سوسن جميل حسن... من الطب إلى سردية قضايا الإنسان والمرأة والتاريخ

في روايتها الأخيرة "إسْمي زيزفون" تأخذنا الدكتورة والكاتبة سوسن جميل حسن في سردية تجمع بين قضايا الإنسان عموماً والفئات المهمشة خصوصاً، ودائماً محورها المرأة التي تعاني من ظلم واضطهاد المجتمع والسلطة الذكورية، من منظور أحداث تاريخية امتدت خلال عقود

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ تصنف الكاتبة السورية سوسن جميل حسن الروايات التي كتبتها في سياق ما بات يُعرف بـ "الأدب الإنساني"، ولا تحبذ التصنيف بأن أدبها نسوي، كونها تعتبر الأدب منجزاً ثقافياً إنسانياً، ومفهومه أوسع وأشمل، إلا أن الفارق في مجتمعاتنا، أن المرأة تتعرض للاضطهاد والظلم بصورة أكبر بكثير من الرجل.

تحاول الكاتبة السورية سوسن جميل حسن من خلال رواياتها أن توصل سردية المرأة وتُسمع صوتها وأن تتركها تتحدث عن نفسها، ناقلة صورة المجتمع والوضع العام لا سيما في مجتمعات محكومة بالموروث والأعراف ومنظومات القيم الجائرة، مع عودة سيطرة رجال الدين على الفضاء العام، وإلى مستوى ما قبل الدولة، والمحكومة بالعنف وسط عودة الانحدار القيمي والأخلاقي، ولا سيما ما يطال المرأة.

 

من الفن... إلى الطب والرواية

عن مسيرتها، قالت سوسن جميل حسن لوكالتنا "ولدت في دمشق إلا أن أصول العائلة من اللاذقية، وقد ترعرعت في منزل والدي الباحث والكاتب جميل حسن، ووالدتي التي على الرغم من أنها لم تكمل الإعدادية، فقد شجعتنا على الدراسة والتفوق".

وأضافت "ورثت الديون والأعباء وتأمين الأسرة بمفردي بعد وفاة زوجي بمرض عضال، وعملت في تخصصي الطبي لأتمكن من إعالة ولديَّ، أولاً في عيادتي وفي الإسعاف الليلي وثانياً كموظفة في مديرية الصحة في اللاذقية، وهو ما أرجأ فكرة الرواية لدي".

وعن بداياتها في الرواية قالت "لم تكن الكتابة والأدب غريبين عني، فمنذ طفولتي كنت أتابع القراءة، وبدأت بممارسة الرسم منذ الصف الثاني الابتدائي، واحتوت لوحاتي سرديات إنسانية، فبعد أن روى لي والدي قصة ولادة المسيح، قمت برسمها بخطوط الأطفال وبألوان مائية، ليعجب أحد أصدقاء والدي بها وكان مصوراً فوتوغرافياً وفناناً وقام بتأطيرها، كما مارست النحت والتمثيل بالصلصال، وشاركت بلوحاتي وتماثيلي بمعارض عدة".

وعن النحت تبين "ألهمتني دراسة الطب النحت والتمثيل بالصلصال، عبر التعرف على الجسد البشري، ولا زال لدي تمثالين في منزل العائلة في اللاذقية، أما بالنسبة للكتابة، بدأت الأدب وقتها بأدب الرسالة في ذلك العصر الذهبي للرسالة، حيث كنت أتبادل الرسائل مع صديقة لي من دمشق، وكانت تتمحور حول نقاش روايات ومواضيع عدة، فضلاً عن محاولات شعرية وغيرها، ولا زلنا هي وأنا نحتفظ بهذه الرسائل رغم مرور 45 عاماً".

وتابعت "بعد الزواج وأعبائه، والتحولات التي طرأت على حياتي، أصبحت أبا وأما في آن، وأخذت أغوص في قضايا أخرى منها مسألة التركة والميراث وما تعرضت له من الفساد المجتمعي والقضائي، وهو نواة لما سردته في رواية ألف ليلة وليلة بقصة الصيدلانية "ديما" التي تعاني من العنف الزوجي، وتلجأ للمحاكم وتتعرض للكثير من التحديات".

