بين القذائف والغيتار... فنانة تُحيي الأمل في غزة
الموسيقى واحدة من أهم الأنشطة ووسائل الدعم النفسي خلال الحرب، ويؤثر بشكل كبير على النساء فهن بحاجة لقضاء وقت يشعرن خلاله بأنهن تخلصن من الضغوطات التي باتت تفرضها عليهن الحياة الجديدة، فتكون تلك الجلسات بمثابة علاج.

رفيف اسليم
غزة ـ بين أصوات القذائف والصواريخ التي لا يسمع سوى صداها في مدينة غزة منذ ما يقارب العامين، يصدح صوت رولا دلول وغيتارها بألحانه العذبة في أرجاء القطاع المدمر، لتكون أمل الأطفال والنساء، ولتحي بالموسيقى ما قامت الحرب بقتله من مشاعر الأمل والفرح والحب للحياة، فتراها تعزف تارة من مركز رشاد الشوا المدمر وتارة أخرى من الخيام.
في مدينة أنهكها الحصار وأثقلتها الحرب، حيث لا صوت يعلو فوق هدير القذائف وصراخ النزوح، تخرج أنغام غيتار رولا دلول كصرخة حياة في وجه الموت لتثبت أن الفن يمكن أن يكون مقاومة، وملاذاً، وعلاجاً.
تقول الفنانة رولا دلول، إنها تهتم جداً باللون الوطني والتراثي، خاصة الأغنية الشعبية مثل "الميجانا"، "ظريف الطول"، "بكتب اسم يا بلادي"، "ليا وليا"، "يما مويل الهوا"، وغيرها من الأغنيات المحببة للنساء، مضيفة أن بعض أغاني الفنانة اللبنانية فيروز لها إيقاع محبب على أذن المستمع حتى الأمهات تُسعد عند سماع ابنتها تغني ذلك اللون من الفن الراقي.
بينما عن بدايتها، لفتت إلى أنها "بدأت تعلم الموسيقى منذ أن كان عمري 9 سنوات، حينها تعلقت بآلة البيانو وكنت خائفة من عدم قدرتي على الاستمرار في تعلمها واتقانها، لكني بعد أعوام اجتزت الحاجز وأصبحت ماهرة، وفي ذات الوقت كانت عيناي على الغيتار فانتقلت من البيانو للغيتار ولم يأخذ الأمر وقت طويل بالنسبة لي".
الموسيقى وسيلة علاج
وترى رولا دلول، أن الموسيقى واحدة من أهم الأنشطة ووسائل الدعم النفسي خلال الحرب، وينتقل تأثيره ذاته على النساء فهن بحاجة لقضاء وقت يشعرن خلاله بأنهن تخلصن من الضغوطات التي باتت تفرضها عليهن الحياة الجديدة، فتكون تلك الجلسات بمثابة علاج بواسطة الموسيقى، مضيفة أنهن يفضلن لو تعقد تلك الجلسات على شاطئ البحر لكنهن يخشين من الاستهداف المباشر.
وأشارت إلى أن "الحرب سلبت منا الكثير من الأشياء التي كانت محببة لقلوبنا، وأشغلتنا بأمور لم نكن نتخيلها قبل الحرب على غزة كالنزوح، المرض، الخوف، الجوع، فتأتي الموسيقى لتطبطب على تلك القلوب المتعبة وتنتشلنا من تلك الحالة، حالة اليأس وانعدام الأمل بقادم أفضل أو حتى انتهاء ذلك الحرب، أو على الأقل إدخال الطعام لنا".
تعزف رولا دلول في المنتزهات العامة، وعلى أنقاض بعض الأماكن المدمرة كمركز رشاد الشوا الذي كان يعتبر منارة الحياة الثقافية في قطاع غزة، كما وتعزف على شاطئ البحر، وفي مخيمات النزوح، لتكون أمل للنساء وفتيات القطاع، كما تقوم بتعليم من تريد العزف منهن ضمن جلسات مكثفة.
في بعض الأحيان الموجودين في تلك الأماكن يستغربون مما تفعله ولا يكفون عن مضايقتها بالجمل المزعجة كون الناس تموت وهي تعزف الموسيقى كما أفادت، لكن الجزء الأكبر ينضم للجلسة ويشارك باختيار الأغنية أو العزف على الغيتار، كونهم يؤمنون أن الموت في تلك المدينة قادم لا محالة.
الغيتار وانتقادات المجتمع
اختارت رولا دلول، العزف على الغيتار من بين عدة أنواع من الآلات الموسيقية، كون تلك الآلة تتسم ألحانها بالفرحة، عكس الألحان التي تعزف على العود والمخصصة لألحان الشجن والطرب القديم، مؤكدة أن مدينة غزة لا تحتاج لمعزوفات حزينة لذلك اتجهت لهذا النوع الذي يخيم عليه الفرح والحركة والطاقة الإيجابية.
وترى أنها طالما تؤدي غناء ملتزم وتختار الأغاني الوطنية والتراثية لا يكون هناك مجال للانتقادات فالعقل الحديث يستوعب ذلك النوع من الفن ويتقبله، خاصة الفئة الشابة التي تدعمها فآخر أغنية لها نشرتها على مواقع التواصل الافتراضية لاقت دعم واسع من قبل متابعيها، وتعليقات تشجعها على الاستمرار بتقديم المزيد.
وشددت رولا دلول على أنه طالما الفتاة لم يتعدى عمرها 12 عاماً، فلا أحد في المجتمع يحاسبها على ما تفعل، لكن ما إن تعدت ذلك السن يصبح هناك العديد من أجهزة المراقبة والعديد من العوائق التي تمنع الفتاة من ممارسة ما تحبه في ذلك المجتمع، بما في ذلك الغناء والعزف اللذان لا يعتبران سلوكان محببان في المجتمعات المحافظة.
تعاني رولا دلول من عدة صعوبات خلال الفترة الحالية أبرزها عدم إيجاد الموصلات بالتالي تمتنع عن إحياء العديد من الفعاليات في المناطق المختلفة من القطاع، ويضاف لسابقه المجاعة فعندما تخرج من المنزل على استعجال دون أخذ وجبتها فتبقى طوال النهار بدون أكل، لأنه وبكل بساطة لا يوجد ما تشتريه أو ما يمكن أكله بالأسواق.