هوية بصرية في غير أوانها... جدل سوري حول الأولويات في ظل غياب العدالة

أعلنت الحكومة السورية المؤقتة عن إطلاق هوية بصرية ونشيد وطني جديد، في خطوة وصفت بأنها تهدف إلى التأسيس لمرحلة جديدة بعد سنوات من الحرب والانقسام ولكن ماذا عن التوقيت؟

روشيل جونيور

السويداء ـ أثار إعلان الحكومة السورية المؤقتة إطلاق هوية بصرية جديدة جدلاً واسعاً خاصةً في هذا التوقيت وقبل تحقيق العدالة الانتقالية وإنصاف الضحايا ومحاسبة من ارتكبوا مجازر بحق السوريين، فالغالبية اعتبره تجاوزاً لأولويات أكثر أهميةً تتعلق بالعدالة والإنصاف والمحاسبة.

 

"رمزية في غير أوانها"

ترى المحامية من مدينة السويداء السورية تغريد عزام أن طرح الحكومة المؤقتة للهوية البصرية الجديدة يأتي في وقت يعاني فيه السوريون من أوضاع معيشية صعبة، ويواجهون تحديات اقتصادية وأمنية، معتبرةً أن مثل هذه الرموز، على أهميتها، ليست أولوية في المرحلة الراهنة.

وأكدت أن "الهوية البصرية والنشيد الوطني رموز مهمة، لكن لا يمكن أن تسبق ملفات جوهرية مثل العدالة الانتقالية، مصير المعتقلين، والمصالحة المجتمعية، فما زلنا في مرحلة انتقالية غير مستقرة والناس يبحثون عن الأمان والعدالة لا عن الشعارات".

وأضافت أن هذه الخطوة جاءت في غياب استفتاء شعبي أو تمثيل حقيقي، وهو ما يضعف شرعية أي تغيير يتعلق بالرموز الوطنية التي من المفترض أن تمثل جميع السوريين.

 

"شعار من الماضي أم لمستقبل جديد؟"

وأوضحت تغريد عزام أن الشعار الجديد ليس منقطعاً عن الماضي، بل هو نسخة معدلة عن تصميم الفنان خالد العسلي عام 1945، حيث تم تغيير موقع النجوم لتكون فوق العقاب بدلاً من داخله في دلالة رمزية على "تحرر الشعب"، منتقدةً هذه الرمزية، بالقول أن الواقع لا يعكس هذه الادعاءات "عندما تكون هناك حكومة لم تنتخب من الشعب، وتستند إلى دعم فصائل لا إلى شرعية شعبية، فلا معنى للحديث عن حرية الشعب أو تمثيله في شعار".

ولفتت إلى أن "ما يحدث على الأرض من انتهاكات خصوصاً في الساحل السوري، يتناقض تماماً مع ما يقال عن توازن القوة والتمثيل الوطني هناك ملفات لم تفتح بعد، ولا مؤشرات على عدالة انتقالية حقيقية".

 

"رمزية الشعار انتقاء من التاريخ أم تمثيل للهوية؟"

من الناحية الرمزية، تعيد الحكومة المؤقتة طرح "العقاب" كرمز للقوة، مستندةً إلى دلالات تاريخية مثل معركة ثنية العقاب وفتح الشام، لكن تغريد عزام ترى أن هذا التوظيف الانتقائي للتاريخ يعكس رؤية أحادية "لا يمكن أن نقصي رموزاً حضارية مثل العقاب التدمري وتماثيل الإله بعل، التي دمرها داعش لمجرد ارتباطها بالنظام السابق أو لكونها لا تناسب رواية سياسية معينة، فالشعار المستخدم منذ عام 1945 لا ينتمي إلى حزب البعث بل إلى الذاكرة الوطنية السورية ولا يجوز شطبه لأنه استخدم في حقبة ظلم".

كما أشارت إلى مفارقة بين رمزية العقاب التي يفترض أنها تمثل القوة والوحدة، وما يجري على الأرض من تفكك مجتمعي طائفي "يقال إن جناحي العقاب في وضع توازن دفاعي، وإن عدد ريشه يمثل المدن والمناطق، لكن واقع سوريا اليوم يشي بانقسام وتشرذم متزايد، بسبب الطائفية والانتهاكات التي لم تتوقف فكيف نتحدث عن وحدة الدولة فيما مؤشرات التفكك تتعمق؟".

وأكدت على أنه "لا يمكننا أن نرى الحضارة من زاوية واحدة فالتاريخ لا يختصر في حدث أو رمز واحد، بل هو فسيفساء من روايات وهوية شعب بأكمله".

 

 مخاوف قانونية وتشريعية

وعلى الصعيد القانوني، أوضحت تغريد عزام أن إعلان الهوية البصرية تم خارج الأطر الدستورية المنصوص عليها في الإعلان الدستوري للحكومة المؤقتة "المادة الخامسة تنص على أن الرموز الوطنية تقر بقانون يصدر عن سلطة تشريعية لكن لا وجود حقيقي لمجلس شعب منتخب حتى الآن وما لدينا هو هيئة معينة جزئياً من قبل رئيس البلاد الحالي وبالتالي، ما جرى لا يملك الغطاء القانوني أو السياسي المطلوب".

وشددت على أنه لابد أن مثل هذه الخطوات يجب أن تأتي في سياق إصلاح سياسي شامل، لا في إطار قرارات فردية تفتقر إلى التوافق الوطني.

 

"الشعب بحاجة إلى أمان لا إلى شعارات"

واختتمت المحامية تغريد عزام حديثها بالقول أن أي تغيير في شكل الدولة أو رموزها يجب أن يبنى على أسس العدالة والمصالحة والمشاركة الشعبية، وليس على خطوات رمزية غير متفق عليها "الشعب السوري مرهق من الجوع والفقر والتشريد وهناك أمهات لا تعرفن مصير أبنائهن حتى اليوم، فهل يمكن لرمز بصري أن يعيد لهن الأمل؟ إن الهوية البصرية لا تعني شيئاً في غياب هوية حقيقية للناس وكرامتهم، وشعورهم بالانتماء. ما يجري يعمق الشرخ بين الشعب والحكومة فالرموز يجب أن تبنى بمشاركة جميع أطياف المجتمع لا أن تفرض من لون سياسي واحد على البقية".