 

حرير الظلام

وعن روايتها الأولى "حرير الظلام"، قالت "هي رواية حول أعمى، فقد كان الأعمى يلفت نظري دوماً، كما كان لدي العديد من المرضى العميان، لأغوص في منظور الأعمى للحياة ونفسيته وما يشكل رموز وعيه، التي تخلو من الشكل واللون، وفي هذه الرواية تظهر المرأة بصورة الأم التي تحبه وتتفهم حالته، وتأخذه إلى منزل العائلة الريفي قرب النهر، ليمارس هواية تشكيل الأجسام بالصلصال، ما نمى إحساسه بالكتل والقياس الخاص به، وليتعلم عزف العود، ثم يتزوج وينجب، ويعرض تماثيله في معارض، إلا أنه يستعيد النظر بعد تطور العلم، ليتفاجأ بأنه متأخر 40 سنة، وليشعر بالوحدة والوحشة، ولا يندمج مع محيطه في المجتمع ونظمه القيمية، وبأن زوجته التي كان "يراها" من منظوره فائقة الجمال، قبيحة، ويجد تماثيله بشعة، وأخذت الحواجز تنشأ بينه وبين ابنه، ويحاول العزف ولا يستطيع، ليصاب بنوبة غضب ويبدأ بتكسير كل شيء، العود والتماثيل، ولينتحر أخيراً".

وأشارت إلى أنها بعد إكمال الرواية، قررت إقفال عيادتها لتستمر بعملها الوظيفي، لتكتب بعدها رواية "ألف ليلة وليلة"، ولتترك الوظيفة بعدها وتتفرغ تماماً للكتابة.

 

النساء في روايات سوسن حسن

تتوزع أدوار النساء في روايات سوسن جميل حسن على شخصيات عدة، فهي الأم، الزوجة، الحبيبة، الأخت، العاملة وغيرها من الأدوار، وتؤكد الروائية السورية أن "المرأة حاضرة لأنها حاضرة في المجتمع، وأعمالي تعنى بقضايا المجتمع المختلفة ومنها الجهل والتخلف والتحكم من منطلق الموروث، الذكورية، القوانين الجامدة غير القابلة للتطور، رجل الدين الذي وصفته كنموذج، ويظهر في "النباشون" وكذلك في روايتي "إسمي زيزفون" حيث يمثل النص الديني الذي يطبقونه للسيطرة على المجتمع، وبإحراق المقام في هذه الرواية، فهو إحراق للأداة الآخذة في القدسية، والمتحكمة في الوجدان الاجتماعي الذي يصب في إهانة المرأة، وبهدف تكسير هذه الموروثات الاجتماعية العفنة، والتي تتمثل بطاقة العفة والفضيلة".  

 

العنف المجتمعي ضد النساء

وقالت سوسن جميل حسن "يظهر العنف جلياً في رواية "النباشون" الصادرة عن دار الآداب في بيروت، التي أخذت حصة كبيرة من القراءة والنقد، فهناك عنف كامن في المجتمع، ينعكس على شخوص الرواية ولا سيما النساء الثلاث وهن محورها".

وتضيف "المرأة حاضرة في رواياتي بشكل كامل ودوماً، وفي رواية "النباشون" هناك نماذج ثلاثة بارزة، اثنتان منهما بطلة الرواية "جميلة" ووالدتها "دنورة" من البيئة المهمشة من حي "السكنتوري" وهو من العشوائيات في مدينة اللاذقية، و"دلال" من إحدى العائلات الميسورة والمحافظة إلى حد ما بالمفهوم المجتمعي لا الديني، والنساء الثلاث يتعرضن للعنف بطرق مختلفة وبحسب المجتمع الذي ينتمين إليه".

وتابعت سوسن جميل حسن "شخصية جميلة مبنية ومستقاة من إحدى مريضات عيادتي، وأعملْتُ خيالي الروائي في نسج حبكة القصة بناء على هذه النواة، وقد تعرضت للظلم والاضطهاد والاستغلال المادي من قبل والدها، حيث حرمها من إكمال تعليمها لتعمل كعاملة في مؤسسة التبغ لمدة 8 ساعات، كما وتعرضت للتنمر والسخرية من شكلها من قبل بيئتها وهي صغيرة بسبب ندبة "حبة حلب" وبعدها من رفيقاتها بالعمل بسبب بدانتها، وللتحرش الجنسي من قبل مديرها في العمل، حيث كانت تتجلى حالتها النفسية بنهم الأكل كلما تتعرض للتوتر، لتتطور حالتها فيما بعد إلى تخيلات بأنها حامل وهي لم تتزوج أصلاً، وهي التي كانت تحب الأطفال بصورة غير طبيعية، وقد حرمت من الأمومة والارتباط ممن أحبت، لتصاب بنوبات هلع خوفاً من نظرة المجتمع بأنها حامل بطريقة غير شرعية، وفي نهاية الرواية تقوم بسرقة مولود أحد جاراتها، وتهرب به إلى غرفتها المقفلة لترضعه، وبعدها تصاب بالجنون وتهرب".

