فوزية الكنسوسي: الحقوق تكتسب بالكفاح والصبر والعزيمة

ارتفع عدد الكاتبات في المغرب خلال السنوات الأخيرة مقارنة مع فترة التسعينيات والثمانينيات، فلم تكن أعدادهن تتعدى عدد الأصابع، وكثير من الأصوات تعترف اليوم أن الكتابة النسوية أضافت الكثير إلى المشهد الثقافي المغربي

حنان حارت
المغرب ـ .
الكاتبة المغربية فوزية الكنسوسي، دخلت غمار الكتابة النسائية في عمر 71 عاماً، حيث بدأت حياتها المهنية كمدرسة في عام 1973، وفي عام 1986 عينت مشرفة على مكتبة الصباحي السبتي للمكفوفين بمدينة مراكش، وبعد سنوات من التأمل وحصولها على التقاعد، أصدرت أولى باكوراتها هذا العام تحت عنوان "نساء مراكش... تقاليد مدينة وفنون عيش"، كمحاولة لتسليط الضوء على المخزون الثقافي لدور المرأة الروحي والاجتماعي، مع توثيق دورها في بناء الموروث الحضاري للمجتمع المغربي. 
وللحديث عن كتابها ومعرفة السبب وراء إصدارها للكتاب بعد أن دخلت العقد السابع من عمرها، كان لوكالتنا مع الكاتبة المغربية فوزية الكنسوسي الحوار التالي:
 
لو تعرفينا عن نفسكِ، ولماذا اخترتِ الكتابة بعد أن دخلتِ العقد السابع من العمر، وهل كانت هذه الخطوة عن قناعة أم كانت بمحض الصدفة؟
فوزية الكنسوسي مغربية من مواليد 1949، ولدت وترعرعت في مدينة مراكش، عملت لسنوات في مجال التدريس، حصلت على تقاعدي قبل عشر سنوات تقريباً، هاجس الكتابة كان لدي منذ أن كنت أدرس في المرحلة الثانوية، كنت أهوى كتابة الروايات والقصص القصيرة، لكن لم أحترف نظراً لظروفٍ خاصة، وقد أجلت هذا الحلم إلى ما بعد التقاعد حينما بات لدي متسع من الوقت وقدرة أكبر على التركيز واستجمعت تجارب عديدة. والأكيد أن إصداري لكتاب "نساء مراكش... تقاليد مدينة وفنون عيش" لم يأت بمحض الصدفة، بل هو مخاض دام لسنوات ولم يكتب له الولادة، إلا في هذا التوقيت، ولا أعتقد أنه سيكون الأخير، فما هو إلا بداية الطريق.
اعتقد أن اختياري لإصدار مؤلفي الأول في هذا السن لأني رأيت أنه لدي ما أقدمه للناس، فحين تأتي الفرصة ويشعر الإنسان باكتمال رؤيته؛ هنا يمكن أن يفرغ ما في جعبته ويقوم بالكتابة، وبالنسبة لمؤلفي فهو يحمل خبرات وتجارب ذاتية ومشاهدات من الواقع اكتملت لدي رؤيتها، وبعد تقاعدي وتركيزي رأيت أن أقرب شيء لي هو الكتابة عن نساء مراكش.
 
"نساء مراكش... تقاليد مدينة وفنون عيش" كما سبق وقلتِ هو أول باكورة إصداراتكِ، فما هي المحددات الرئيسية التي انطلقت منها في بناء موضوع مؤلفكِ هذا؟
منذ طفولتي عشت في رياضنا بحي القصور التاريخي الذي يعتبر امتداداً للحي السلطاني المرابطي، وقد تربيت بين نساء طاعنات في السن فيهن الفقيهات والمتعلمات ونساء ماهرات في فنون الطبخ والخياطة الراقية والتطريز وتقطير ماء الزهر، كما كنت أرى أيضاً النساء كيف يلقن التربية الحسنة والسلوك القويم لأطفالهن، وهكذا استلهمت كل المواضيع التي تحدثت عنها في كتابي من الواقع الملقن والموروث؛ أساليب عيش لقنتها الأمهات للبنات وحفظتها الأوساط النسوية، وبقيت هذه المقومات الحضارية محفوظة لم تندثر مثل اللباس والطبخ وفن العيش.
 
ما الأسباب التي دفعتكِ إلى تسليط الضوء على المرأة المراكشية تحديداً؟
اخترت الكتابة عن المرأة المراكشية لانتسابي لأهلها ومعرفتي بدقائق التقاليد والعادات وفن العيش، ورغم أن المرأة تمثل نصف المجتمع والمحور الذي ترتكز عليه الأسرة، إلا أن دورها بخس وعانت الكثير من الإجحاف بحقها، لهذا جاء كتابي كرد اعتبار لذاكرة النساء. 
 
