"‬كورال كروان الحمراء" فضاء يحرر المغربيات من أعباء الحياة‬‬‬

يعد نادي "كورال كروان الحمراء" بمدينة مراكش المغربية واحداً من الفرق النسائية التي فرضت نفسها بقوة، وشكل فضاءً لالتقاء عدد من الوجوه النسوية جمعهن العشق والشغف بالغناء.

رجاء خيرات

المغرب ـ خلال السنوات الأخيرة ظهرت العديد من المجموعات الغنائية (الكورال) النسوية التي أضحت متنفساً للنساء من ضغوطات الحياة واتاحت لهن فضاءات تمارسن من خلاله الغناء.

يشكل نادي "كورال كروان الحمراء" بمدينة مراكش المغربية واحداً من الفرق النسائية التي فرضت نفسها بقوة، حيث شكل فضاءً لالتقاء عدد من الوجوه النسوية اللواتي كن بداية لا يتجاوزن اثنا عشر امرأة، ليصبح عددهن اليوم أكثر من أربعين امرأة، جمعهن العشق والشغف بالغناء فوجدن ضالتهن في هذا الفضاء الذي أتاح لهن فرصة لممارسة هواية الغناء التي ظلت حتى وقت قريب، حبيسة وعصية على التحقيق بسبب المسؤوليات الكثيرة والأعباء الملقاة على عاتقهن، سواءً الأسرية أو المهنية منها.

ويجمع نادي "كورال كروان الحمراء" نساءً من مختلف الأعمار والمستويات التعليمية، فعلى الرغم من الاختلافات فإن حب الغناء والموسيقى يوحدهن ليشكلن صوتاً واحداً يصدح بأغاني مغربية وشرقية لتبديد ضغوطات الحياة.

وحول الاسم الذي تم اختياره للفرقة تقول رئيسة النادي وممولة حفلات بمراكش حكيمة العلمي إن اسم الكورال يقسم إلى جزأين الأول منه يعود إلى طائر الكروان ذو الصوت الجميل، والحمراء نسبة إلى مدينة مراكش المعروفة بالمدينة الحمراء لأن مبانيها قد شيدت من الحجر الرملي الأحمر.

وأوضحت أن الكورال في البداية لم يكن يتجاوز إثني عشر امرأة، ليرتفع العدد تدريجياً متجاوزاً الأربعين، حيث أبدت العديد من النساء رغبتهن بالالتحاق بكورال كروان الحمراء للترفيه عن أنفسهن وممارسة هوايتهن المفضلة.

ونوهت إلى أنها احتضنت الكورال في بيتها من أجل التدريبات الصوتية، التي تتم بشكل أسبوعي، حيث أصبحت النساء المشاركات ينتظرن بفارغ الصبر حلول عصر الخميس لكي تلتقين، وتتبادلن الأخبار، وينصتن لبعضهن البعض حين تمارسن الغناء.

ولفتت إلى أن الكورال تطور بشكل ملحوظ منذ إنشائه، بفضل التدريب على مادة "الصولفيج" أي القراءة الموسيقية، وتوحيد الأصوات بشكل جماعي، حيث لا وجود لنجمات من بين النساء، فقد اخترن أن يغنين بشكل جماعي ويعملن على تدريب أصواتهن حتى تتوحد في صوت واحد.

وأشارت إلى أن النادي أصبح يتلقى دعوات للمشاركة في حفلات وعروض خارج مدينة مراكش، بفضل انفتاح الفرقة، على فعاليات ثقافية أخرى، حيث سبق وأن شاركت الفرقة في حفل أحيته في مدينة أغادير (جنوب المغرب) ومدينة الدار البيضاء (وسط المغرب)، كما أن الفرقة تستعد لإحياء حفلات أخرى في كل من مدينة فاس وطنجة (شمال المغرب)، فضلاً عن لقاء سيجمع الكورال بفرقة موسيقية تضم أربعين عازفة وعازف من مالقة بإسبانيا.

وأضافت أنه "كون الفرقة أنشأت في البداية فقط كنوع من الترويح عن النفس والتحرر من أعباء الحياة اليومية بالنسبة للعاملات وربات البيوت، إلى أن تطورت الفرقة وأصبحت تحيي حفلات وعروض داخل وخارج المدينة، حيث تجمعنا روح الطرب وعشق الغناء في جو حميمي يسوده الاحترام وحب الموسيقى والغناء بالنسبة لنا كنساء".