وعن الشخصية الثانية تقول "دنورة هي أم جميلة، يتزوجها "حمود العتال" من إحدى القرى النائية وهي صغيرة، وتفقد بسبب الفقر والجهل ولدين ذكرين قبل ولادة "جميلة"، وتتحول إلى شبه شبح بسبب مكابدتها الهم والحزن وحيدة، حيث يريدها زوجها جاهزة دوما لإرضاء رغباته، ويعايرها بنحافتها وعظامها، ولا يكتفي بذلك بل يذهب إلى بيت للمتعة، أما دلال، فتسكن في أحد الأحياء الراقية بالمدينة، ودرست في الجامعة، وأحبت زميلها، ولكن بعد أن قطعت العمر المقبول من المجتمع للارتباط، تظهر نقطة هامة هنا وهي لقب العنوسة وهو النعت المفروض من المجتمع والذي فيه نوع من الانتقاص، وتتعرض لمحنة اكتشاف ورم في عنق الرحم يشتبه بأنه سرطان، وتبدأ محنتها بأنها قضت عمرها لا تعرف شيئاً عن جسدها وتعيش التابوهات والمحرمات".

 

إسمي زيزفون

وتصف سوسن جميل حسن رواية "إسمي زيزفون" الصادرة هذا العام 2022 عن دار منشورات الربيع بالقاهرة، بأنها "محاولة لنبش وتفكيك تاريخ سوريا من منتصف الستينيات من القرن الماضي حتى تاريخنا الحاضر، مثل هزيمة حزيران، وانقلاب حافظ الأسد، وتفتيت للحركات اليسارية وحركة الإخوان المسلمين الحرب السورية وصولاً إلى الوقت الحاضر من جائحة كورونا، وقد تابعت هذه الأحداث خلال حياتي وفي مجتمعي إلا أنها ليست رواية سيرة ذاتية، فلم أعش في الريف، بل كنت أزور الريف، فهي صور مخزنة في الذاكرة، عن الريف والبيئة والناس، والواقع المعيشي".

وتدور الرواية حول قصة الستينية زيزفون، التي تستذكر عندما كان عمرها 15 عاماً وتم اتهامها بعلاقة مع أحد أساتذة القرية ليتم إجبارها على خوض تجربة عبور "الطاقة" للتأكد من صدقها.

وبينت الكاتبة أنه "في مرحلة من المراحل كانت الطاقة المذكورة في المقام، وما قبل الدولة، تستعمل كرادع معنوي لارتكاب المعاصي، وكبديل عن المحاكم في كشف الجناة وما رافق ذلك من موروثات لترسيخها في العقل الجمعي، وأصبحت هذه الأداة وغيرها على أيدي رجال الدين بعد ذلك استغلالاً للدين بهدف خدمة السياسة، وتكريساً للمذهبية وشكلاً من أشكال الهوية الطائفية، ولا سيما في الحرب السورية التي نتأت فيها الطائفية بشكل كبير، وعادت هذه الظاهرة مؤخراً وخصوصاً لاستهداف النساء".

وأشارت سوسن جميل حسن إلى أن "كون زيزفون نحيفة فقد تمكنت من ذلك بينما لا يتمكن البدينون مثلاً، وعلى الرغم من تمرد زيزفون على هذا الأمر، إلا أنها أجبرت على خوض هذا الامتحان، وبعدها تضمر على رد الفعل المتمثل بإحراق المزار تحت جنح الظلام، والتمسك باسم زيزفون وطمس اسم جهيدة، التي تم إجبار والدتها على القبول به، بعد تسجيل والدها بدائرة النفوس في جبلة تحت هذا الاسم".

واختتمت سوسن جميل حسن حديثها بالقول إنه "كانت ثمة قراءات عدة لرواية "إسمي زيزفون"، ومنها من وجهة نظر نسوية، إلا أن ما أراه شخصياً أن لا حرية للمرأة بدون مجتمع حر، وبالنسبة لي فقد ساعدني مركزي كطبيبة واستقلالي الاقتصادي، ودعم الأهل، بالإضافة إلى محيط اللاذقية المنفتح والمتنوع عرقياً وإثنياً على دعم رواياتي بخامات عدة، فلا مجال للتقدم بواقع المجتمع والمرأة إلا عبر التمكين العلمي والثقافي والاقتصادي".