بأيدي نساء حرفيات... الموزاييك يقاوم الزوال في إدلب

ينتشر فن الفسيفساء في مدينة إدلب، ويشكل مصدر دخل لكثير من الأسر مع وجود إقبال على تعلمه وإتقانه من قبل النساء بشكل خاص

لينا الخطيب
إدلب ـ ، ويعتمد هذا الفن على تشكيل لوحات برسومات هندسية أو نباتية أو حيوانية من حجارة الرخام، وتستخدم اللوحات في تزيين المنازل والصالات والمكاتب وغيرها.
"نعمل على تحويل الحجارة إلى تحف فنية نابضة بالحياة، تمزج بين التراث الخالد والفن الأصيل" تقول سعدة النجار (29 عاماً) وهي تقوم برصف الأحجار الملونة على اللوحة المرسومة أمامها، لإنجاز لوحة من الموزاييك غاية في الجمال والأناقة.
وتمتهن سعدة النجار التي تنحدر من مدينة أطمة بريف إدلب الشمالي هذه الحرفة منذ قرابة خمس سنوات، وتعيل بها نفسها وأمها المريضة، وتشير إلى أنها تجد متعة وتسلية في عملها رغم ما تحتاجه الحرفة من خبرة ودقة ومهارة، وكثير من الصبر في صناعة إحدى الرسومات.
ومن الأدوات اللازمة لتشكيل اللوحات توضح أنها تحتاج في عملها لقطاعة يدوية لتقطيع أقلام الموزاييك، ومادة لاصقة تستخدم للصق قطع الرخام على اللوحة، لافتةً إلى أن كل متر مربع واحد يحتوي أكثر من 10 آلاف قطعة من الرخام.
 
 
وعن مراحل إعداد لوحة الموزاييك تقول "بدايةً أقوم بطباعة الرسمة على اللوحة وفق الحجم المطلوب، ثم أضع قطعة من النايلون الشفاف وشبك الفيبر فوق اللوحة، ثم ابدأ مرحلة تقطيع الرخام الطبيعي وفق مقاسات الصورة بواسطة منشار الحجر، وأبدأ برصف الحجارة فوق اللوحة ولصقها بمادة لاصقة".
وأوضحت سعدة النجار أن إنجاز اللوحة يحتاج مدة تتراوح بين 5 ـ 7 أيام بحسب نوع اللوحة وحجمها والمواضيع التي تختارها، حيث تختلف بين المناظر الطبيعية والأشكال الهندسية والزخارف والآثار والشخصيات الحقيقية والخيالية، لافتةً إلى أن بعض الحرفيين يستعيضون عن حجارة الرخام بالزجاج، أو البلاستيك القاسي أو الصدف. 
أما ليان السلوم (33 عاماً) من مدينة إدلب، لا تعمل بحرفة الموزاييك فحسب، بل تدرب ثلاثة نساء معيلات عليها أيضاً، "قدمت خدمة بسيطة لنساء معيلات، من خلال تعليمهن على أصول الحرفة، ليتمكن من إنتاج اللوحات وبيعها والاستفادة من مردودها في تحسين أوضاعهن المعيشية والحفاظ على هذا الفن من الزوال والاندثار".
وحول الصعوبات التي تواجههم خلال العمل في الموزاييك توضح "من أبرز الصعوبات التي تواجهنا غلاء أسعار المواد الأولية اللازمة للعمل، وندرة بعض أنواع الرخام، فضلاً عن غياب تنظيم معارض "الموزاييك" بسبب تردي الوضع الأمني، والنزوح الذي أدى لتشتت العمال والعاملات ومغادرة الكثيرين إلى خارج البلاد، كما فرضت ظروف الحرب تراجع مبيعات اللوحات بسبب الفقر والنزوح واقتصار الشراء على الأساسيات".
 
 
من جانبها تقول سميرة الحصري (32 عاماً) وهي نازحة من مدينة خان شيخون، معيلة لأطفالها الأربعة بعد وفاة زوجها في الحرب منذ أواخر عام 2019، أنها عمدت لتعلم حرفة الموزاييك لتتمكن من توفير عيش أطفالها، وتأمين دخل ثابت، "بعد وفاة زوجي بحثت عن عمل أعيل به أطفالي ولكن دون جدوى، لذلك قررت تعلم حرفة الموزاييك بحكم قدرتي على مزاولة المهنة داخل منزلي، دون أن أضطر لترك أطفالي لوحدهم طوال اليوم"، لافتةً إلى أنها تغطي من مردود عملها إيجار المنزل ومصروفها اليومي. 
ولا يمكن للمعاناة وقسوة الظروف أن تتغلب على الفن، حيث يقبل أشخاص في إدلب على اقتناء لوحات الموزاييك التي تنطق جمالاً وإبداعاً، ومنهم سهام العطار (41 عاماً) من مدينة سرمدا التي تعشق هذا الفن، وتزين منزلها بلوحاته، "الموزاييك من أقدم الحرف العريقة التي حصدت شهرة كبيرة في إدلب باعتبارها  تمتلك ثروة كبيرة ومهمة من لوحاتها الأرضية والجدارية العائدة لأكثر من حقبة تاريخية، وتتميز اللوحات بالدقة في العمل وتنسيق الألوان وجودة الصناعة".
وأضافت "أحب أن أزين منزلي بهذه اللوحات لإرضاء ذوقي الفني، وباعتبارها تمنح المكان الذي تتواجد فيه طابع الأناقة والرقي".
وبالرغم من الظروف الصعبة العديد من النساء في إدلب تغلبن على المصاعب والمعوقات، لجمع الحجارة المبعثرة في لوحات فنية تحاكي الواقع، لكسب مردود مادي يساعدهن على قسوة الحياة، والحفاظ على هذه الحرفة العريقة من الاندثار والضياع.