'الرفض الذكوري وراء تراجع حظوظ النساء في عالم السياسة'
أكدت الناشطة السياسية والمرشحة للانتخابات لويزة مالك، على أن تراجع حظوظ النساء في عالم السياسة يعود إلى الرفض الذكوري وعدم نضج فكرة مشاركة المرأة الجزائرية في الحياة السياسية
رابعة خريص
الجزائر ـ .
رغم توقيع الجزائر ومصادقتها على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية كاتفاقية الحقوق السياسية للمرأة التي تعتبر أول وثيقة في القانون الدولي تهدف لتقنين المعايير الدولية والاعتراف بالحقوق السياسية للمرأة، وهو ما ورد في دساتير البلاد وقوانينها، غير أن حضور المرأة في المجالس المنتخبة تراجع بشكل كبير بفعل بعض العوامل المجتمعية والثقافية التي وقفت حجر عثرة أمام تمكينها سياسياً.
وعن تواجد وحضور العنصر النسوي في البرلمان الجزائري والمجالس المنتخبة، تقول الناشطة السياسية لويزة مالك وهي إحدى المرشحات للانتخابات البلدية المبكرة المقرر تنظيمها في 27 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، "أن المرأة الجزائرية دخلت المجالس المنتخبة بنسبة الثلث عام 2012 بعد ثورات الربيع العربي، فكانت الانتخابات البرلمانية التي جرى تنظيمها في تلك السنة فرصة للتكوين السياسي الميداني لكل من حالفها الحظ في ممارسة السياسية".
وكانت قد أقرت الجزائر حزمة إصلاحات سياسية كان من أبرزها نظام المحاصصة الانتخابية "التمييز الإيجابي"، وألزم قانون الانتخاب لعام 2012 تمكين المرأة من ثلث المقاعد في البرلمان مهما جاء ترتيبها في قوائم المرشحين، وذلك في إطار مبدأ المساواة وتعزيز تمثيلها في الحياة السياسية.
وأوضحت لويزة مالك النائبة السابقة عن حركة مجتمع السلم الجزائرية "أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد"، أنه بالرغم من تعديل قانون الانتخابات مطلع العام الجاري وتشجيعه على تواجد العنصر النسوي وبقوة في القوائم الانتخابية من خلال اشتراط المناصفة، غير أن نسبة تمثيل المرأة في المجلس الشعبي الوطني وهي الغرفة الأولى في البرلمان تراجع إلى 8.35% بعد أن كان يقدر تواجدها بحوالي 25.97% في برلمان 2017، و31.6% في برلمان 2012.
ومنح قانون الانتخابات الجزائري الذي أعلن عنه في كانون الثاني/يناير الماضي، المرأة الجزائرية مكاسب سياسية غير مسبوقة، بعدما اشترط المناصفة بين الجنسين في لوائح الترشيحات للمجالس المحلية والتشريعية، واعتبره حقوقيون نقطة قوة تساعد المترشحات على تسطير وبعث مشاريع تخدم مصلحة المرأة والطفل، وهو ما يختلف مع ما كان معولاً به في القانون السابق الذي كان يمنح ثلثي مقاعد الانتخابات للنساء.
وبحسب القانون الجديد فأنه في حال تساوي الأصوات بين الجنسين أثناء فرز النتائج المنبثقة عن الاستحقاقات الانتخابية وتوزيع المقاعد، فإن المرأة هي من ستظفر بالمقعد في نهاية المطاف.
وأرجعت لويزة مالك السبب الرئيسي الذي يكمن وراء تراجع حظوظ النساء في عالم السياسة ونسبة تمثيلهن في البرلمان إلى الرفض الذكوري وعدم نضج فكرة أهمية مشاركة المرأة الجزائرية في الحياة السياسية والشأن العام.
وتشبه لويزة مالك تجربة المرأة في المسار السياسي بفكرة قيادتها للسيارة "نسبة سائقات السيارات كانت جد ضئيلة في السابق بسبب تذمر المجتمع الذكوري في الجزائر، لكن مع مرور الوقت أصبح ذات الرجل هو من يصر على بناته وزوجته لتعلم القيادة، فأصبحت اليوم فكرة قيادة المرأة من المسلمات إلا ما نذر".
وتشدد على أنه وبالرغم من أن هذا القانون قد فتح باباً كان لا بد منه، غير أن المجتمع الجزائري لا يزال بحاجة إلى العمل على مستوى الوعي لدى الأفراد بأهمية ولوج المرأة وضرورة تواجدها في الساحة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، مشيرةً إلى أنه من هذا المنطلق يمكن التأكيد على أن مشكلة المرأة لا ترتبط إطلاقاً بالقوانين بل تتجاوزها لتشمل السلوك والقيم التي تحكم أي مجتمع كان.
