ذلك من خلال إنشاء مشاريع الاقتصاد الجماعي والتعاونيات النسائية وتنظيم النساء العاملات تسعى النساء إلى تحرير أنفسهن من الضغوط الاقتصادية وكسب عيشهن، في مجال التعليم والعلوم تحتل المرأة مكانةً رائدةً كمعلمة في المجتمع، وكصانعةٍ لنظام التعليم الوطني الديمقراطي، وأكاديميات المرأة، وعلم الجنولوجيا، وعلى وجه الخصوص، بذلت المرأة جهوداً كبيرة منذ بداية الثورة في تطوير الثورة اللغوية، والتعليم المجتمعي، والمجالس.
"لم نصل بعد إلى منتصف الطريق"
حققت المرأة إنجازاتٍ عديدة، لكن مشاكل إحياء المجتمع الأخلاقي والسياسي لا تزال قائمة، وقد انكشفت مفاهيم وروابط النظام الأبوي والدولة في بعض الجوانب، ومع ذلك تشير البيانات الكمية والتعليقات على حوادث وأنواع العنف ضد المرأة إلى أن تأثير العقلية الحاكمة لا يزال العائق الأكبر أمام بناء تعايش حر، وعلاقات ديمقراطية في الأسرة والمجتمع، ومستقبل حر للشابات، وإذ تدرك النساء في إقليم شمال وشرق سوريا أن أمامهن طريقاً طويلاً ومسؤوليات جسيمة، وتؤكدن أنهن "ما زلن في منتصف الطريق لقد وصل عملنا ونضالنا إلى مستوى غير كافٍ النضال من أجل الحرية نضال لا نهاية له".
كانت الأسئلة المتعلقة بالأحلام والتطلعات المستقبلية التي طرحناها في المقابلات والنقاشات مع نساء روج آفا من أصعب الأسئلة بالنسبة لمعظمهن، فمن الصعب جداً التنبؤ بالمستقبل في سوريا بسبب التهديدات المستمرة بالحرب والإبادة الجماعية والاضطرابات، من ناحية أخرى لم تتعلم النساء بعد أن تكنّ مالكات لمصيرهن في ظل النظام الأبوي.
تحتاج النساء إلى الحياة الطبيعية والاستقرار
تُظهر نتائج الدراسة أن النساء في إقليم شمال وشرق سوريا بحاجة إلى الحياة الطبيعية والاستقرار، قبل كل شيء تحاول معظمهن تنظيم حياتهن بطريقة "عادلة" أو "طبيعية" حتى في ظل ظروف لا توجد فيها ضمانات، بينما تسعى أخريات إلى "حياة مريحة" بعيداً عن الفوضى والحرب في سوريا من خلال الهجرة، ومع ذلك ندمت معظمهن على طريق الهجرة لاحقاً، فافتقدن بلدهن وعائلاتهن ومجتمعهن، في المقابل ترى نسبة كبيرة من نساء روج آفا أنفسهن مسؤولات عن حماية وجودهن وكرامتهن، وبناء مستقبل حر، لذلك تنضممن إلى عمل الكومينات والمؤسسات النسائية، وتبنين وتحمين نظاماً ديمقراطياً ذاتياً، وتعشن بروح الثورة.
لكن في النهاية، تلتقي مطالب الأمهات من جميع مكونات إقليم شمال وشرق سوريا حول هذه القضايا، جميعهن ترددن "لا للحرب والقتل، لتتحد العائلات من جديد وتعيش معاً لينشأ أطفالنا دون خوف ويتلقوا تعليماً جيداً". عبّرت إحدى عضوات مؤتمر ستار من مدينة الحسكة عن تجربة وواقع ثورة المرأة بهذه الكلمات "مع كل خطوة تخطوها النساء في هذه الثورة، تكتسب قوة وتغيرات كبيرة، سنقاوم دائماً ونقول دائماً مستقبلنا مليء بالأمل نؤمن بأن حياتنا وحياة جميع النساء ومجتمعنا ستكون أفضل، قد نسقط مرات عديدة لكننا سننهض كطفل يتعلم المشي".