فنانة ترسم مجاعة غزة ببقايا رماد القدر الفارغ من الطعام

رغدة تيم شيخ العيد، فنانة من غزة تحول الألم إلى لوحات، وتجسد معاناة شعبها بريشتها رغم الحرب، المجاعة، وفقدان كل شيء، لتبقى شاهدة على الإبادة والتجويع.

رفيف اسليم

غزة ـ ببقايا رماد النار الأسود الملتصق بقدر الطعام الفارغ، ترسم رغدة شيخ العيد المجاعة التي ما يزال يعاني منها سكان قطاع غزة، بعد أن فقدت لوحاتها، وألوانها، ومرسمها الخاص بمدينة رفح جنوبي القطاع، لتستمر في تقديم رسالتها من خلال لوحات بسيطة تخاطب العين وتتحدى حاجز اللغة.

 

تجسد معاناة شعبها

الفنانة رغدة تيم شيخ العيد، لم تنفك عن تجسيد معاناة أبناء شعبها منذ بداية الحرب في قطاع غزة في تشرين الأول/أكتوبر 2023 وحتى اليوم، متناولة قضايا مختلفة بداية من التهجير والنزوح القسري، وحتى الإصابات، ونقص الدواء، والغذاء، والأمراض، والأوضاع الإنسانية الشاقة، وصولاً للمجاعة التي تأبى طي صفحتها من حياة الفلسطينيين على الرغم مما تروجه القوات الإسرائيلية بإدخال المساعدات والطعام بكميات كافية.

ولفتت إلى أنها ما قبل الحرب كانت ترسم الفرح وتجسده عبر المناظر الطبيعية والآلات الموسيقية، والبورتريه أي توجه الناس التي تجذبها، بينما اليوم تحول رسمها للون الأسود القاتم وأصبح ما تنقله للورق ردم، أسرى، جرحى، نزوح، خيمة، نساء تبكين باستمرار نتيجة ما حل بهن، وأقدار فارغة في كل مكان أصبح ملئها مجرد أمنية للعديد من الأطفال.

 

"مجوعة وليست جائعة"

وترى رغدة العيد، أن ما تفعله هو واجب أخلاقي لا تستطيع تركه أو التخلي عنه، ففي كل مرة تريد رسم شيء جميل يخطر ببالها "من سينقل رسالة المجوعين والضحايا"، مشيرة إلى أنها تنشر جميع أعمالها عبر صفحتها على مواقع التواصل الافتراضي وتلقى تفاعل ودعم واسع يمدها بالطاقة كي تستمر في ذلك العمل الشاق الذي يستنزف صحتها النفسية.

وعن هذا التفاعل، بينت أنها استغرقت وقت طويل حتى أصبح لديها متابعين يدعمونها بهذا الشكل، كما أن العديد من الفتيات ترسل لها رسائل تخبرها بأنها قدوتهن وفخورات بإنجازاتها، مضيفةً أنها في كثير من الأحيان لا تختار الموضوع الذي ستقوم برسمه كون المتابعين هم من يطلبون منها الشخصية أو المشهد القادم.

وأكدت أنها مجوعة وليست جائعة، كونها ما قبل الحرب كانت تمتلك وعائلتها منزلين إحداهما بني بملحق ليكون مرسمها الخاص، لكن مع الحرب فقدت منزليها ومصدر رزق العائلة، لذلك لا تخشى قول إنها مجوعة هي وآلاف النساء التي تسكن حولها في الخيام، مضيفة أن تلك المشاعر جعلتها تنقل صورة حقيقة عن معاناة شعبها فهي تعيش الألم معهم.

تعاني رغدة العيد من نقص حاد في الأدوات "ترفض إسرائيل إدخال الطعام والأدوية، فهل تسمح بإدخال معدات رسم جديدة بدلاً من تلك التي دفنت تحت الركام"، لافتة إلى أن لا شيء سيمنعها من الاستمرار في رسم لوحات جديدة، إلا إذا تم استهدافها وقتلت في إحدى الغارات العشوائية.

 

"الفن له تأثير كبير"

وأوضحت أنها بالأمس وهي ترسم إحدى اللوحات اخترقت رصاصة طائشة الخيمة التي تأوي فيها، لكنها لم تصبها فشعرت وكأنها قد قيدت بسلاسل حديد وتركت اللوحة، مشاركة ذلك الحدث مع متابعيها عبر مواقع التواصل الافتراضي الذين طلبوا منها التحلي بالصمود والعودة لإتمام اللوحة من جديد.

ما قبل الحرب كان هدف رغدة العيد من الرسم أن يعرفها الناس كونها فنانة تريد أن ترى أعمالها النور خارج حدود القطاع لتحظى بمنحة تطور من موهبتها، لكن بعد الحرب أصبح لديها هم أكبر وهو نقل معاناة الضحايا في غزة من المجوعين، والمرضى الذين يحلمون بالحصول على الدواء، وأحلام الشابات اللواتي يحلمن بالحصول على الفرصة لإكمال تعليمهن أو تطوير مهاراتهن.

وتوجه رغدة العيد، رسالتها إلى جميع الفنانات داخل قطاع غزة، بعدم التوقف عن أداء رسالتهن فربما الإعلام ينقل الحدث على مدار اللحظة لكن يبقى للفن تأثير آخر، فهي ما زالت تحاول من العدم أي الفحم الناتج عن الطبخ على الرغم من اختلاف تركيبته عن الفحم المخصص للرسم، وعلى دفتر ورق للرسم خاص بالأطفال المهم أن ترسم.

تحلم بأن تصبح فنانة عالمية وأن تصل أعمالها لكافة دول العالم، لكنها تخشى أن تسبقها الحرب وتنتزع منها ذلك الحلم كما سلبت منها العديد من الأحلام التي خططت لها لسنوات وسنوات، كما تحلم بانتهاء الحرب وخلاص شعبها من تلك المعاناة.