 

 

ومن جانبها قالت المقاولة والمتخصصة في التغذية الطبيعية شمس الضحى إن عضوات الفرقة في بدايتهن جمعتهن المقاولة النسوية، ليقررن فيما بعد أن يخصصن وقتاً للترفيه والترويح عن النفس عن طريق الغناء، حيث كن تلتقين في مناسبات وتنخرطن في الغناء بشكل تلقائي، فاكتشفن أنها هواية مشتركة بينهن، مما أدى للتفكير في إنشاء فرقة غنائية نسوية، وهو ما دفعهن لتأسيس "كورال كروان الحمراء" الذي أصبح منفساً حقيقياً للعضوات، وتلتقين من خلاله بشكل أسبوعي للغناء وطرح مجموعة من القضايا والإشكالات التي تعاني منها النساء.

ولفتت إلى أن هذا اللقاء الأسبوعي بات واحداً من المواعيد الهامة في حياتها وفي حياة نساء أخريات في ظل الالتزامات الأسرية والمهنية التي تثقل كاهلهن كنساء، وبحكم أن الفرقة هي أول كورال نسوي خالص فإن اللقاء لا يقتصر فقط على الغناء الذي يمتد لساعتين متتاليتين، بل إن كل امرأة تأتي محملة بمشاكل قد تحصل معها داخل البيت أو في العمل، وتكون في حاجة لكي تتحدث عنها وتطرحها.

وأضافت "باعتباري أمينة مال الكورال، فقد فرضنا مساهمات رمزية لكل عضوة حتى يتسنى لنا منح تعويض بسيط للأستاذ الذي يدربنا على الغناء ويرافقنا بواسطة العزف على آلة العود، خاصة، كما أن الحصة تمتد لأكثر من ثلاث ساعات تتخللها نقاشات ومحادثات بين العضوات قبل الانخراط في التدريبات الغنائية".

 

 

من باب حب الطرب الأصيل وعشق الغناء ولجت الناشطة الحقوقية خديجة الكدمي الفرقة الغنائية "كورال كروان الحمراء"، بالرغم من انخراطها في فرق غنائية أخرى مثل "شمس البشائر" المتخصصة في أغاني الشيخ إمام و "أصدقاء الموشحات"، إلا أنها لم تفوت الفرصة للانضمام إلى مجموعة نسوية.

وقالت "منذ أن سمعت بالفرقة وأنا أتطلع للانضمام إليها، وحتى عندما سمعت أنها توقفت، تملكتني مشاعر من الحزن، وتمنيت لو تواصل وتستمر خاصة وأنها فرقة نسوية، إلى أن تواصلت مع رئيسة الفرقة وأنشأنا الجمعية التي تعد الإطار القانوني للفرقة، وهي الآن نادي "كورال كروان الحمراء".

وأوضحت أنها سعيدة لكون الفرقة تمثل صوتاً للنساء داخل المغرب وخارجه، وأن تنوع النساء من حيث الأعمار والمهن والوضع الاجتماعي منحه تفرداً يميزه عن باقي الفرق الغنائية بالمدينة، حيث أنها أنجزت سبع تسجيلات في الإذاعة الوطنية بجهة مراكش كأول كورال نسائي.

وأكدت على أن النادي أصبح ملاذاً للعديد من النساء اللواتي يجدن فيه منفساً من أعباء الحياة، كما أنه يتيح لهن إمكانية التعبير عن ذواتهن بكل حرية وفي أجواء لا تتوفر دائماً في المجموعات المختلطة، حيث أنه فضاء نسوي بامتياز، مما يضفي عليه نوعاً من التحرر من كل القيود التي يفرضها المجتمع، وتصدح النساء بأصواتهن وتمارسن هواية ليست دائماً متاحة لغيرهن من النساء، في مجتمع لا زال يقصي النساء من ممارسة كافة حقوقهن الأساسية ومن بينها الغناء والرقص.

 

 

ولأن الغناء شكل من أشكال التعبير عن الذات، التحقت فاطمة الزهراء زرابا بالكورال، حتى تعبر عن ذاتها من جهة، ولإيمانها بروح العمل والإبداع من جهة أخرى.

وأشارت إلى أن نادي "كورال كروان الحمراء" يبقى تجربة متفردة بالنسبة لها، لأنه أتاح لها الانفتاح على حساسيات متعددة من المجتمع وجعلها تطلع على ثقافات أخرى ومكنها من نسج علاقات مع نساء أغنت تجربتها الإنسانية، وجعلتها تشرع الأبواب وتفتح النوافذ لكي تطل على العالم الفسيح من حولها.

ولفتت إلى أنه في البداية كان اللقاء بالنسبة لها أشبه بحصص علاج نفسي من ضغوطات الحياة وأعبائها وتعلم قواعد الغناء والكتابة الموسيقية "الصولفيج" والمقامات العربية، لكن مع مرور الوقت شعرت بثقل المسؤولية بعد أن أصبح النادي مقبلاً على إحياء العروض والحفلات الموسيقية، مما أكسبه إشعاعاً محلياً ووطنياً، كما أنه دخل في شراكات مع جمعيات أخرى تعنى بالثقافة والفن.