وتعتقد لويزة مالك أن فكرة المشاركة السياسية للمرأة تحتاج إلى وقت حتى تنضج وتزول عنها الشبهات والتخوفات، وطبعاً لن يأتي هذا إلا بنماذج نسوية تحافظ على المكتسبات الثقافية والاجتماعية.
وعن ضرورة اعتماد نظام الكوتا النسائية تقول "في ظل المعوقات التي تعترض المرأة فإن نظام الكوتا خطوة لا بد منها من أجل إقحامها في المجال السياسي"، مؤكدةً على أنه لولا نظام "الكوتا" والذي يعني تخصيص نسب مئوية معينة من المقاعد النيابية للنساء، لما استطاعت المرأة التواجد اليوم في البرلمان الجزائري "مجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني" وحتى في المجالس المحلية.
وأضافت "في حال عدم اعتماد الكوتا في الانتخابات المحلية القادمة، أتوقع أن يؤثر بشكل كبير على نسبة تواجد المرأة في تلك المجالس، وسيكون لهذا القرار أثر سلبي بحكم أن المجتمع الذكوري هو الذي يتحكم بالشأن المحلي".
وعن العزوف النسوي بالرغم من إقرار البلاد نظام الكوتا تقول "يكمن سبب العزوف النسوي عن المجال السياسي في الخوف والرفض الذكوري الذي تقف خلفه التقاليد الاجتماعية التي ترى المرأة أقل من الرجل كفاءةً وإن كانت أفضل منه في المستوى، حتى في الأحزاب السياسية الأكثر ديمقراطية كانت توظف المرأة في الهياكل ويستعان بها في الحملات الانتخابية فقط".
وبالتالي فإن الرهان لـ لويزة مالك يتعلق أساساً بـ "تغيير الذهنيات وكسر الصورة النمطية للمرأة، إضافةً إلى القوانين التي تلعب دوراً ملحوظاً في دعم وجودها بالساحة السياسية".
وحول برنامج حملتها للانتخابات البلدية تقول "يقوم البرنامج على عدة محاور أهمها حكامة التسيير والتواصل الدائم والتنمية المحلية إضافةً إلى توثيق الصلة بأعضاء المجلس الشعبي الولائي ونواب البرلمان للدفاع عن برامج واحتياجات البلدية مع تشجيع وتوسيع فرص التعاون بين البلديات من خلال بعض المشاريع المشتركة، ودراسة فرص تأسيس مؤسسات خدمية مشتركة وتشكيل مؤسسات تعاونية بين البلديات".
وتتطابق وجهة نظر القيادية في حركة مجتمع السلم لويزة مالك مع الدراسة البحثية التي أنجزتها الباحثة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية زهيدة رباحي، إذ تقول "هناك عدة معوقات تواجه مشاركة المرأة الجزائرية في العمل السياسي سواء في المجالس المنتخبة أو مراكز صنع القرار، أهمها سيطرة العادات والتقاليد التي تدعم الرجل في المجتمع الأبوي، إضافةً إلى افتقار المرأة لعنصر الاستعداد لمواجهة العمل العام بما فيه المجال السياسي وعدم اقتناعها بفعاليتها السياسية لأن نظرتها السلبية في ميادين التعاون والمناقشة الإيجابية مع ذكور المجتمع يكرس تخلفها عن الساحة السياسية".
وتذكر الباحثة زهيدة رباحي في دراستها البحثية التي أصدرتها في شباط/فبراير عام 2016، وجاءت تحت عنوان "ترقية المشاركة السياسية للمرأة الجزائرية في المجالس المنتخبة: بين الضمانات القانونية والمعوقات العملية"، غياب المشاركة الفعلية في العمل السياسي وانكماش دورها في الهيئات الحزبية والهياكل النقابية والاتحادات المهنية وغيرها، إضافةً إلى وجود فجوة بين الخطاب السياسي والواقع، وغياب استراتيجيات تمكين المرأة من التأثير في اتخاذ القرارات من منابر الأحزاب السياسية.
والجدير ذكره أن المرأة الجزائرية تمكنت من جمع أكثر من 100 مقعد نيابي في انتخابات 2012، و154 مقعداً في البرلمان المنحل، بينما أظهرت النتائج الرسمية للانتخابات البرلمانية التي نظمت في حزيران/يونيو الماضي "تراجع كبير لتمثيل النساء في الهيئة التشريعية"، إذ بلغ عدد المقاعد التي حصدتها المرشحات في سابع برلمان تعددي في تاريخ الجزائر، 34 مقعداً فقط من إجمالي 407 مقعداً نيابياً.