هل هناك من رسالة أخرى أردتِ إيصالها عن المرأة المراكشية من خلال كتابكِ؟
كما سبق وقلت فإن الكتاب هو رد اعتبار لذاكرة النساء، فمدينة مراكش عندما أسست كانت قد بنيت بإيعاز من امرأة وهي لالة زينب النفزاوية، وخلفتها نساء عبر العصور والحقب من مختلف الطبقات الاجتماعية ولديهن دورهن في بناء الموروث الحضاري للجميع، لهذا بإصداره أردت إطلاع الشباب والناشئة بدور النساء ووظائفهن الاجتماعية والروحية، ولأن ما جرى العمل به واعتاده الناس من أصالة قد بدأ يتوارى وتاه عنه الناس، واختلطت الأوراق وعمت المخاوف والهواجس، فلا يمكن للمجتمع أن يتطور دون معرفة أصوله وخاصيات أهله.
 
ما هو تصوركِ للحياة الثقافية بالمغرب في ظل التحديات التي تواجهها الثقافة في زمن الجائحة؟
الأكيد أن المشهد الثقافي في المغرب يتطور سنة بعد أخرى، إلا أنه بالرغم من ذلك يواجه مجموعة من التحديات والعوائق، كما أنه خلال هذه الفترة التي تعرف انتشار جائحة كورونا تأثرت الحياة الثقافية مثلما تأثرت مجموعة من القطاعات، فالظروف العصيبة أرغمت المثقفين على العمل عن بعد، وخير دليل صدور مؤلفي هذا في زمن صعب، لكنه حظي بالترحيب من القراء، نتمنى أن يزول زمن الشدة وترجع الأمور إلى سالف عهدها.
 
كيف ترين الكتابة النسائية في المغرب، وهل توافقين على تعبير الأدب النسوي؟
التجربة النسائية في الكتابة بالمغرب تسير بخطى واثقة سواء في الكتابة والشعر والنثر، ولا خوف عليها فهي تسير بالند للند مع الرجل، فمنذ أن هبت نسائم الحرية في المغرب دخلت المرأة غمار الكتابة ولنا في ذلك أمثلة عديدة من النساء المغربيات اللواتي وضعن بصمتهن بقوة في هذا المجال.
 
هل أنتم مع الأصوات التي تنادي بضرورة خلق جوائز أدبية إبداعية تخص نون النسوة؟
في الحقيقة أنا مع من ينادون بتخصيص جوائز أدبية خاصة بالنساء، لأن المرأة تعمل فوق طاقتها، فكيفما كانت وظيفتها، فلا بد لها أن ترعى أسرتها وتكون لمستها حاضرة في كل شيء، ولذلك فمجهودها مضاعف ودورها مميز، وتستحق كل التشجيع والتقدير على كافة المجهودات التي تقوم بها.
 
كيف تصفون لنا وضع المرأة وثقافتها ووعيها في المغرب، ونظرة الرجل لها؟
ينبغي أن نشير إلى أنه منذ أن حصل المغرب على استقلاله، بدأ دور المرأة يبرز بشكل كبير في المجتمع، فهي تسير بخطى واثقة وجبارة، فهي بطبعها مجدة، صبورة وحاذقة، وتساهم بكل ما لديها من قدرة ومهارة في تنمية أسرتها، وقد لقيت تجاوباً من الدولة وعززها الدستور ومدونة الأسرة بقوانين وفصول لصالحها، ويكفي الآن الجهود المبذولة لتحقيق المناصفة في المجالات الانتخابية والتشريعية، لكن رغم ما وصلت إليه المرأة المغربية من مراتب فلا زالت تعاني من الإجحاف والحيف والفكر الذكوري، وهذا حال النساء حتى في البلدان المتقدمة، والحقوق تكتسب بالكفاح والصبر والعزيمة، ونحن ماضيات في المطالب حتى نحقق ما نصبو إليه.
 
ختاماً، ما هي الرسالة التي ترغبين في توجهيها للمرأة؟
رسالتي لهن هي التسلح بالمعرفة والأخلاق السامية والسير في الطريق الصحيح، وهنا يحضرني بيت شعري يجسد الدور المهم الذي تلعبه النساء في المجتمع، وهو لشاعر النيل حافظ إبراهيم الذي قال "الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق".